السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بعد خضوع بسام برّاك لجراحة واعية في دماغه... دكتور قمير يكشف لـ"النهار" تفاصيل هذه التقنية

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الاعلامي بسام براك
الاعلامي بسام براك
A+ A-
صدفة أم قدر، أن يكون اليوم العالمي للغة العربية اليوم الذي يخضع فيه لجراحة دقيقة في الدماغ. لم يكن الإعلامي بسام براك يعاني أعراضاً سابقة، وفجأة عانى من نوبة صرع جعلته يواجه حقيقة مرّة وصعبة، ورم دماغي ينمو في رأسه من دون علمه. هو الذي يُحاكي اللغة العربية بأبهى طريقة، كان عليه أن يُعيد تركيبها وصياغتها بمحاكاة دماغية وتواصلية مع حرصه الشديد في الحفاظ على هذه اللغة التي عشقها إلى حدّ الجنون والوفاء. 
في غرفة العمليات، تابع براك تفاصيل الجراحة الواعية بكل تفاصيلها، كان الشاهد والمتحدث في الوقت نفسه. ليس سهلاً عليك أن تكون في كامل وعيك وأن تكون على تماس مباشر مع الأطباء والطاقم الطبي الذي يرافقك في رحلتك الجراحية الدقيقة. هو يعرف تماماً أن هذا اليوم بالذات يكون قلبه متعلقاً بالفواصل والحروف والكلمات، كشفت بلاغته العربية ونصوصه تألّقه وشغفه بها، وبالأمس أبت إلا أن تكون موجودة معه في ذهنه وعلى شفاهه يرددها ليبقى مستيقظاً طيلة الجراحة. 
 
تعرف زوجته دنيز الذي أجابت على هاتفه عند اتصالنا به أن اليوم العالمي للغة العربية لم يكن ليمرّ مرور الكرام في حياة زوجها، فكيف إذا كان أيضاً اليوم الذي سيخضع فيه إلى جراحة دقيقة في الدماغ؟ تقول "هو بخير لكنه لا يمكنه التحدث في الوقت الحاضر، يحتاج إلى 10 أيام راحة، ما زلنا في المستشفى و"الحمدالله ع كل شي". 
وفق زوجته "لم يكن براك يعاني أعراضاً تحذيرية سابقة، وبعد حدوث تشنجات كهربائية خضع لصورة مغناطيسية كشفت عن وجود ورم دماغي لا نعرف ماهيته ونوعه. وقد أطلعنا الدكتور قمير عند استشارته على هذه التقينة، لم نكن قد سمعنا بها من قبل، كانت جديدة علينا ولكن قررنا الاتكال عليه وعلى الله".
تعتذر عن ضيق الوقت، لم تهدأ الاتصالات منذ الأمس للاطمئنان على صحة براك، ولم نرد أصلاً الدخول أكثر في التفاصيل بقدر ما يهمنا أن يكون زميل المهنة بخير. بالأمس كان عليه أن يختبر ألماً ساكناً يجب استئصاله بغض النظر عن نوعه، ومعه اختبرنا جميعاً صعوبة أن تبقى متيقظاً للقضاء على هذا الورم بلغته العربية التي يفتخر بها. 
 
يشرح الأستاذ في جراحة الأعصاب في جامعة هوبكنز الدكتور يوسف قمير في حديثه لـ"النهار" أنه "عادة نجري الجراحة الواعية في حالات التورّمات الطبقية، ومعظم التورّمات تكون خارج الرأس أو من غشاوة الرأس وتضغط على الدماغ. وعند اسئتصالها يكون في حدود بينها وبين الدماغ، وبالتالي نضمن عدم أذية الدماغ أو عطبه. وهذا الورم قد يتغلغل في أنسجة الدماغ ويؤثر على وظائفه الدماغية كحاسة النطق واللمس والحركة...وبما أن هذه التورّمات الطبقية تدخل إلى المناطق الوظيفية في الدماغ، وعند استئصالها هناك خطر في تضرر المريض في حال لم نحدد ونعرف جيداً مكان هذه الوظائف بدقة تامة. 
صحيح أن التصوير المغناطيسي يساعدنا في تحديد المناطق الوظيفية الأساسية في الدماغ مثل الحركة والإحساس، ولكن يصعب علينا تحديد منطقة الكلام والنطق بدقة، إلا أذا أجرينا الجراحة الواعية، أي يكون المريض فيها واعياً ويتحدث خلال الجراحة. لذلك نلجأ إلى الجراحة الواعية لاستئصال هذا التورم كاملاً، وإبقاء المريض واعياً من أجل التخطيط الدقيق لمراكز الكلام والحركة في منطقة الدماغ.
 
وعليه، نعطي المريض شحنة كهربائية في منطقة الدماغ للتأكد من عمل الوظائف الدماغية كالحركة والكلام ( يشعر المريض بنفضة في يده او تنميل في لسانه...) والتي تساعدنا في تحديدها وبالتالي نبقى حذررين بعدم الاقتراب منها. لذلك تكمن أهمية هذه التقنية أي الجراحة الواعية التي تُجرى للمريض وهو واعٍ لضمان عدم ضرر أي من الوظائف الحسية في الدماغ ويُطلقون عليها تسمية الـAwake Craniotomy. 
ويوضح قمير أنه "طوّر هذه التقنية مع طبيبين آخرين منذ العام 1990 في أميركا، وكنا من الأشخاص الأوائل الذين اعتمدوا هذا النوع من الجراحة هناك. ولقد أجريت أول جراحة فيها في العام 1990 في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجليس (UCLA) ومن ثم أجريتها في كليفلاند كلينك في العام 1993. أما في العام 1997 فاستخدمت هذه التقنية للمرة الأولى في لبنان في مستشفى الجامعة الأميركية، ولقد علمتها لطلابي الذين يستخدمونها اليوم في بعض المستشفيات اللبنانية.
 
إذاً، هذه الجراحة ليست بجديدة، ولكنه لم يُسلّط عليها الضوء سابقاً، خصوصاً أن قوانين الآداب الطبية لا تسمح بالتحدث كثيراً عبر الإعلام عن هذه الجراحات والأعمال الطبية. لذلك يستغرب المريض أو الشخص هذه الجراحة الواعية، ويخاف كثيراً لأنه لم يسمع بها من قبل ولا يعرف عنها شيئاً، علماً أن لبنان كان من الدول الأولى التي اعتمدت بشكل روتيني هذه الجراحة منذ العام 1997. 
ويستذكر قمير أن أول مريض خضع لهذه الجراحة كان من الجنسية الأميركية وكان يُعالج في مستشفى الجامعة الأميركية آنذاك. حتى إن هذه الجراحة أُجريت على شابات بعمر 18 عاماً، والقاعدة الأساسية والأهم أن يكون المريض صبوراً وقادراً على البقاء دون حركة، ويتحدث معنا طوال الوقت. وتتطلب هذه التقنية دقة وتقنية وعدم التسرّع، لذلك يجب أن يكون المريض صبوراً لأنها تستغرق بعض الوقت. 
 
وعن الأعراض التحذيرية التي يشعر بها المريض، يشير قمير إلى أن "العارض الأكثر شيوعاً هو نوبات الصرع أو الـEpilepsy بشكل مفاجئ، أو قد يشعر أحياناً بالصداع أو بضعف في حركة اليد أو صعوبة في التكلم. لذلك ننصح كل شخص لم يكن يعاني من تشنجات كهربائية وفجأة بدأ يعاني منها، عليه إجراء صورة مغناطيسية عالية الجودة للرأس. 
 
ويشدد قمير على أن "الناس تخشى كلمة سرطان، مع العلم أن معظم التورّمات أو الـGlioma برغم من أنها سرطانية، إلا انها تكون من الدرجة الأولى. (low grade cancer). وعليه، إذا تم استئصال الورم كاملاً عادة يصعب معاودته خصوصاً عند الأطفال. أما عند البالغ نلجأ إلى الاستئصال الكليّ أيضاً، لضمان عدم معاودة الورم. كلما استئصل الورم كاملاً ننجح في أن يعيش المريض حياته دون مشكلة كهرباء أو تورم. 
ويختم قائلاً إن "هذا النوع من الجراحة كلفتها أقل ويخرج من المستشفى بوقت أسرع، وتكون نتائجها أفضل برغم من صعوبتها على الجراح والمريض. ومن المهم أن نعرف أننا لا نلجأ إليها إلا عندما يتوجب ذلك، وليس في كل الحالات". 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم