الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

كيف استُغِلّ كورونا لتضييق الخناق على حرية التعبير في لبنان؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-

فوجىء النّاشط (ع.م.) من طرابلس باستدعاءات مرتبطة بستّة ملفّات قضائية سطرت بحقه منذ اندلاع ثورة 17 تشرين، فهو لم يُبلِّغ عنها في حينه.

"كنت أتلقى الاتصالات منذ شهرين فقط. تستدعيني للمثول أمام التحقيق على خلفية تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ومشاركتي في تظاهرات الثورة. لا أعرف من أين أبدأ"، وفق الناشط.

تمثل هذه الحالة واحدة من حوالي 1600 استدعاء سيق ضد ناشطين ومدونين منذ 17 تشرين الأول 2019، وفق تقديرات "لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين".

ودخلت محاكمات المدونين والنشطاء على خلفية آرائهم سباقاً مع الزمن منذ الأسبوع الأول من نيسان 2021، وذلك بسبب انتهاء مدة "تعليق المهل القضائية" الّذي مُدّد لغاية آذار 2021 بسبب تفشي كورونا وفرض الإقفال العام، فأغلقت المحاكم.

فضلاً عن ذلك، أفرزت القوانين التي صدرت على خلفية انتشار "كورونا" اجتهادات متضاربة حول إقامة الانتخابات النّقابيّة التي تجسّد ممارسة مركزية في الخيار الديمقراطي وحقّ اللبنانيين في التعبير عن آرائهم. 

معضلة إقفال المحاكم

ردًّا على سؤال "النّهار" حول المهل الّتي لحظت إقفال المحاكم، لخّص مرجع قضائيّ تواريخ "تعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية وتعليق أقساط الديون"، كالآتي:

  • القانون 2020/160: من 18 تشرين الأول 2019 لغاية 30 أيلول 2020.
  • القانون 2020/185: مدّد المهل لغاية 31 كانون الأول 2020.
  • القانون 2021/ 212: ويشكّل علّة خضعت للالتباسات، لأنه ربط تعليق المهل بفترة الاغلاق الكامل. وهذا خطأ تشريعي جوهري، إذ لا يجوز ربط فترة العمل بالتشريع بقرارات غير ثابتة واستنسابية.
  •  

    تفكيك الحراك الثوري

  • وإذ شكّل إغلاق المحاكم بسبب تفشي كورونا عرقلة للمسار القضائي ممّا حال دون معالجة ملفّات أصحاب الآراء المعادية للسلطة الّتي انطلقت من ثورة 17 تشرين، أدّت قبل ذلك حالة "الطوارىء الطبية" المعلنة في 15 آذار 2020، إلى تفكيك الاحتجاجات واندثار المشهد الثوري من الشوارع.

    "هل السلطة تستغل كورونا إلى حدها الأقصى لإبقاء هذه الملفات سيوفاً مسلطة ضد معارضيها؟"

    سؤال يطرحه المحامي فهمي كرامي، مستعرضاً تسلسل الأحداث:

  • الشوارع خالية: فرض حالة الطوارىء الصحية وفضّ الاحتجاجات في الشوارع.
  •  
  • التباسات قانونية: علينا الاعتراف بأنه عند وقوع الملاحقات القضائيّة وخاصة المتعلقة بحرية الرأي، كان القضاء في ظلّ انشار "كورونا" يصدر إخلاءات سبيل.
  • لكن، الاكتفاء بإخلاء السبيل يوحي للكثيرين ومنهم الثوار الذين لا يملكون الثقافة القانونية، أن الملف انتهى، وبالتالي ليس عليهم أي قيد.

  • جرم جزائي: يُفاجأ النشطاء باستدعائهم لحضور جلسات تحقيق لمعالجة ملفات قضائية لم يجر توقيفهم على خلفيتها، ولكنها تشكل جرماً جزائيّاً وقد تثقل سجلاتهم العدلية.
  • تحت رحمة الإجراء: إنّ تعليق الجلسات وعدم إتمام المحاكمات بالسرعة التي تقتضيها الملفات، جعل الثائر ضد المنظومة معلقاً "بين السماء والأرض"، فملفه عالق ونتيجة الحكم لم تصدر بعد. وأضرت هذه الاجراءات بالتحاق هؤلاء الناشطين بمكان عملهم أو السفر.
  •  
  • المحاكمة الالكترونية: عند بداية تفشي "كورونا"، خاضت نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس تجربة "المحاكمة الإلكترونية" عبر تطبيق "زووم"، وانتهت بإطلاق سبيل نحو 700 متهماً، بذريعة تخفيف الاكتظاظ في السجون خشية أزمة كورونا.
  •  

    ولكن، لماذا توقفت المحاكمات الالكترونية، ولم يعد القضاء يستعين بها لإنهاء قضايا الرأي العالقة؟

  • عوامل إضافية: أضيف إلى أزمة كورونا، أزمة الوقود التي فرضت اعتكاف بعض القضاة عن التنقل مسافات طويلة، وهذا ما ساهم بإبطاء المحاكمات.

  • هذه المعطيات تقودنا إلى سؤال: هل وقعت الثغرات عن إهمال وتقصير أم عمداً، بهدف إبقاء أصحاب الرأي تحت نير المحاكمة القضائية وبالتالي إيجاد وسيلة للجمهم وتخويفهم حتى لا

  • يمارسوا عملهم الثوري وينزلوا إلى الشارع مجدداً؟

  •  تأثر الانتخابات النقابية

  • برأي كرامي، شكّل تفشي "كورونا" ذريعة لتأجيل الانتخابات النقابية، للأسباب التالية:

  • ضبابية النص: لم تتطرق قوانين تعليق المهل بشكل واضح وصريح لقضية انتخاب المجالس الإدارية في النقابات والجمعيات. فذهبت كافة النقابات للاجتهاد.
  •  
  • تضارب القوانين: إلا أنّ التمديد الأول تضمّن نصّاً حرفيّاً يفترض تعليق الانتخابات، وهو يتضارب مع آخر قانون، الذي أُقِرّ تعليق الانتخابات "على أن تجري كل هئية أو نقابة أو جمعية انتخاباتها في الموعد المحدد"، وبالتالي استثنى انتخابات النقابات وفتح إمكانية إجراءها.
  •  
  • تهرّب السلطة: مَنَحَ تعليق انتخابات النقابات فرصة ذهبيّة لمجالس النقابات التي تكون أغلبها عبر تحالفات بين قوى السلطة، فاستمرّت ولايتها بدون أن تتعرض لإعادة المحاسبة عبر العملية الديمقراطية، حيث يعبر المهني عن رأيه في أداء الأحزاب التقليدية ضمن النقابات.
  •  
  • ذريعة "كورونا" أخيرة: بعدما اتخذ المجلس الأعلى للدفاع قراراً بتمديد التعبئة العامة حتى نهاية 2021، تمسكت النقابات المحسوبة على أحزاب السلطة بعدم إجراء الانتخابات، لأنها تخاف فقدان سيطرتها على مجالسها، فتذرعت بقوانين تعليق المهل وظروف كورونا لتأجيل الانتخابات، ومن ضمنها نقابة الأطباء في بيروت ونقابة المعالجين الفيزيائيين في لبنان.
  •  
  • الرأي القضائي: تلجأ النقابتان المذكورتان بأخذ الرأي القانوني من مرجع قضائيّ منحاز لانتماء سياسي معين، يفسر القانون بما يخدم ديمومته وبقائه.

في المقابل، نجد أنّ نقابتي المحامين في طرابلس وبيروت وهما نقابتا القانون، هما بصدد إجراء الانتخابات في الشهر القادم بالرغم من انتشار المتحور الجديد من "كورونا".

هذا ما  يُبرهن "أنّ انتشار كورونا لم يعطّل الانتخابات، إنّما استغلت السلطة انتشار كورونا من أجل حماية سيطرتها على النقابات وقمع فرصة التعبير الديمقراطي لآراء غير مؤيدة".

وتصبّ إدارة السلطة في لبنان لأزمة "كورونا" التي قوّضت الاحتجاج والانتخاب في سياق عالمي، أشارت إليه منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في شباط 2021، ويفيد بأنّ 83 حكومة على الأقل حول العالم استغلّت الوباء الناتج عن فيروس "كورونا" لتبرير انتهاك حرية التعبير والتجمع السلمي، وسنّت قوانين فضفاضة تُجرّم التعبير الذي تزعم أنه يهدد الصحة العامة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم