الخميس - 09 أيار 2024

إعلان

"شُبِّه لي" لباسل بديع الزين كغريب يحطّ رحاله في لا مكان

ليندا نصّار
"شُبِّه لي" لباسل بديع الزين كغريب يحطّ رحاله في لا مكان
"شُبِّه لي" لباسل بديع الزين كغريب يحطّ رحاله في لا مكان
A+ A-

في ديوانه "شُبِّه لي" الصادر عند "دار النهضة"، يرتدي الشاعر باسل بديع الزين صورتي الطفل والرجل، ويعيش في صراع وجوديّ بين الذات الماضية والحاضرة. الأولى تحتلّ المساحة الكبرى من عقله، والثانية أساسها الحنين الناتج من الوعي بما مضى.


حنين كبير إلى الطفولة المهجورة وسط لوعة الخسارة والفقدان اللذين تسبّبا له بالألم والفراغ الدائمين، فمن يملأ عمره من جديد؟: "فناء الغرفة مدلهم بالخواطر/ فمن سيملأ هذا الحنين/ بالأغنيات/ أو يسرج قنديل الحكايات/ عن طفولة لا تهبك أشكالك مرّتين". هناك أيضاً الغياب وهو جرح كبير لدى الشاعر المتعطّش الى الحياة، تكبح الوحدة رغبته فيها، وتتحكم بخطواته، لكن طريقاً واحداً يعاكسه هو الرحيل، وخصوصًا الموت: "وتمضون/ واثقة خطواتكم بالموت/ إلّاك والدي/ تشرف على نشيدي كي لا يكتمل". هذه الخسارات هي عنوان لقصائد عدة، بحيث صار يتقن فلسفة البقاء، فيخاطب أباه ثم ينتقل إلى جيل ولده، تاركاً له وصيةً يدعوه فيها ألاّ يكون مثل أبيه الذي لذعته الخيبات: "مهلًا أبي/ ريثما ينهمر التراب من عليائك/ وأنت تعتصر بين غمامتين/ بكفّيك/ كيما تروي قبرك بيدك/ دون منّة من الندى".
الشعور بالظلم والطغيان رفيق الشاعر من سن الطفولة إلى الرجولة، وهو يولّد الحرقة والحرمان، فيحمل ذاته إلى الماضي، لينعكس ألمه حزنًا عميقًا يهيمن على معظم النصوص. ليس العبور من الطفولة إلى الرجولة سهلاً، فالشاعر لا يستطيع الانعتاق، فتتثبّت في نفسه الحسرة على كل ما فقده، آملاً الرّجوع، رافضاً تصديق ما هو عليه: "وهل كان لا بدّ لي لكي أصدّق/ أن تستدرجني الطفولة/ إلى موانئ مفقودة؟". لا تزال تلك الأنا الماضية تسكن جسدًا يحمل معها عبء الذكريات: "أحد لن يثني عقارب ساعتي/ وهي تعود أدراجها إلى الوراء/ تدور كما الحنين/ في فلك الزمن الخاسر".
تأخذ قصيدة باسل الزين شكلها من الفلسفة بتأثير القلق الوجوديّ، فالشاعر يعيش عزلة وحرمانًا في انتظار المضي قدماً، فيجد أنه يعود أدراجه نحو نفسه. على الرغم من صغر سنّه تتجسد الومضات الحكمية في قصائده، وخصوصاً تلك الذي يتحدّث فيها عن الحياة والموت والإنسان. فالخسارات نزيف مستمرّعنده، حيث "الغياب الأمارة الوحيدة/ على أننا مررنا من هنا". يعيش الشاعر مع القصيدة الناقصة بهدف عدم الوصول، فيروح يتكلم عن شاعر غريب عن هذا الكوكب، معلناً اكتساب المعرفة بالقصيدة التي تنير طريقه. يؤمن بأنّ الزمن سيعود إلى الوراء، لكنه إذ يعود إلى ذاته تمسك به التساؤلات الوجودية، فيعبّر بالشعر ويبحث باستمرار عن إجابات: "كذا هو الشّاعر/ غريبًا يحطّ رحاله في لامكان/ إذ لا موانئ ليبلغها/ وهو يصوّب وجهته نحوه".
يقدم باسل الزّين في ديوانه أشياء من ذاته، فيعبّر عمّا في نفسه، بأسلوب بعيد عن التقليد، حيث يستطيع المتلقّي الولوج إلى قصائد تنطبق على كل إنسان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم