الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

أيام في سراييفو درس للبنان

المصدر: "النهار"
Bookmark
رسم لأخيل بلترام يصوّر اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند في الصحيفة الإيطالية "Domenica del Corriere"، صباح 12 تموز 1914 (أرشيفية).
رسم لأخيل بلترام يصوّر اغتيال الأرشيدوق فرانز فرديناند في الصحيفة الإيطالية "Domenica del Corriere"، صباح 12 تموز 1914 (أرشيفية).
A+ A-
رؤوف قبيسي أقف على جسر برينسيب، فوق نهر ملياتسكا الذي يشق قلب العاصمة سراييفو، أفكر في هذا العالم الذي ما زال يحكمه أبالسة وشياطين. لا مدينة في العالم تردد ذاكرتها أصداء الحروب كما سراييفو. يعيدني ترابط المشاعر إلى 28 حزيران من سنة 1914، فأتصور الحدث المهول كما لو أنه شريط سينمائي سريع. في يوم حار، على بعد خطوات قصار من ذلك الجسر المجبول بالحجارة الصلبة، كانت تمر سيارة مكشوفة في داخلها ولي عهد النمسا، امير المجر وبوهيميا، الأرشيدوق فرانز فرديناند وزوجته صوفيا. لا أحد كان يتوقع أن يقع في هذا المكان المغمور، حادث سوف يهز العالم هزاً عنيفاً، ويبيد دولاً وممالك وإمبراطوريات. جاء الناس من مختلف الأقاليم ليلقوا نظرة على الأمير الوسيم وزوجته الفاتنة. فجأة يتسلل من بين الجموع شاب صربي مراهق اسمه غفريلو برينسيب. يسحب من سترته مسدساً، ويطلق منه بضع رصاصات على الأمير وزوجته، ويرديهما قتيلين. طلقات كانت كافية لتشعل فتيل حرب ضروس، سميت يومها الحرب الكبرى، ثم تغير اسمها وصار الحرب العالمية الأولى. لم يكتف أبالسة العصور بتلك الحرب التي غيرت وجه العالم، وأنهت الإمبراطورية العثمانية، وحكم اسرة هابسبورغ على مناطق وممالك ودول شاسعة في قلب أوروبا، بل أشعلوا حربا عالمية ثانية، قضى فيها عشرات الملايين من البشر نحبهم. وكما يردني المكان إلى العام الذي نشبت فيه تلك الحرب، تأخذني سراييفو إلى الحرب الدائرة في أوكرانيا وتجعلني أتساءل: هل تكون هذه الحرب تمهيدا لحرب عالمية ثالثة، ومن الذي يضمن ألا تكون؟! أو ليست النفس البشرية هي ذاتها منذ وجد الإنسان على هذه الأرض؟ هل خلا العالم من الأبالسة والشياطين، وما يملكون من أسلحة دمار شامل، ليستتب فيه الأمن والسلم؟! أتذكر قول الشاعر الألماني فاغنر، إن العالم كان وسيبقى عالم طغاة وأفاكين واشرار، وتخطر في بالي كلمات شاعر آخر، بول فاليري: "الحرب لعبة قذرة، يموت فيها جنود لا يعرف بعضهم، لمصلحة زعماء يعرفون بعضهم ولا يقتتلون"!أفكر في زيارتي الأولى إلى سراييفو قبل 13 سنة، وحديثي الشائق مع رئيس مجلس رئاسة البوسنة والهرسك حارث سيلاديش، وقد نشرت يومها فصلاً منه في "مجلة الخليج". أذكر قوله إن حلم غالبية الناس في سراييفو أن تكون مدينتهم موطنا تتعايش فيه الحضارات والأديان والثقافات. لم يعتبر إن حرب السنوات الثلاث الدامية (1992 -1995) في البوسنة كانت دينية، لأن طغاة الصرب لم يحاربوا المسلمين البوشناق وحدهم، بل حاربوا الكراوت أيضا، وهؤلاء مسيحيون مثلهم، ولو أنهم ينتمون إلى الكنيسة الكاثوليكية، بخلاف الصرب الذي ينتمون إلى الكنيسة الأرثوذوكسية. أما سكان الجبل الأسود (مونتي...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم