الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"اقلب الصفحة" لا تكفي ليعود الآلاف... أين زعماء الحرب؟

المصدر: "النهار"
مي عبود ابي عقل
"اقلب الصفحة" لا تكفي ليعود الآلاف... أين زعماء الحرب؟
"اقلب الصفحة" لا تكفي ليعود الآلاف... أين زعماء الحرب؟
A+ A-

"اقلب الصفحة".. ليس الأمر بهذه السهولة على من فتحت أمامه صفحات من كتب الاحزان والاهمال والتجاهل، وقضت مضجعه ليالي الحيرة واليأس. ليست كلمة سحرية تقلب الواقع وتغيره، لمجرد اطلاقها شعارا، بغض النظر عن النوايا الطيبة من ورائها.


كيف تقلب الصفحة أم لا تزال تنتظر أن يطل ابنها المفقود من وراء الباب؟ كيف تقلب الصفحة زوجة ذهب زوجها ولم يعد بعد؟ كيف يقلب الصفحة اولاد كبروا وهم ينتظرون الوالد الحنون الذي ذهب للقمة عيش كريمة؟ كيف يقلب الصفحة اهل واحباء واصدقاء فقدوا اهلا وأحباء واصدقاء لم يملأ احد مطارحهم؟


كيف ينسى هؤلاء كل هذا الأسى والحزن، وهم يرون يوميا المسؤولين عن خطف أحبتهم وفقدانهم، يتنعمون ويتابعون حياتهم وكأن شيئا لم يكن، بينما هم يغوصون في بحر الضياع والحيرة القاتلة؟ كيف ينسون ويقلبون الصفحة قبل ان يعرفوا مصير أحبتهم المجهول منذ عشرات السنين، ولا أحد يسأل او يهتم؟ كيف يخرجون من وضعهم العاطفي والذاتي والاجتماعي المأسوي، كرمى لعين منظرين وسياسيين لا يعتبرونهم موجودين؟


منذ تأسيس جمعية المفقودين اللبنانيين في العام 1982، رفع رقم 17 ألف مخطوف ومفقود، لكن مع سنوات الحرب وتزايد اعمال العنف واشتداد سطوة الميليشيات من مختلف الاتجاهات، ودخول الجيشين الاسرئيلي والسوري الى لبنان، وأعمال الخطف التي مورست، ارتفع هذا الرقم الى ما لا يقل عن مئة ألف مفقود.. جريمتهم انهم ابرياء.


بضع عشرات من الامهات والزوجات، تساندهن بعض جمعيات ومؤسسات من المجتمع المدني وبضعة صحافيين وإعلاميين، حملوا لواء القضية، وداروا بها من مسؤول الى مسؤول، ومن زعيم الى آخر، لكن من دون طائل، لا بل رفضت مرات لقاءاتهم. لم يساندهم احد من الشعب اللبناني، لم يدعمهم احد من الرسميين، كانوا لوحدهم، لا أحد يشعر بمعاناتهم، بمأساتهم، بمصيبتهم.. فأقاموا خيمتهم في حديقة جبران خليل جبران، وانتظروا طويلا، ولم يأت أحد، ولم يعد أحد. وازداد عدد الخيم بانضمام اهالي العسكريين المخطوفين الى دوامة الانتظار.


الدولة والحكومات وزعماء الحرب الذين اصبحوا زعماء السلم هم المسؤولون الحقيقيون عن قلب الصفحة، وانهاء هذه المأساة. والتلطي وراء ضمائرهم السوداء مثل قلوبهم لا ينفع مهما طال الزمن. السلم الأهلي لا يثبت إلا بالعدالة الحقيقية، والوطن لا يقوم على الاحقاد والضغائن، وبناؤه يتطلب المصالحة والمسامحة والغفران التي ستأتي نتيجة طبيعية للكشف عن مصير مئات آلاف المفقودين. وهذا الامر لا يتم سوى بتحقيق الدولة 3 شروط:


1- انشاء "الهيئة الوطنية للمفقودين" وتفعيلها.


2- اطلاق العمل في مختبر الحمض النووي، الذي اصبح قائما وجاهزا، بما يحفظ حقوق المخطوفين للتعرف عليهم مهما مر الزمن.
3- الكشف عن المقابر الجماعية، والتحقيق مع المسؤولين عن الميليشيات واعمال الخطف خلال فترة الحرب، والذين يدعون التوبة والندم حيث لم يعد ينفع الندم.
فهل من يشعر أو يحس ويتحرك؟ أم ينتظر حتى يجرب مرارة التجربة؟


[email protected]
twitter:@mayabiakl

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم