الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

لماذا أعادت روسيا ملفّ "الخوذ البيضاء" إلى الواجهة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-


تطابق الموقف الروسيّ والسوريّ

الانتقادات الروسيّة لمتطوّعي الدفاع المدنيّ السوريّ الذين عُرفوا باسم "الخوذ البيضاء"، بدأت تتصاعد مع نقلهم مشاهد تبدي تعرّض المدنيّين لهجمات كيميائيّة. بناء على ذلك، شكّل هذا الملفّ محور تجاذب كبير بين الروس والدول الغربيّة بشكل تصاعديّ، حتى وصل إلى أقصى مدياته في نيسان 2018 حين كان الدفاع المدنيّ ينقذ أطفالاً من دوما بدت عليهم عوارض استنشاق موادّ كيميائيّة. لطالما رأت روسيا في "الخوذ البيضاء" مجموعة من المتآمرين الذين يقومون ب "فبركة" مشاهد تعرّض المدنيّين لقصف بالسلاح الكيميائيّ.




وفي ما يتعلّق بدمشق، يبدو الموقف متطابقاً، إذ نفى الرئيس السوريّ بشّار #الأسد في 26 تموز الماضي وجود "منظمة مثل الخوذ البيضاء". وأضاف: "إنّه قناع للنصرة. ولقد هربوا من سوريا، لكن في الواقع لم يهربوا بل تمّ إجلاؤهم، من قبل إسرائيل والأردن والدول الغربيّة". وخلال حديث أمام وسائل إعلام روسيّة أشار إلى أنّ "مصير الخوذ البيضاء مثل (مصير) أيّ إرهابيّ آخر" مخيّراً إيّاها بين إلقاء السلاح أو مواجهة القتل.


موسكو و"الخوذ البيضاء" ... وثالثهما لندن

في سياق الاتّهامات التي وجّهتها إلى تلك المنظمة، قالت روسيا إنّ بريطانيا هي التي موّلت "الخوذ البيضاء" عبر جهاز المخابرات "أم آي 6"، علماً أنّ لندن لم تكن تخفي دعمها للمنظّمة، إذ وصل حجم الدعم المادّي الذي قدّمته لها إلى أكثر من 50 مليون دولار حتى أيّار الماضي. واستمرّ الربط الروسيّ بين لندن والمنظّمة بعد اتّهام لندن موسكو بتسميم الجاسوس المزدوج الجنسيّة سيرغي سكريبال على أراضيها بواسطة غاز نوفيتشوك السوفياتيّ الصنع. فعقب الهجوم على دوما، قال وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي #لافروف: "لدينا دليل دامغ على أنّ الأجهزة الخاصّة لدولة هي في واجهة حملة الرهاب من روسيا، لها يد في تحضير" الهجوم. وقال أيضاً الناطق باسم وزارة الدفاع الجنرال إيغور كوناشينوف: "لدينا دليل على أنّ بريطانيا كانت متورطة مباشرة في تنظيم هذا الاستفزاز".


تركيا معنيّة؟

عند كلّ معركة مفصليّة في النزاع السوريّ خلال الأشهر الماضية، كان يبرز اسم "الخوذ البيضاء" إلى الواجهة، بدءاً من دوما مروراً بالهجوم على القنيطرة ودرعا وصولاً إلى التمهيد للعمليّة العسكريّة التي كانت تُحضّر لإدلب. فخلال الصيف المنصرم، تحدّث الإعلام الروسيّ عن أنّ المنظّمة تعدّ لهجوم كيميائيّ آخر بهدف استحضار تدخّل عسكريّ غربيّ آخر. لكنّ مستشار شؤون الأمن القوميّ جون بولتون أعلن في أيلول أنّ بلاده اتّفقت مع فرنسا وبريطانيا على ردّ أقسى من سابقه في حال تمّ اللجوء للسلاح المحرّم دوليّاً.




إنّما مع التوصّل إلى اتّفاق #سوتشي الذي تمكّن بالحدّ الأدنى من تعليق العمليّة ضدّ آخر منطقة خفض تصعيد في سوريا، كان من المتوقّع أن يتمّ وضع ملفّ "الخوذ البيضاء" جانباً، طالما أنّ الأعمال العسكريّة متوقّفة لأسابيع. لكنّ ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسيّة عن ديبوماسيّين كانوا حاضرين في الاجتماع المغلق يطرح تساؤلات عن سبب تسليط الضوء الروسيّ مجدّداً عن هذه المنظّمة. فقد قال أحدهم إنّ التركيز الروسيّ صبّ على ضرورة إخراج "الخوذ البيضاء" من محافظة إدلب بالتحديد. إنّ رفض الدول الغربيّة تلبية المطالب الروسيّة في هذا الإطار يمكن أن يدفع موسكو للاستدارة نحو حليفتها أنقرة، لإضافة هذا البند على اتّفاق "سوتشي". لكن في جميع الأحوال، هل تعني إعادة فتح روسيا هذا الموضوع، أكان مع الغربيّين أو ربّما مع الأتراك، وجود فكرة روسيّة لتحرّك عسكريّ مقبل في إدلب؟


خيوط

في 30 آب الماضي، ذكر الباحث في موقع "بيلينغكات" نور نحّاس أنّ الحديث الروسيّ عن شنّ هجمات كيميائيّة ليس مرتبطاً دائماً أو مستبقاً لهجمات محدّدة من قبل القوّات الحكوميّة. "عوضاً عن ذلك، يبدو أنّ هذه الادّعاءات تأتي أحياناً عندما تحتاج روسيا للتشويش على حديث مرتبط بالهجمات أو الدخول في سيطرة وقائيّة على ضرر (يتسبّب به) حليف تعاني في السيطرة عليه".

هذا التحليل قد يذكّر بتساؤلات دائمة حول غياب تطابق الأفكار بين الروس وحلفائهم الإيرانيّين والسوريّين بشأن الاتّفاق. وفي حين لم تتحدّث روسيا عن المدى الزمنيّ لمفاعيل هذا الاتّفاق بانتظار التزام الجانب التركيّ بتطبيق بنوده، كان الأسد يتحدّث عن أنّ "سوتشي" هو "إجراء موقّت". لكن بالمقابل، لا يمكن استبعاد توافق محتمل بين الروس وحلفائهم بشأن مصير المحافظة.




سبق لمحلّلين أن أوضحوا ضرورة مراقبة الخطاب الروسيّ لمعرفة خطوات موسكو المقبلة إزاء إدلب. بحسب هؤلاء، إن لم يقتصر توصيف روسيا ل "الإرهابيّين" على القاعدة و "هيئة تحرير الشام"، فعندها سيكون من المرجّح وجود نيّة روسيّة بالتحضير لعمليّة عسكريّة موسّعة. من هنا، قد تكون إعادة تذكير موسكو بتوصيفها للخوذ البيضاء كمنظّمة "إرهابيّة" وبضرورة إخراجها من إدلب، عنصراً مهمّاً من عناصر الخطاب الروسيّ الذي قد يكشف خيوطاً حول ما تنتظره إدلب في الأسابيع المقبلة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم