الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

الأوضاع المتردّية في ريف دير الزور سبب ازدياد العنف والخلافات... فهل اللجان المجتمعيّة هي بديل القضاء؟

المصدر: "النهار"
دير الزور.
دير الزور.
A+ A-
ريف دير الزور (شرقيّ سوريا) – "النهار"
 
في مهبّ الفوضى والعَوَز يعيش أبناء ريف محافظة دير الزور شرقي سوريا، في ظلّ غياب سلطة الدولة ومؤسّساتها وخدماتها عن المنطقة، وسط حالة اقتصاديّة متدهورة تفتقر لأبسط مقوّمات العيش الكريم، فما زال الأهالي هناك يتخاصمون أمام أفران الخبز، كما تقع الكثير من الخلافات على توزيع المساعدات والأحقيّة بالحصول عليها، ما يؤدّي للعديد من المشاجرات.
 
يضاف إلى ما سبق دمار البنى التحتيّة من شبكات مواصلات وطرق، وشبكات مياه وصرف صحّي خلال الحرب، وانعدام غيرها من خدمات الصحّة والتعليم والقضاء. الأمر الذي دفع بمجموعة من المبادرين ومنظّمات المجتمع المدني، لإطلاق حملة "الصلح خير" التي تركّز على دعم وتعريف عمل لجان الوساطة المجتمعيّة، وهي مبادرة يقوم عليها نشطاء ووجهاء وجمعيّات مدنيّة، مهمّتها المساعدة في حلّ الخلافات بطريقة سلميّة ونبذ العنف.
 
خلافات على طوابير الخبز
و"يأتي تأمين الخبز على رأس الخلافات التي تشغل الناس في مدينة البصيرة"، حسبما أوضح عضو لجنة الوساطة المجتمعيّة في منظمة "سامة" غازي العلي، حيث وقعت عدّة شجارات، وصلت حدّ الاشتباك بالأيدي سابقاً على دور أفران الخبز... ولكنّ، "اللجنة استطاعت إيجاد آليّة لمساعدة الأهالي، وأصحاب الأفران عن طريق تزويد كمية الخبز، وزيادة عدد المندوبين الموكل إليهم توزيع الخبز إلى 14 مندوباً". ويضيف العلي :"كلّ مندوب مسؤول عن مئة عائلة تقريباً ضمن حارة معيّنة، يشترون الخبز منه دون أن يضطرّوا للاجتماع أمام الأفران والوقوف في طوابير طويلة قد تؤدّي إلى مشاكل لا تنتهي".
 
بدائل عن المحاكم المدنيّة
ولأنّ المنطقة لا تزال بحالة فوضى في ظلّ غياب السلطات الحكومية، "تستند اللجان في عملها على الشرع والأعراف الاجتماعية والعادات السائدة لحلّ المشاكل"، بحسب العلي. و"من الممكن في الكثير من الأحيان أن يتعرّض أعضاء اللجنة للطرد أو عدم تقبّل مهمّتهم من قبل أحد الأطراف المتخاصمة"، كما أشار العلي. وهنا تكمن أهمية تدخّل وجهاء العشائر لإقناع المتخاصمين بضرورة الاستماع للجنة وحلّ المشكلة. ويضيف: "نتحمّل هذه الصعوبات لأجل حلّ المشاكل، وبرأيي يجب أن يكون عدد أعضاء اللجنة أكبر لنستطيع الإحاطة بكلّ المشاكل التي تصلنا".
 
خلافات على الرعي الجائر
ومن بين أبرز المشاكل الخدميّة في ريف دير الزور الشرقي، مشكلة الرعي الجائر، في ظل نقص المراعي المتوفّرة مقابل أعداد الماشية الكبيرة حسبما أفاد به الناشط والحقوقيّ في جمعية "ديرنا" سعيد القدرة، حيث تردّ على الدوام شكاوى من أصحاب الأراضي، حول تعدّي رعاة الغنم على محاصيلهم، ويحدّث الرعي الجائر عندما تتعرّض النباتات للرعي المكثّف من قبل الماشية، قبل السماح لها بالتعافي وإعادة الإنتاج، ممّا يؤدّي إلى تقليل الغطاء النباتيّ، ويؤثّر سلبًا على الأرض، ويعدّ من الأسباب الرئيسة لتآكل التربة والتصحّر.
 
وحول الطريقة التي لجأت إليها اللجنة لحلّ مشاكل الرعي الجائر، يضيف القدرة :"يتمّ عادةً تقييم المحصول الزراعي الذي تضرّر من الرعي باللجوء إلى أصحاب الخبرة، ويقوم الشخص المعتدي بتعويض صاحب الضرر بمبلغ ماليّ يساوي المحصول الذي فقده، ويتمّ التراضي والتوافق بين الطرفين مع تعهّد المعتدي بعدم تكرار ذات السلوك".
 
الملكيّة وترسيم الحدود
في المجتمعات الريفية التي تعتمد بشكل أساسيّ على الزراعة لتحصيل قوتها اليومي، تبرز أيضاً مشكلة الملكية وترسيم حدود الأراضي، بحسب ما أفاد به عضو لجنة الوساطة المجتمعيّة في منظمة "سامة"، محمد صالح سليمان، ففي منطقة البصيرة وغيرها من المناطق الريفية، قامت اللجنة بحلّ الكثير المشاكل بين المزارعين المتخاصمين على حدود أراضيهم المتجاورة.
 
توزيع الغاز
تتدخّل اللجان أيضاً في حلّ الخلافات الناجمة عن توزيع الغاز، حيث يتسبّب انعدام الموارد والخدمات بالعديد من الخلافات، وفقاً لما قاله عضو لجنة الوساطة المجتمعية في جمعية "ديرنا" عبد الله الرّياش، الذي يشتكي من عدم وجود وجود آلية منظمة لعمل اللجان، إضافة لنقص الخدمات اللوجستية، ويطالب بضرورة فرز سيارات مخصّصة لعمل اللجنة، لاسيّما وأنّ القرى بعيدة عن بعضها، ويضيف :"نضطرّ في كثير من الأحيان لجلب المتخاصمين من قرى بعيدة، وهنا نلجأ لسيارات الأجرة وقد يرفض السائقون الذهاب للأماكن البعيدة، وفي أحيان أخرى لا نجد سيارات أجرة متاحة، في ظلّ قلّة عددها ولجوء الناس لاستخدامها، لأنّ أغلبهم لا يملك سيارة خاصّة".
 
حوادث السير والمرور
وفي ظلّ غياب مفهوم شرطة المرور في مناطق ريف دير الزور الشرقي، تأخذ اللجان دور الوسيط لحلّ المشاكل الناجمة عن حوادث السير التي يتعرّض لها المواطنون. ويقول عضو لجنة الوساطة في جمعية "ديرنا" عزيز حمادة :"تضمّ اللجنة بالإضافة لوجهاء العشائر والمؤثرين، عدداً من الحقوقيين الضليعين بنصوص وأحكام القانون السوري، وهنا نلجأ إليهم للتحكيم في حلّ حوادث السير مثلاً وفقاً لما ينصّ عليه القانون، ونبيّن للمتخاصمين الحكم القضائيّ الواجب بحسب الحالة، ويكون دور بقية أعضاء اللجنة إقناع الأطراف بحلّ المشكلة بأقلّ الخسائر وتشجيع المتخاصمين على الصلح".
 
ترسيح مبدأ المصالحة السلميّة
تحاول لجان الوساطة اليوم رغم قلّة عدد أعضائها، وضعف الإمكانيّات، القيام بواجبات خدميّة ومجتمعيّة كان على الدولة القيام بها وتحمّل مسؤوليتها... واليوم ومع استمرار عمل اللجان يحاول القائمون عليها نشر حملة "الصلح خير" على أوسع نطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، لدعم عمل اللجان والتعريف بها وتعزيز دورها الذي يساهم في حماية المجتمع وتماسكه، وترسيخ مبدأ المصالحة وفضّ النزاعات بالتسوية والطرق السلمية، كما يشير عدد من الناشطين المشاركين في حملة الصلح خير المساندة لعمل لجان الوساطة المجتمعيّة.
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم