الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

جولة في نِزوى... "بيضة الإسلام" وقِبلة عُمان الثّقافيّة (صوَر)

المصدر: مسقط- "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
أسرة عُمانيّة تجول في السّور. (النّهار)
أسرة عُمانيّة تجول في السّور. (النّهار)
A+ A-

خصبة ونضِرة مساحات التّاريخ الّتي تكتسيها نِزوى على امتداد 24 قرناً. لا بدّ لمن يزور عُمان الجميلة من أن يُيمّم وجهه شطر ثاني أهم مدينة والخزان الثقافيّ للبلاد. رآها مؤسّس الدولة الحديثة السلطان قابوس "مدينة العلم والتراث"، وأطلق عليها العمانيون لقب "بيضة الإسلام". نِزوى العامرة بالإرث الدّينيّ الّذي أهّلها لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية في عام 2015.

المدينة أشبه بماكيت تاريخيّ للسلطنة. هذا ما يعطيه الانطباع الأوّلي ويلازم الزائر طيلة جولته. يفصلها عن مسقط نحو 164 كيلومتراً، وجعل منها موقعها على مشارف الجبل الأخضر مركزاً استراتيجيّاً للحكّام، فأنشأوا فيها الحصن والقلعة والمساجد والسّوق. حافظت هذه المعالم على مؤهّلاتها التاريخية الأصيلة، فأضحت محجّاً للسيّاح والمهتمّين باكتشاف مواطن الحضارة والإسلام الإباضيّ.

 
 

لا يمكن إعادة تشكيل ملامح عُمان التاريخية بدون اكتشاف نِزوى الّتي شغلت عاصمة عُمان خلال بدايات عصورها الإسلاميّة. وصفها ابن الأثير في القرن الـ13 في كتابه المشهور "الكامل في التاريخ" بأنّها عاصمة وأهمّ مدينة لجبال عُمان.

حصن نِزوى

يُعدّ الحصن أقدم معالم نِزوى الأثريّة. أعيد تأهيله في أواخر القرن العشرين، ليصمد أمام عوامل التاريخ والطبيعة. شيّد الحصن الإمام الصلت بن مالك الخروصي في أواخر القرن التاسع. ويتكوّن من أقسام كثيرة، منها سكن طلاب العلم، تُسمّى "غرف صحار" تيمّناً بولاية صُحار، فهذه المدرسة المصغّرة كانت مبتغىً لكلّ الطّلبة الّذين يتوافدون إليها من كلّ أقطار البلاد، راغبين في تلقّي العلم على يد "الإمام"، فيهتمّ بإعدادهم، ويختار منهم بعد سنوات من يجده الأكثر تميّزاً وكفاءة لمعاونته.

ويحتضن الحصن مقرّاً للضيوف والوجهاء الذين يفدون إلى الإمام من أماكن بعيدة، وغرفة العسكر، ومكتبة الإمام، وغرفاً مخصّصة لصنع القهوة وتحضيرها. وكانت استقبالات الإمام تنقسم بين غرفتين: غرفة الصلاة التي كانت مفتوحة للاجتماع بالناس حول الشؤون العامة، وغرفة "النجوى"، ومثلما يدلّ اسمها فهي مخصّصة للاجتماعات السرّية، بالإضافة إلى غرفة الإمام حيث يقيم عباداته، وهناك مخازن التمر.

 
 

القلعة: مقرّ الإمام

بُنِيت قلعة نزوى في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي في منتصف القرن السابع عشر، واستغرق بناؤها 12 عاماً. وهي عبارة عن مبنى دائري كبير مبنيّ بالحجارة والصاروج العمانيّ الذي يُصنع من الطين المحروق مع ألياف النباتات. واللافت هو التقنيّة العمرانيّة الصعبة في ذلك الوقت، فالقلعة شيّدت في بناء أسطوانيّ يتطلّب جهداً عالياً لتطويع أشكال الصخور.

 وعلى نحو جميع القلاع التاريخية، تتمتّع القلعة بنظام دفاعيّ كبير، تؤمّنها المدافع المنصوبة على فتحات القلعة، والفخاخ التي تنتظر جنود العدوّ عند الباب، من خلال آليتين دفاعيتين: الأولى هي صبّ الزيت المغليّ عند دخول الجنديّ، والثانية حفرة، وتتكرّر هذه الاحترازات خمس مرّات ما يجعل اختراقها أمراً بالغ الصعوبة.

 

وفي باطن القلعة سراديب سرّية، تمتدّ من غرفة الحاكم نحو مخارج، بعضها يصله بقلب المدينة والبعض الآخر خارجها، ويستخدمها لتقصّي أحوال الأهالي في الليل، أو لتأمين نقل الغذاء إذا ما تعرّضت المدينة للحصار.

الإسلام في نِزوى

اعتنقت عُمان الإسلام بطريقة سلميّة في حوالي عام 630، خلال سعي الرّسول محمّد إلى التّوسّع. وحسب الدّليل السياحي الّذي رافق جولة "النهار" في القلعة، فإنّ الإباضيّة الّتي تُعدّ المذهب الطّاغي في عُمان، يرجع تاريخها إلى القرن الأول الهجري. وتعتمد في معتقدها على ضرورة وجود إمامة عادلة، وكان الإمام يُنتخب، وهو حاكم البلاد ومرجع الإسلام في آن واحد.

 
 

وفيما ارتبطت "الإباضية" بعبد الله بن إباض التميمي، فإن المذهب تطوّر على يد الإمام جابر بن زيد الّذي قام بأوّل تدوين للفقه الإسلاميّ، وكان يتنقّل بين نِزوى والبصرةوالمدينة المنوّرة لتلقّي العلم.

المساجد بلسان الرحّالة

يربو عدد المساجد في نِزوى على 600 مسجد، أهمّها جامع القلعة المحاذي لها. وتقول بعض الرّوايات إنّ للمسجد قبلتين، القدس ثمّ مكّة المكرّمة الّتي قُرّرت لاحقاً في الإسراء والمعراج. وافتتح السلطان قابوس المسجد في عام 1980 بعد إعادة تأهيله، وألقى فيه خطبة الجمعة الشهيرة، فصار يُعرف باسمه.

ولم تكن المساجد في نِزوى دوراً للعبادة ومقارَّ لأهل الدّين والعلم فحسب، بل كانت أيضاً ملتقى الزوار والغرباء من العلماء والرحّالة والتجّار، وتشهد بذلك كتابات كبار الرحّالة المسلمين كالمقدسي وابن جبير وابن بطوطة والبغدادي، فقد كانت عادة أمثال هؤلاء إذا ما نزلوا بلداً لا يعرفون فيه أحداً أن يقصدوا المسجد ليلتقوا بالغرباء من أمثالهم أو بأهل المدينة.

وفي هذا السياق، زار الرحالة ابن بطوطة عُمان في القرن الرابع عشر ونقل عن نِزوى انطباعاً جليّاً في إعجابه:

"وقصدنا عاصمة ذلك البلد ألا وهي مدينة نِزوى. وهي تقع على سفح جبل، ومحاطة بالقنوات والبساتين، وبها أسواق جميلة ومساجد منظمة ونظيفة، واعتاد سكّانها على أكل طعامهم في فناءات المساجد، وكلّ واحد منهم يأتي بما لديه من طعام، وبذلك فهم يتجمّعون ويأكلون معاً وجميع الراحلة، ويسارعون إلى مساعدة الناس الآخرين".

سوق نِزوى

يحيط بالقلعة سوقُ نِزوى التاريخيّ الّذي لا يزال يحافظ على طابعه المعماري التقليديّ، ونظافته لافتة. وهو يعدّ أشهر الأسواق الشّعبيّة في السلطنة، وتشتهر في صناعاته اليدوية الخناجر والفخار والفضّة والنحاس وصناعة "الدشداشة" أي العباءة العمانية وتطريزها.

 
 

وكذلك تنشط صناعة بودرة الصّندل التي تشرح لنا حرفيّة عمليّة صنعها كالآتي: "نستقدم خشب الصندل من الهند. نرطبه بالمياه حتى يذوب، فنصنع منه الأقراص وننتظره حتى يجفّ. حين تتصلّب الأقراص، أطحنها لتتحوّل إلى بودرة. وعادة ما تخلطه العرائس بماء الورد المقطر ويستخدمنه لنضارة الوجه".

 
 

وتعتمد نِزوى على موسم الورد في الجبل الأخضر الّذي يبدأ في أواخر آذار من كلّ سنة، فيفوح أريجه بين أزقة بيوت الجبل، ويُقطّر في معامل صغيرة لا تزال تحتفظ بأساليبها التّقليدية.

 
 

كتب المقدسي ملاحظة في عام 985 بوجود سوق نزوى لأكثر من 1000 سنة مضت، وجاء في نصّها:

"يقع المسجد في قلب السوق، ويشرب السكان الماء من الأفلاج والآبار، وإذا ما حدثت فيضانات في الأودية نتيجة مياه الأمطار فإن المياه تدخل المسجد". وتجدر الإشارة إلى أنّ فلج "دارس" في نِزوى يُعدّ أكبر وأشهر الأفلاج في السّلطنة، وهو يسقي أكثر من 280 فداناً، فيرفد بمياهه مختلف أصناف النخيل وأشجار العنب والتين والموز والمانغو والسفرجل والليمون الّتي تنتشر زراعتها في نِزوى. وأُدرج على لائحة الأفلاج الخمسة في عُمان المسجّلة لدى الأونيسكو في عام 2016".

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم