الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

"أضواء لبنان" تشعّ من معهد العالم العربي في باريس بلمسة كارل جرجس... محكيّة ثلاثة أجيال بالتراب

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
معرض "أضواء لبنان" في صالة المانحين- معهد العالم العربي في باريس.
معرض "أضواء لبنان" في صالة المانحين- معهد العالم العربي في باريس.
A+ A-

لبنان عالق في ظلمة النفق، لكن نوره عابر للعالم والأزمنة. مفهوم يجسّده معرض "أضواء لبنان" للفنّ الحديث والمعاصر الذي يقام في معهد العالم العربي في باريس من 21 أيلول لغاية 2 كانون الثاني 2022. إنّه شهادة على إبداع ثلاثة أجيال من فنانِي لبنان وشتاته، تُلقي الضوء على أصالة إبداعاتهم، وثرائها، وعالميتها، بمجموعة مختارة من أعمال نحو 150 فناناً حديثاً ومعاصراً، أرّخت لمراحل منذ 1950 لغاية 4 آب 2020، التاريخ المأساة. يضع المعرض هذه الأعمال في سياقَيها الاجتماعي والسياسي، مع إيلاء اهتمام خاصّ للمسارات التي تكشف عن الحوار المستمرّ بين بيروت وباريس.

في تصميمها الجديد، تشعّ المساحة الحاضنة بتقنية مبتكرة، عزّزت القيمة الفنيّة للمعرض: "صالة المانحين (Salle des donateurs) التي تضمّ اللوحات والتحف، غلّفتُ جدرانها بتراب لبنان". اتّساق المساحة مع المضمون يشير إليه المعماريّ والفنّان اللبنانيّ كارل جرجس الّذي تولّى هندسة وسينوغرافيا الصّالة.

 
التراب الجامع

"أضواء لبنان" تعبير عن التّضامن مع شعب لبنان وعالمه الفني والثقافي الذي أصيب بجرح عميق نتيجة تراكم الجرائم والمحن. إنّه احتفاء ببيروت، مدينة النور في الشرق الأوسط؛ بيروت المدينة المحظوظة جغرافياً، والأرض الراسية على حالة طوارئ مستمرّة، والمكان الذي يُحلم به؛ وهي مكان مدمّر، لكنّها عاصمة فنية عالمية رائدة وموقع للصراعات والكوارث البشريّة.

على المقلب الآخر، يذكّر الفنّ بالوجه المضيء للبنان الآخر، وبكونه بوتقة تنصهر فيها الحضارات والثقافات المنتشرة عبر القارات الخمس. لبنان الذي اخترع التجارة البحريّة والأبجديّة، ومدّ روابط بين الشعوب منذ ألف عام، وخلق النهضة العلمانيّة، وناهض الإكليروس، مهيّئاً ولادة جديدة للّغة والحروف والفكر السياسيّ والاجتماعيّ للعالم العربي.




"في لبنان، الفن هو الضوء غير المرئيّ". علاوة على ذلك، "وضعني إعادة تصميم الصالة أمام تحدٍّ كبير، فأنا شديد الإعجاب بنظرة الأسطورة جان نوفيل إلى العالم العربي، التي جسّدتها في عمارة معهد العالم العربي في باريس. واقعنا العربي تمزُّق وصراعات. استرسلت في البحث والتأمّل في الإرث الثقافي الذي يصل لبنان بمحيطه، لأخلص إلى أنّ التراب هو العامل المشترك. لننظر إلى حجارة المعابد في بعلبك وتدمر والأقصر، كلّها من ذات اللون، لأنها جبلت من تربة واحدة"، خلاصة جرجس في ولادة مفهومه.
ومن هذا المنطلق، صنع من تدرّجات ألوان الأرض في التكوينات الصخريّة خلفيّة مشتركة، وكَسا بها أيضاً الكراسي وقواعد المعروضات.



الإلهام وانفجار بيروت

من جانب آخر، يستدرج "أضواء لبنان" زوّاره للتفكير في أنماط تشكيل الحداثة والريادة في أوروبا خلال اكتشافها للشرق، وفي أنماط تشكيل الحداثة في لبنان وامتداده العربي خلال اكتشافه لفنون الغرب، التي تضرب جذورها في الثقافات العلميّة والشعبية المحليّة متاحف ومكتبات باريس ولندن وروما وعواصم غربية أخرى. كذلك ينظّم معهد العالم العربي اجتماعات أسبوعية تتناول السياقات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والجمالية لدى كلّ جيل وكلّ فنّان شارك في المعرض.


ومثل معظم اللبنانيّين، كانت الفترة التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 بالنسبة إلى كارل طافحة بالأحزان والخسائر "بعد أن دمّرت شقتي، اضطررت للسكن مع والديّ خلال ثلاثة أشهر كرّستها لإصلاح سكنيّ. وعلى خلفيّة أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية لا مثيل لها، شعرت بالحاجة لأخذ مسافة عن لبنان فسافرت إلى باريس. خلال إقامتي، أتيحت لي الفرصة التواصل مع مؤسّسة بارجيل للفنون التي دعتني إلى عقد مؤتمر لطلاب الجامعة الأميركية في باريس (AUP) حول الهندسة المعمارية والموسيقى. في نهاية هذا الاجتماع، اقترحت المؤسّسة عليّ مشروع إعادة تصميم غرفة الأخبار في معهد العالم العربي، والتي تغيّر اسمها إلى غرفة المانحين. تبع ذلك لقاء مع جامع التحف الفنية الفرنسي من أصول لبنانية كلود ليمان الذي تبرّع بـ1600 عمل لمتحف معهد العالم العربي، من بينها تلك التي سيضمّها معرض "أضواء لبنان". لقد ألهمني ليمان بسيرته وحبّه والتزامه تجاه لبنان".

صُنع في لبنان

التحدّيات ليست هامشاً في حكاية المعرض، لكن كارل قبِلها. لم يتابع دروساً في السينوغرافيا، إلا أنه وثق في شغفه بالفن، الّذي لمسه المتابعون في عزفه على "الدرامز" ضمن فرقة مشروع ليلى. بالممارسة، تتطوّر مسحة الساحر "كنت أصمّم مساحات بديعة لحفلاتنا الموسيقية. وفي سياق جولاتنا العالمية، توالفت مع العزف في مساحات المتاحف، مثل مِت (MET) في نيويورك، والقصر الكبير (Grand Palais) في باريس".


تقنيّاً، خلق المعماريّ لنفسه تحدّياً آخر، فقد أصرّ على أن يصنع كلّ المنتجات في لبنان ويستعين بفريق لبناني. "شكّلت فريقاً من الحرفيين اللبنانيين لمساعدتي، لأنّ المعرض يمنح فرصة لهؤلاء الشباب ليصدّروا مواهبهم وينفتحوا على آفاق جديدة في ظلّ الأزمة الحالية. وكانت ظروف عملهم صعبة للغاية، بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة ونقص الوقود. تخوّفت اللجنة المنظّمة لـ"أضواء لبنان" جدّاً من تلبية الموعد المحدّد، لكنّنا نجحنا. فكرة مثيرة للضحك لكنها ليست طريفة، حين نتذكّر أنّ معرض "أضواء لبنان" يقام خلال أكثر فترة تعاني فيها لبنان من العتمة".

أجيال ثلاثة والنضال ثابت. اعتنق طريقه مَن أرادوا أن يجعلوا الفنّ سبب وجودهم، فخلقوا أعمالهم خلال حروب أو ظروف شديدة التعقيد، وفي خارج لبنان منفيين ومنفصلين؛ فنّانو العصر الذهبي بين العام 1943 والعام 1975، وجيل ما بعد الحرب وجيل التسعينيّات. "من الرائع حقّاً أن تتجاور أعمال رفاقي وفنّانين من جيلي مع فنّانين عريقين في صالة عرض واحدة. لوحات بول غيراغوسيان (مواليد 1923) وإتيل عدنان (مواليد 1925) ومخطوطات أدونيس (مواليد 1930) ومنحوتات ميشال بصبوص (مواليد 1921)، معروضة إلى جانب أعمال ابنه أناشار بصبوص (مواليد 1969) وفنّانين من جيله، وصولاً إلى فنانين من التسعينيّات أمثال مارك غيراغوسيان (حفيد بول)، وأنس البريحي وليال نخلة وكثير غيرهم... من هؤلاء الفنانين نستمدّ ضوءنا".

*صور المعرض: Carl Gerges Architects 

 

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم