الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

جان بول فارس يكره الكسل... "القمامة" باتت تحفاً جميلة!

المصدر: "النهار"
كميل بو روفايل
كميل بو روفايل
جان بول فارس في المعمل (تصوير مارك فياض).
جان بول فارس في المعمل (تصوير مارك فياض).
A+ A-
لم يكتفِ جان بول فارس الذي درس برمجة الآلات الصناعية في عمله موظفَ بنك، بل اختار الشاب الدينامي الذي يحبّ الاستفادة من وقته، الانطلاق بمشروعٍ صناعي صغير، الهدف منه حماية البيئة عبر إعادة تدوير البلاستيك في قوالب فنّية وجميلة.
 
انزعج فارس، عندما كان يسبح في بحر البترون، من البلاستيك المرمي على الشاطئ، ومن الأكياس التي تتقاذفها أمواج البحر. عندها لمعت الفكرة في ذهنه، وباتت اليوم واقعاً يؤمّن له مدخولاً جديداً، بالإضافة إلى هدفه الرئيسي تحويل ما يعدّه الناس نفايات إلى تحفة ملوّنة.
 
(تصوير مارك فياض).
 
من الناحية الفيزيائية هي قوالب إسمنتية ممزوجة بالبلاستيك الذي يقوم فارس بتقطيعه. أمّا من الناحية الجمالية فسترى نماذج مختلفة من "الصبّات" ألوانها متناسقة، منها يصلح لحمل شمعة، ومنها لزراعة نبتة صغيرة وتزيين المنزل، وغيرها من الأفكار الإبداعية.
 
تكمن قيمة التصاميم في أنها يدوية الصنع، وتكثر فيها التفاصيل، وهي مصنوعة بعناية. تأخذ كل قطعة حقها من الحفّ والتجميل. ويضع فارس عليها موادّ ليحافظ على الألوان.
 
 
بدأ فارس بالمشروع منذ 10 سنوات باستخدام الخشب المتوفر بكثرة في البحر، وأضاف الألوان إلى الخشب عبر أقلام التلوين المصنوعة من الشمع، التي يتوقف الأطفال عن استعمالها عندما ينقص حجمها. حصل على هذه الأقلام من دور الحضانة والمدارس، وأخذ يذوّبها لتلوين القطعة. بعد ذلك، وسّع نطاق عمله ليشمل عبوات البلاستيك التي ترمى بشكل كبير، وشارك في معرض مع العديد من المصممين، كان دوره فيه تذويب 70 ألف عبوة بلاستيك، وصنع العديد من المجسمات.
 
انطلق فارس برأسمال 600 دولار لشراء آلة تقطع البلاستيك، وكان يستحوذ على بعض الآلات التي يستخدمها حالياً في عملية التصنيع، فالشباب لا يقف أمامه عائق مالي، والانطلاق في مشروع ريادي يتطلب فكرة ناجحة تكون حلّاً لمشكلة يعانيها المجتمع، ويتوقع المستثمر طلباً عليها.
 
 
كانت الـ600 دولار مبلغاً زهيداً، لكن لا شيء يمنعه من تحقيق أفكاره الجميلة. والمصنع عبارة عن غرفة صغيرة في أسفل البناية، وضع فارس فيها عدّته، وباشر أعماله. يرى فيه فسحة أمل تسمح له بممارسة شغفه. ولعل أبرز ميزة في هذا "الأتولييه" في نظر فارس، هي ترفيه نفسه بعد دوام العمل عبر حماية البيئة.
يصنع فارس قطعاً يتبادلها الناس كهدايا، أو يزيّنون فيها منازلهم. ولأنه يكيّف النموذج المصنوع مع الأبعاد والمعايير التي يضعها المستهلك، يمكنه إنتاج أنواع مختلفة من البلاط للمطبخ وغيره من الغرف والأماكن، تظهر عليها نقاط ملوّنة نتيجة البلاستيك "المفروم"، ليأتي شكلها قريباً جدّاً من أرض المنازل القديمة. ويدخل في عملية الإنتاج بعض السلع المستوردة، لكن المُنتَج النهائي أرخص من الرخام والبلاط السيراميك.
 
يحصل فارس على البلاستيك من جمعيات، ومؤسسات، ومدارس تدرّب التلامذة على الفرز. ويستحوذ عليها أيضاً من المنازل. لكنه واجه عدّة مشاكل في هذا الإطار، فبعض الأشخاص لا يرغبون بتجميع البلاستيك في منازلهم وتقديمه لإعادة التدوير. يعشق فارس البيئة، وكان عضواً في الكشافة لمدة 30 سنة، ويقوم الآن بحملات توعية للكشافة، والأخويات، وغيرهما من المنظمات الشبابية.
 
ينتج فارس في اليوم ما يقارب الـ60 قطعة، وعمله ذو جودة مرتفعة. ويؤكّد أن "99% من المنتج يدوي الصنع، وأسعار السلع منافسة". ويضيف: "ازداد الطلب بعد الثورة، لأنّ المجتمع أراد تشجيع الشباب اللبناني، وشراء السلع الوطنية".
 
لا ينحصر طموح فارس في "الأتولييه" الصغير، فرغم الأزمة الاقتصادية اللبنانية والويلات التي تعصف بالبلاد يخطط لتوسيع عمله أكثر، وبدء التصدير جدّياً. وينحصر تصديره الآن ببعض الدول العربية وفرنسا وبلدان أخرى.
 
فكّر فارس قبل الانفجار بالهجرة من لبنان، إلّا أنّ الحادث الأليم الذي هزّ العاصمة أحيا فيه روح التصميم مجدداً، فقرر البقاء والاستمرار بما بدأ به وتطويره، يشرح: "أعطي من خلال عملي هذا حياةً جديدة للبلاستيك المهدور، كذلك أخفف التلوث البيئي، وأصنع قطعاً جميلة ومتنوعة".
 
وجّه جان بول فارس كلمة للشباب والمستثمرين في لبنان، قال فيها: "إنه الوقت المناسب لتدخّل الشباب في الاستثمار، ففي ظل ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار، علينا استخدام مواردنا اللبنانية وتطويرها".
 
فارس نموذج الشابّ اللبناني المقاوم، والمؤمن بقدراته. يأمل أن يخلق تغييراً. ورغم حصوله على وظيفة في المجال المصرفي، أراد الدخول في عالم الصناعة ليحرّك، قدر المستطاع، العجلة الاقتصادية عبر التعامل مع مورّدين لبنانيين، وإدخال بعض أوراق العملة الصعبة إلى لبنان. العبرة أنّ الأفكار يمكنها أن تصبح حقيقة، بكثير من الإيمان والتصميم، وبالتزامن مع العشق والشغف، يمكن الشباب اللبناني أن يصنع الفرق، ويحقق التغيير.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم