الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ثروة لبنان البيولوجية في خطر... "لبنان الأخضر" قد يصبح من الماضي

المصدر: "النهار"
علي عواضة
علي عواضة
آثار حرائق الغابات في القبيات (تصوير حسام شبارو).
آثار حرائق الغابات في القبيات (تصوير حسام شبارو).
A+ A-
لطالما تغنى الشعراء على مرّ الزمان بخضرة لبنان ومياهه وجمال طبيعته الخلّابة، ولم يستحق هذا البلد المتربّع على ساحل البحر الأبيض المتوسط لقبه "لبنان الأخضر" إلاّ بامتلاكه تنوعاً إحيائياً كبيراً، على الرغم من صغر حجمه، الذي لا يتعدّى الـ10452 كيلومتراً مربّعاً.
 
الأرقام والمؤشّرات، تعزّز هذا التنوّع، فينمو في لبنان 1,11 بالمئة من أنواع النباتات في العالم (3.5% مستوطنة بشكل حصريّ في لبنان)، بالإضافة إلى 2.63 % من الثدييات والطيور وأنواع الزواحف. هذه الأرقام جعلت من لبنان موطناً غنياً للتنوع البيولوجي مع امتلاكه نحوَ 408 أنواع من الطيور، وهي أرقام كفيلة بجعله قبلة ووجهة للمهتمّين بالحفاظ على البيئة.
 
ولكن يبدو أن هذا المنحى يتغيّر في السنوات الأخيرة مع التهديد المرتفع للحياة البرية على أشكالها. وبدءاً بالحيوانات، تواجه بعض أنواعها في لبنان خطر الانقراض، وبالأخصّ الضّبع المخطّط، وهو ثاني أكبر الضّباع في العالم، وهو الحيوان الوطنيّ للجمهورية اللبنانية، الذي ظهرت قضيته مؤخّراً إلى الواجهة، بعدما دفعته العواصف الأخيرة للاقتراب من القرى ليتغذّى على بقايا الطعام.
 
وعلى الرغم من كونه حيواناً قمّامّاً، أي يتغذى على جيف الحيوانات بصورة شبه دائمة، فإن الأساطير تغلب على سمعته، فيعتقد أهل القرى بأنّه حيوان مفترس، يُشكّل خطراً عليهم وعلى ماشيتهم. لكن العكس هو الصحيح، إذ له دور كبير في دائرة الطبيعة.
 
وعلى إثر ذلك، أًصدرت وزارة الزراعة اللبنانية هذا العام بياناً حذّرت فيه من قتل هذا الحيوان، وشدّدت على تعرّض المرتكب للملاحقة القانونية، لأن الضّباع حيوانات معرّضة للانقراض، فضلاً عن كونها تحت الحماية الدولية.
 
لكن لبنان يواجه بالفعل تحدّيات بيئيّة خطيرة، إذ أصبح تدهور البيئة الطبيعيّة يُشكّل خطراً وطنيّاً على الضبع، ويرتّب آثاراً وخيمة على الاقتصاد والصحّة العامّة.
في العام 2018، قُدّرت تكاليف التدهور البيئيّ في لبنان، بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ، بما بين 3.1 و 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني؛ وهذا ما يعادل متوسّط 2.35 مليار دولار، بزيادة كبيرة عن متوسّط التكلفة المقدّرة بـ0.56 مليار دولار أميركي في العام 2000. وقد أدّت الأزمات الحالية المتراكمة إلى تفاقم الوضع وتعريض البلاد لخطر عدم الوفاء بالوعد المناخيّ.
 
لبنان والتنوع البيولوجي
تغطّي الغابات في لبنان حوالَي 11% من مساحته، ممّا يمنح البلاد تنوّعاً نباتيّاً، يبلغ عدد أفراده 4600 نوع، 400 منها تشترك بها مع محيطها في سوريا وفلسطين، فيما تنفرد الأراضي اللبنانية باستيطان 90 منها، وهي أرقام كفيلة بجعل لبنان من أغنى المناطق تنوّعاً، إذا ما تمّت مقارنته بفرنسا على سبيل المثال، والتي تكبره بـ40 مرة؛ ففرنسا أغنى بيولوجيّاً من لبنان بمرّتين فقط، بحسب المهندس الزراعي الدكتور مارك بيروتي، الذي اعتبر أن لبنان أمام مفترق طرق خطير إذا استمرّ الرّعي الجائر، والاعتداءات المتتالية على الغابات، بالإضافة إلى الحرائق المفتعلة والطبيعيّة، التي تقضي على هكتارات واسعة من الأراضي، ممّا يهدّد حياة النباتات والثديات التي يصل عددها إلى نحو 40 نوعاً في لبنان وحده، إضافة إلى وجود أرقام خيالية لعدد الحشرات (10 آلاف نوع)، إضافة إلى 300 نوع من الفطريّات.
 
وبحسب دراسة أجراها الاختصاصي في علم الطيور د. غسان جرادي، فإن الغطاء النباتيّ بنسبة عالية جداً من الأنواع في المنطقة يبلغ 0.25 من الأنواع في كلّ كيلومتر مربّع، مقارنة بـ0.0081 لكلّ كيلومتر مربّع في جنوب أفريقيا، 0.0044 للبرازيل، 0.0021 لمصر، 0.022 للأردن، 0.015 لمصر وإسبانيا، و0.017 لسوريا، و0.011 لتركيا.
 
وبسبب غنى الطبيعة في لبنان، وجدت الطيور فيه موطناً مناسباً لها، حيث يوجد 408 أنواع من الطيور، منها ما هو المقيم، ومنها ما يفرخ منذ منتصف شباط لغاية حزيران. أمّا الطيور المهاجرة المفرّخة فتأتي إلى لبنان في منتصف نيسان لترحل في نهاية آب، فيما يبلغ عدد الطيور المهاجرة ما يقرب من 280 نوعاً، في خلال الهجرة الربيعيّة والخريفيّة. ويبقى بإمكان هذه الطيور أن تفرخ في لبنان، فيما يفرخ جزءٌ منها في تركيا، وجزء آخر يكمل طريقه نحو أوكرانيا. وبحسب الدكتور جرادي هناك 4 أنواع جديدة وجدت في لبنان مستوطناً لها، حيث وجدت فيه مكاناً دافئاً لها بسبب ارتفاع الحرارة.
 
وركّز جرادي في حديثه لـ"النهار" على أن أشجار السنديان تعتبر من أهمّ غابات البحر المتوسط التي تستضيف طيوراً ذات تنوّع مميّز، وهي تستقطب أكثر من 330 نوعاً من الطيور والثدييات والزواحف والبرمائيات التي تعتمد عليها في مرحلة ما من دورة حياتها. كذلك تؤمّن هذه الأشجار مأوى مهمّاً على شكل تجاويف لتعشيش الطيور.
 
على نحو مرتبط، تعتمد الطيور على غابات السنديان والبلوط بشكل رئيسيّ، وتُشكّل ثمار البلوط غذاء رئيسيّاً تأكلها وتخزنها عشرات الأنواع منها. هذه العلاقة البيئيّة تعدّ متبادلة، إذ لا تقوم الأنواع مثل "أبو زريق" و"كسار البندق" و"نقار الخشب" باسترداد كلّ البلوط المخبّأ لتناوله في فصل الشتاء، وبالتالي تعمل هذه الطيور على نشر البذور، وبالتالي الشتول، عبر المناظر الطبيعية، لتزيد من مساحة الغابات، وتستبدل قديم الأشجار بجديدها، ذلك لأن الطيور تقوم بزراعة ثمار السنديان التي تسمّى البلوط في الأماكن الفارغة في الأحراج وعلى أطرافها.
 
أهمية أشجار السنديان في لبنان، بحسب دراسة جرادي، تتمثّل بضمّ 65 نوعاً مفرخاً (نصف طيور لبنان المفرخة)، منها 31 نوعاً مقيماً، وعدّة أنواع محصورة التوزيع في المنطقة وجوارها، بالإضافة إلى نوع مفرخ، ولكنّه مهدّد بخطر الانقراض عالمياً، ألا وهو الترغلّ. علاوة على الأنواع المفرخة، تستضيف أشجار السنديان 90 نوعاً مهاجراً (ثلث طيور لبنان المهاجرة).
 
أما الطيور الحوّامة كاللقالق والرهو والعقبان والنسور التي تتّخذ من السنديان مراكز للمبيت أثناء عبورها، فعددها يساوي نصف عدد الأنواع المسجّلة في لبنان.
 
وبالرغم من هذه الثروة الحقيقيّة، تستمر التعدّيات وارتفاع نسبة التلوّث وعدم معالجة النفايات وانتشار الكسارات العشوائية، وصولاً إلى الحرائق، التي تقضي على آلاف الهكتارات سنوياً؛ فموسم حرائق عكار 2021، الذي صُنّف بأنّه الأطول والأقسى في تاريخها الحديث قضى على 14% من غاباتها، ليس سوى ناقوس إنذار لما يحدث من تدمير للتنوع البيولوجي في لبنان.
 
ماذا يعني التنوّع البيولوجي لصحة الإنسان؟
 
بحسب مسؤولة الحملات في "غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" كنزي عزمي، فإن فقدان التنوع البيولوجي يؤثر على صحة الكوكب بشكل عام، وعلى جميع الكائنات، بفضل تواصلنا بشكل طبيعي. كذلك يحدث عندما يكون تنوّع الجينات منخفضاً في أسرة فيصبح الأفراد أكثر عرضة للأمراض، وهو أمر مماثل في الطبيعة ولكن على نطاق أوسع. النظام الإيكولوجي، وهو نفس التنوّع البيولوجي العالي، يجعل القدرة على مقاومة الأمراض والضغوط البيئية أعلى أيضاً. وعندما تكون الأنظمة الطبيعيّة أضعف فذلك يؤثر على أمننا المائيّ وأمننا الغذائي، وحتى صناعة الأدوية لإيجاد علاجات في الطبيعة. ويقع التأثير الأكبر على طعامنا. على سبيل المثال: إذا زرعنا طعامنا في تربة غير صحيّة، فسيكون غير مكتمل من حيث الموادّ الغذائية، وبالتالي سوف يؤثر بشكل مباشر على صحتنا ونظامنا المناعيّ. وفي نظم الزراعة التقليدية (هي أكثر انتشاراً لكن أقلّ استدامة) هذا يعني احتياجاً إلى مزيد من الأسمدة والمبيدات الحشريّة، التي تذهب بدورها إلى مياهنا، وتزيد من ملوحة التربة، وتُقلّل من جودتها، وهذه دائرة لا تنتهي. فقدان التنوّع البيولوجيّ يؤدّي إلى خسارة في قدرة مقاومة الكائنات ضدّ الأمراض الجديدة.
 
يعتمد الناس على التنوّع البيولوجي في حياتهم اليوميّة بطرق لا تكون ظاهرة أو موضع تقدير دائماً. وتعتمد صحّة الإنسان في نهاية المطاف على منتجات وخدمات النظام الإيكولوجي (مثل توافر المياه العذبة والغذاء ومصادر الوقود) التي تعتبر ضرورية لصحّة الإنسان الجيّدة وسبل العيش المنتجة. يُمكن أن يكون لفقدان التنوع البيولوجي تأثيرات مباشرة كبيرة على صحة الإنسان إذا لم تعد خدمات النظام البيئي كافية لتلبية الاحتياجات الاجتماعية، هذا عدا عن ظهور أمراض جديدة غير مكتشفة.
 
التهديدات التي يتعرّض لها التنوّع البيولوجي والصحة
هناك قلق متزايد بشأن العواقب الصحيّة لفقدان التنوع البيولوجي. فبحسب منظمة الصحة العالمية تؤثر التغيّرات في التنوع البيولوجي على أداء النظام الإيكولوجي، ويمكن أن تؤدي الاضطرابات الكبيرة في النظم الإيكولوجية إلى سلع وخدمات النظم الإيكولوجية التي تحافظ على الحياة. يعني فقدان التنوّع البيولوجي أيضًا أننا نفقد قبل الاكتشاف، العديد من الموادّ الكيميائيّة والجينات في الطبيعة، من النوع الذي قدّم بالفعل للبشرية فوائد صحيّة هائلة.
 
وبالرغم من أهمّية التنوّع البيولوجي بالنسبة للإنسان على اعتباره مكوناً رئيسيّاً لبيئتنا الطبيعيّة. وبالرغم من ذلك، فإن التنوّع البيولوجي آخذ في الضياع على المستوى العالمي بمعدل خطير، انطلاقاً من التغيّر المناخيّ، مروراً بالاعتداءات المباشرة على الطبيعة، وصولاً إلى الاستخفاف بأهمّية التنوع البيولوجي على حياة الإنسان بشكل مباشر.
 
 
*تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مبادرة MediaLab Environment وهو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم