الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

"خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للنازحين"... خطط نظرية ومستعادة وإجراءات إدارية غير ناجعة

المصدر: "النهار"
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
نازحون سوريون.
نازحون سوريون.
A+ A-
بعنوان فضفاض وكبير، ووسط بهرجة إعلامية كبيرة، فضلاً عن حضور وزراء من الحكومة الحالية وشخصيات اقتصادية وإعلامية واجتماعية، أطلق أمس ما سمّي "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للنازحين وآلية عودتهم".

المؤتمر سبقته حملة إعلانية ضخمة وزّعت على الطرقات، وفي بعض المحطات الإعلامية، تتحدّث عن خطر النزوح، وتروي قصصاً عن نازحين، وتُحفّز على عودتهم تحت شعار "تعوا نرجع نعمّر سوريا" وغيرها من الشعارات.

الحملة التحضيرية لاقت اعتراضات واسعة من مجموعات مدنيّة، اتّهمتها بالعنصرية، خصوصاً أنها تركّز على عدد الولادات، وتحمّل النزوح مسؤولية الانهيار الاقتصادي.

وانطلقت في اليومين السابقين، بما يشبه حملة مضادّة لها فصلت أحد الأفلام المصوّرة عن قضية كثرة الولادات، معتبرة أنه غير صحيح ومزوّر، ومجرّد تجميع لتصاريح وصور من بلدان النزوح كتركيا والأردن، بالإضافة إلى الداخل السوري؛ وذلك للتدليل على زيف الحملة، لتردّ بعدها الشركة الإعلانية القائمة بالحملة بهجوم كبير، وسمت فيه المشكّكين بأبواقٍ "زحفاطونية حرتقجية رخيصة تستفيد من أموال الخارج على حساب لبنان وسيادته وحريته وهويته وديموغرافيته".
وشدّدت الشركة على أنّها "متطرّفة ومتشدّدة ومتعصّبة للبنان وتقوم بواجبها تجاه بلدها وبكلّ فخر".
وبرّرت عملية تركيب الفيديو بالقول: "حتّى ما نعرّض حدا للخطر، تصمّم الإعلان بطريقة رمزية ليعكس كابوساً حقيقياً عمّ نعيشوا كلّنا كلّ يوم"، مؤكّدة أن الحملة "موجّهة مباشرة للجهّات المسؤولة لتجد حلاً سريعاً لهذه الملفات قبل فوات الأوان".

وبالعودة إلى مؤتمر الإطلاق فهو لم يتحدث عن خطة واضحة أو كما سميت "خارطة طريق لتنظيم الوضع القانوني للنازحين وآلية عودتهم"، بل حفل بخطابات تقترب من الشعبوية المطلقة أكثر من ترتيب أفكار علمية وعملية للوصول إلى الهدف المنشود، باستثناء كلمة المدير العام للأمن العام اللواء البيسري، الذي كشف للمرة الأولى عن أرقام تسلّمتها الدولة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وعن مشاريع للتعداد بدأت بها الدولة بالتعاون مع البلديات للتجربة.

بحسب مؤسسة "بيت لبنان العالم"، فإن الخطة هي لتعداد دقيق للسوريين الموجودين في لبنان، تقوم به البلديات بتمويل تساعد به المؤسسة، التي تعتمد على التبرعات، وفيه تستجمع داتا كاملة، تضعها بتصرف الدولة ليتمّ التعاطي مع هذه الداتا على أساس "قانوني" وفق ما تقول المؤسسة. وفصّلت رئيستها أنه "بإمكان الدولة حينها ردّ كلّ من هو مدان قانوناً أو من لا يمتلك أوراقاً ثبوتية ولا يستطيع الاستحصال عليها، ومن يغادر ويدخل لبنان، لتكون بداية حلّ للتعاطي مع الملف الذي يكون بتنفيذ القوانين التي أهمّها أن لبنان ليس بلد لجوء ولا هو طرف في اتفاقية اللاجئين العالمية العام 1951 ".

وهذا ما أكدته رئيستها بتي هندي في المؤتمر، حيث دعت إلى إعلان حالة التأهّب في المؤسسات التي تُعنى بالملف، ولتشكيل خلايا طارئة هدفها التنظيم والتعاون للوصول لداتا دقيقة وصحيحة يُعتمد عليها، معتبرة أن هذا الوجود بات يُهدّد الهُويّة اللبنانية.

وتحدثت الهندي عن أرقام كبيرة، من دون ذكر مصدرها العلمي، مشيرة إلى أنه "مُقابل كلّ لبنانيين اثنين موجودين في لبنان هناك نازح سوري، ومقابل كلّ ولادة لطفل لبناني هناك 4 ولادات لأطفال سوريين من دون أوراق ثبوتية، واللبنانيون يزيدون 1 في المئة سنوياً، بينما النازحون السوريون يزيدون 4 في المئة سنوياً. ووفق هذه النسب، ستتساوى أعداد النازحين السوريين بأعداد اللبنانيين في المستقبل المنظور".

وتابعت: "85% من الجرائم يرتكبها سوريون، 40% من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنيّة يحملون الجنسيّة السوريّة، وفوق اكتظاظ السجون اللبنانية هناك 3 آلاف سجين سوري. أما تكلفة النزوح المباشرة على لبنان فهي بحدود مليار ونصف مليار دولار سنوياً وفق البنك الدولي، فيما التكلفة غير المباشرة تبلغ 3 مليارات دولار، أي ما مجموعه 4 مليارات ونصف مليار في السنة، أي خلال ١٣ سنة تقدّر بـ٥٨ مليار دولار".

أما وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام المولوي فقد حمل خطابه مواقف شعبوية سياسية أكثر من الحديث عن خطة متكاملة ودور وزارة الداخلية فيها، مؤكداً على تطبيق القوانين في لبنان وعدم القبول بأي تهديد له، مضيفاً: "لا نقبل أن يتهجّر اللبنانيون لأنهم لا يجدون فرص عمل في بلدهم ويحلّ مكانهم سوريون وأشخاص من جنسيات أخرى".

وطالب بوضع خطة عودة واضحة، مبدياً الاستعداد "للتفاوض مع المجتمعين الدولي والعربي وصولاً إلى خطة عودة واضحة للاجئين السوريين وحلّ هذه المعضلة".

أما المدير العام للأمن العام بالوكالة اللواء إلياس البيسري فقد عرض عمل مديريته التي أنيطت بها صلاحيّات ضبطِ الدخول إلى لبنان، والإقامة فيه، وتنظيم تواجد الرعايا العرب والأجانب على أراضيه.
وقال: "خارطة الطريق هذه تحاكي جذور الأزمة، وتُشكل استراتيجيّة وطنيّة تلتزم بمبدأ عدم الإعادة القسْريةPrinciple of non refoulement، وعدم خلق أجواء تحريض بين الشعبين اللبناني والسوري، وضبط ومعالجة أوضاع وتداعيات النزوحِ السوري، توصلاً إلى عودةٍ طوعية آمنة وكريمة، أو إعادة توطين الراغبين منهم في بلدٍ ثالث".

وكشف عن تسلّم مديرية الأمن العام أخيراً قاعدة بيانات من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و"هي كنايةٌ عن 1486000 نازح، من دون تصنيفٍ أو تحديد لتاريخ التسجيل أو الدخول إلى لبنان، متعهداً بعدم توفير أيّ جهد من أجل تطبيق أحكام القوانين على كافة الأشخاصِ المقيمين على الأراضي اللبنانية حفاظاً على سيادة الدولة".
وقال: "نحن حريصون على منعِ خلق واقعٍ للاندماج"، لافتاً إلى "تكثيف الجُهدِ الاستعلامي لتفكيك مافيا عصابات التهريب والجريمة المنظمة".

وتحدّث عن "مشكلةَ "الولاداتِ غير المسجّلة" بين النازحين، التي تعتبر من أهم وأخطر المسائل التي تعترض معالجة ملف النزوح، وذلك بالرغم من التسهيلات الممنوحة لهم، ومردُّ ذلك إلى غياب ثقافة القانون لدى البعض. لهذا تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية، بالتنسيق مع اللجنة المشكلة من وزارة الداخلية والبلديات، ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وشركاء آخرين، في تطبيقِ الخطة الوطنية لتسجيل ولادات النازحين السوريين، وحفظ قاعدة البيانات الخاصة بهم، بهدف عدم السماح بوجود مكتومي قيد، أو عديمي الجنسية.

وأعلن عن "قافلة من النازحين سَتنطلق قريباً إلى سوريا، بالإضافة إلى استمرار المديرية بتقديمِ التسهيلات والإعفاءات اللازمة للنازحين الراغبين في العودة التلقائية إلى بلادهم، وذلك مباشرة عند المعابر الحدودية".

وختم حديثه بالكشف عن "مشروع نموذجي (pilot project) في أحد الأقضية اللبنانيّة، بالتعاون مع المجتمع المدني والبلديات، لزيارةِ أماكن تجمّعِ النازحين بهدف استكمال وتحديث بيانات المسجّلين، وتحديد أماكن سكَنِهِم، لحسن استثمار هذه البيانات، ومنع أيّ تنازع قانونيّ في معالجة ملفاتهم، مع إيلاء الحالات الإنسانية الاستثنائيّة عناية خاصة".

بناء على ما تقدّم، يوضح أن كلّ ما ذكر في الإطلاق يكمن في الشقّين القانوني والإداري فقط، ولا يتطرّق إلى عمق المشكلة السياسيّ المتشعّب بين الإقليمي والدولي، ولا يقدّم جديداً حتى بالمعنى الإجرائيّ سوى الرقم الذي رفعته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أي الاعتراف بما يعادل المليون ونصف المليون نازح بعدما كانت تتحدّث لسنوات طويلة عن 700 ألف.

وفي المحصلة، فإن الدولة اللبنانية أوقفت في العام 2018 مشروعاً كان يهتمّ بإعداد داتا للنازحين تعود إليه وبطرق عدة إمّا عبر البلديات وإما عبر المؤسّسات الخاصّة بما يعني هدراً جديداً. أما الحديث عن رحلات العودة فهي منطلقة منذ سنوات عديدة ولم تغيّر في الواقع شيئاً.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم