الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

هل هذه فعلاً بريطانيا ؟

راجح الخوري
A+ A-

حزمت الزوجة البريطانية حقائبها وأعلنت الطلاق، لكنها فجأة لم تعد مستعجلة للخروج، إنها تقف على الباب الأوروبي، تمزقها مشاعر متناقضة، هل يمكن ان تعود الى البيت بعد زلزال الاستفتاء الذي كان تهوراً في نظر الزوج الأوروبي وانتهى مغامرة مجنونة للزوجة؟
العودة ليست سهلة لا بالنسبة الى الدول الأوروبية ولا بالنسبة الى بريطانيا الممزقة، والتي فاجأتنا بمقدار ما فاجأت الكثيرين من البريطانيين، بمن فيهم الذين خاضوا معركة الخروج من البيت الأوروبي وهم يبحثون الآن عن حلول تساعد على وقف التداعيات التي لن تنتهي غداً. لكن الحديث عن الحاجة الى مصادقة البرلمان البريطاني الذي تدعم غالبيته البقاء في اوروبا، وأن في وسعه رفض المصادقة على الاستفتاء، سيمزق صورة بريطانيا أكثر.
سيبدو الأمر مهزلة لا تتلاءم مع تاريخ الوقار الأمبراطوري الذي جعل الزوجة دائماً تتعالى على الزوج الأوروبي. الندم على قرار الخروج مهزلة، والرغبة في البقاء مهزلة، وفي الحالين يمكن أوروبا ان تتجاوز مشكلة الطلاق، ولكن ليس من السهل على المملكة المتحدة ان تتجاوزها، وحتى اذا نجحت في المناورة وحصلت على فترة الشهرين لبدء الخروج، لن يكون من السهل التغلب على الاضرار الكبيرة التي انهمرت مذ ظهرت نتائج الاستفتاء.
الآن من الضروري طرح السؤال مباشرة: هل هذه هي حقيقة بريطانيا الوعي والديموقراطية والحنكة؟
لقد أذهلني فعلاً ان يكون أكثر الأسئلة التي طرحها بريطانيون على محرك البحث [google] في الساعات الأخيرة هو "ما هو الاتحاد الأوروبي"، وان يحاول رئيس "حزب الاستقلال" نايجل فاراج مثلاً لحس حماسته الكبيرة للخروج والتنكر لقوله السابق إن "البقاء" يحتاج الى ثلثي الأصوات، بما يعني ان "الخروج" يحتاج ايضاً الى الثلثين وهذا ليس حاصلاً!
فعلاً هل هذه بريطانيا التي يشير طوفان من التقارير والأخبار الى ان أوساطاً كثيرة من أبنائها لم تكن على دراية بالحقائق وانها لم تكن تتوقع كل هذه التداعيات، والتي تجمع ثلاثة ملايين توقيع في ٢٤ ساعة للمطالبة بإعادة الاستفتاء، لكأن أحداً من سياسييها لم يتذكر مثلاً ما قالته مارغريت تاتشر غاضبة رداً على مطالبتها بالعودة الى الشعب في قانون الضرائب: "إن الشعب ينتخب مرة وليس كل يوم"!
عندما وعد ديفيد كاميرون في ٢٣ كانون الثاني من عام ٢٠١٣ بتنظيم الاستفتاء اذا أُعيد إنتخابه في عام ٢٠١٥، وعلى رغم اتفاقه مع نظرائه الأوروبيين على الاصلاحات التي طلبها ليتمكن من اقناع البريطانيين بالبقاء، هل كان يمارس لعبة ابتزاز تثير حنق اوروبا الآن؟ والسؤال الأهم: ألم يكن على دراية بكل هذه الحقائق الصادمة التي فاجأت حتى أبطال الدعوة الى الخروج الذين يلوذ بعضهم برفض البرلمان للبقاء في حضن الزوج الأوروبي؟.. فعلاً غريب!


[email protected] - Twitter:@khouryrajeh

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم