الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني انسحاب ريتشارد نيفيو من المحادثات مع إيران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
سفن حربية إيرانية وروسية وصينية خلال مناورة عسكرية مشتركة في المحيط الهندي (أ ف ب).
سفن حربية إيرانية وروسية وصينية خلال مناورة عسكرية مشتركة في المحيط الهندي (أ ف ب).
A+ A-

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركيّة أنّ نائب الموفد الخاصّ للشؤون الإيرانيّة ريتشارد نيفيو انسحب من الفريق المفاوض في فيينا بسبب خلافات على آليّة إدارة المفاوضات. نيفيو الذي يعدّ "مهندس العقوبات" على إيران دعا إلى موقف أكثر صرامة في المفاوضات والحزم في إنفاذ العقوبات.

 

ولم يحضر نيفيو المحادثات في فيينا منذ أوائل كانون الأوّل الماضي. ونقلت الصحيفة عن مطّلعين قولهم إنّ عضوين آخرين في الوفد تراجعا عن المفاوضات للأسباب نفسها. ويعدّ النقاش حول ما إذا كان يجب قطع المفاوضات بسبب تعمّد إيران إطالة أمدها من أسباب الخلاف داخل الفريق المفاوض. ولم تكن "وول ستريت جورنال" الوسيلة الإعلاميّة الوحيدة التي أشارت إلى هذه الخلافات.


ذكرت شبكة "أن بي سي نيوز" أنّ نيفيو عاد إلى منصب آخر في وزارة الخارجيّة. ونقلت عن شخصين مطّلعين حديثهما عن وجود خلافات بين نيفيو والموفد الخاص للشؤون الإيرانيّة روبرت مالي، تمحورت حول مسار المحادثات. وأصدر مسؤول في وزارة الخارجية بياناً جاء فيه أنّ "ريتشارد نيفيو أجرى مساهمات مهمّة في الفريق، حيث خدم لقرابة عام. وهو يبقى مع وزارة الخارجية".

ورفض المسؤول الدخول في أسباب هذه الخطوة ردّاً على أسئلة موقع "إذاعة أوروبا الحرة"، مشيراً إلى "أنّنا لن ندخل في تفاصيل نقاشاتنا السياسيّة الداخليّة". لكنّه أوضح أنّ الانتقالات الشخصيّة في المناصب أمر "شائع جداً" خلال العام الأوّل للإدارة، مضيفاً أنّ نيفيو لا يزال يتمتّع بـ"قيمة عليا" كموظّف في وزارة الخارجيّة.

يأتي الخبر في توقيت صعب للولايات المتحدة والغرب اللذين كرّرا أنّ ما يفصل نجاح أو فشل المفاوضات هو مجرّد أسابيع قليلة. كذلك يأتي في وقت أعربت واشنطن عن "استعدادها" لإجراء مفاوضات مباشرة مع طهران لإحياء الاتفاق النووي. جاء ذلك بعدما أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أنّ بلاده لا تستبعد تواصلاً مباشراً مع واشنطن في فيينا، إذا كان ذلك ضرورياً للتوصّل إلى "اتّفاق جيّد مع ضمانات قويّة". وكانت طهران هي التي اشترطت إجراء المفاوضات بشكل غير مباشر على اعتبار أنّ واشنطن انتهكت أوّلاً الاتّفاق النوويّ.

تكهّنات
قد يكون خبر انسحاب نيفيو من الفريق المفاوض إيجابيّاً بالنسبة إلى الإيرانيّين. فقد انتقدوا واشنطن في آذار الماضي على تعيينها نيفيو قائلين إنّ ذلك "دليل على خبث إدارة بايدن"، كما فعل النائب الإيرانيّ أحمد نادري. وكانت صحيفة "وطن إمروز" قد شبّهت بايدن ونيفيو ببطلي فيلم "محامي الشيطان" كيانو ريفز وآل باتشينو، بعد أن قامت بتعديل (فوتوشوب) لصورتي البطلين كي يصبح بايدن هو "الشيطان" ونيفيو هو "محاميه".

ويملك نيفيو خبرة محترمة في الولايات المتحدة لعمله الطويل في قضايا العقوبات، والحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة، كما لعمله في إدارتي بوش الابن وأوباما بين 2006 و2013، مع ما يعنيه ذلك من قدرة على تخطّي الخلافات الحزبيّة. لكنّه شارك أيضاً في المفاوضات النوويّة مع إيران قبيل التوصّل إلى خطّة العمل الشاملة المشتركة في 2015. ودافع نيفيو عن الاتّفاق بصفته يمنع إيران من تشغيل برنامج سرّيّ للأسلحة النوويّة.

ثمّة نقطة أخرى مثيرة للاهتمام. بحسب "وول ستريت جورنال"، أكّد المسؤولون خبر رحيل نيفيو عن الفريق المفاوض خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي. وأعلن عبداللهيان عن استعداد إيران للتفاوض "المباشر" مع الأميركيّين يوم الإثنين. يُثير هذا التوقيت الالتباس بالرغم من أنّ الأمر قد يكون مجرّد صدفة.

إشارة رهيبة
في جميع الأحوال، رأت هيئة التحرير في صحيفة "نيويورك بوست" أنّ انسحاب نيفيو من الفريق المفاوض هو "إشارة رهيبة"، و"واضحة"، إلى أنّ إدارة بايدن "ستترك إيران تُصبح دولة نووية". وأضافت أنّ وزارة الخارجيّة في الإدارة الحاليّة قرّرت "مواصلة التحدّث حتى تعلن إيران أنّها صارت نوويّة – عوضاً عن المخاطرة بإزعاج قادة إيران عبر إظهار القساوة. بايدن لا يريد دراسة بدائل للاتفاق المدمّر إلى درجة أنّه يريد تجاهل واقع أنّ الإيرانيين يضيّعون الوقت". وكتبت أنّ "جميع أعداء أميركا الآخرين (سوف) يدركون أنّ الديبلوماسيّة الأميركيّة بلا أسنان".

من جهته، قال النائب الجمهوريّ عن ولاية فلوريدا مايكل وولتز، الذي خدم في الشرق الأوسط كأحد عناصر "القبعات الخضراء" النخبويّة، إنّ انسحاب المسؤولين الثلاثة من الفريق المفاوض في هذا المنعطف المفصليّ من المحادثات يظهر أنّ سياسات بايدن تعرّض "الأمن القوميّ للخطر".

وفي حديث إلى "دايلي مايل" البريطانيّة، أشاد وولتز بخطوة هؤلاء الديبلوماسيّين: "من الجيّد رؤية بعض المسؤولين يدركون متى تصبح الديبلوماسيّة يائسة جداً، وتبدأ فعلاً بتعريض الأمن القوميّ الأميركيّ للخطر"، داعياً الإدارة في الوقت عينه للعودة إلى "حملة الضغط الأقصى".

العقوبات كـ... "فنّ"
كان نيفيو يرى في العقوبات "فنّاً". في 2017، أصدر كتاباً بعنوان "فنّ العقوبات: نظرة من الميدان"؛ وقد شرح فيه كيف تهدف العقوبات إلى إنزال ألم لا يُحتمل بالـ"هدف"؛ الأمر الذي يجبره على الانصياع لمطالب الولايات المتحدة. وأضاف أنّ ضحايا العقوبات يمكن أن يكونوا مرئيّين بشكل أقلّ من تلك التي تتسبّب بها النزاعات العسكريّة. وبحسب مجلّة "ذا نايشن"، تفاخر نيفيو بالأساليب المختلفة التي دمّرت فيها حملة العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما الاقتصاد الإيرانيّ، حيث تسبّبت بالانكماش، وارتفاع التضخّم إلى أكثر من 10% واصفاً الحملة بـ"النجاح الهائل".

هل يؤدّي انسحاب نيفيو والمسؤولين الآخرين من الفريق المفاوض إلى زيادة الضغط الجمهوريّ على الإدارة الأميركيّة بصفتها "تسترضي" الإيرانيّين؟
إحدى مشكلات إدارة بايدن أنّ تقرير "وول ستريت جورنال" أتى بعد أيّام على تقرير "واشنطن فري بيكون" عن سماح إدارة بايدن، عبر غضّ الطرف عن إنفاذ العقوبات على مدى عام تقريباً، بزيادة احتياطيات إيران من العملات الصعبة بحدود 750%، وفقاً لتحقيق جمهوريّ في الكونغرس. لا شكّ في أنّ الإدارة الحاليّة تجد نفسها هذه الأيام أكثر وأكثر وسط تجاذبين يصعب التوفيق بينهما: الأوّل يدعوها إلى التشدّد تجاه إيران لإنقاذ الهيبة الأميركيّة، والثاني إلى إنقاذ اتّفاقها الخاص قبل فوات الأوان.


قد لا يطول الأمر قبل معرفة أيّ من الاتّجاهين ستميل إليه!


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم