الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"معركة النصاب"... العرف والسياسة في مواجهة النص

المصدر: "النهار"
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
يتصدّر النقاش الدستوري في لبنان أيّ حدث سياسي أو قانوني، نتيجة كثرة الاجتهادات القانونية من جهة، وغموض بعض الموادّ من جهة أخرى، ويترافق مع حصر أحقّية تفسير الدستور بالمجلس النيابي، ممّا يفتح باباً واسعاً لدخول السياسة، ويتيح لكل فئة تفسير القوانين وَفق ما تشتهي، فتختلط السياسة بالقانون من دون الوصول الى رأي حاسم؛ وذلك يترك الباب مشرعاً أمام تفسيرات تصل إلى حدّ التناقض في بعض الأحيان.
 
وقبل كلّ انتخابات رئاسيّة تعود قضية النِّصاب لتتصدّر من جديد، وسط عدد من الاجتهادات. ففي الانتخابات السابقة جرى نقاش دستوريّ حول الثلثين وما إذا كان المقصود منه عدد الحضور أو العدد الفعليّ لمجلس النواب؛ واليوم أُعيد فتح نقاش حول ما إذا كان النصاب مطلوباً فقط في الدورة الأولى، ثم الاكتفاء بالنصف زائداً واحداً في الدورة الثانية، أو يجب تأمين الثلثين في كل دورات انتخاب الرئيس حتى تكون الجلسة دستورية وشرعية. هذا ما كان مدار سجال في الجلسة الانتخابية الخامسة، التي عقدها مجلس النواب، بين النائب سامي الجميل ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
 
في السياسة، هناك عددٌ كبير من الحجج تُطرح، للتأكيد على ضرورة تأمين الثلثين، انطلاقاً من أعراف حدثت، إذ لم يسبق أن انتخب رئيس جمهورية بحضور أغلبيّة مطلقة بل بحضور الثلثين، في جميع الجلسات والدورات، كان أهمها انتخاب الرئيس بشير الجميل والسعي لتأمين وصول ثلثي أعضاء مجلس النواب الأحياء آنذاك لشرعنة جلسة الانتخاب، بالإضافة إلى التدخّل الذي قام به قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع لعدم تأمين وصول ثلثي النواب لمنع انتخاب سليمان فرنجية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. حتى بعد الطائف، تحوّل حضور الثلثين إلى ما يُشبه عرفاً، ومطلباً للجميع، لقطع الطريق على أيّ اتفاق بين أغلبيّة مسلمة مع أقليّة مسيحيّة فينتج رئيساً من دون موافقة أغلبيّة الفريق المسيحي.
 
يستند مؤيدو هذا الرأي على رفض البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير انتخاب رئيس دون نصاب الثلثين، باعتبار أنّه يُناقض الدستور، وقوله إن الدستور واضح، وهو أنّ النصاب يجب أن يبلغ ثلثي عدد النواب؛ وإذا اجتمع المجلس وتأمّن نصاب الثلثين فبإمكانهم أن يباشروا بالانتخاب، فلربما يجمع المنتخب الثلثين، وإذا لم يجمع ينتخب بالنصف زائداً واحداً.
 
هذا في السياسة. أمّا في الدستور، فتنصّ المادة 49 من الدستور على ما حرفيته "يُنتَخَب رئيس الجمهورية بالاقتراع السرّي، بغالبية الثلثين، من مجلس النواب، في الدورة الأولى. ويُكتَفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي". وبالتالي لم تذكر المادة بصريح العبارة ضرورة تأمين الثلثين في الدورات التي تلي، وهذا ما يرتكز عليه المطالبون باعتماد النصف زائدا وحداً في الدورة الثانية، وهذا ما يؤيّده أيضاً نائب رئيس حزب الكتائب ونقيب المحامين السابق جورج جريج، الذي يرى في حديث لـ"النهار" أنّ المادة 49 من الدستور تقول بغالبية الثلثين في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في الدورات التي تلي، ولا نصّ حول النصاب في هذه المادة، ولا في الموادّ 73 74 75، التي ترعى انتخاب رئيس الجمهورية. وبالتالي، لا يمكن الاستنتاج بأن النصاب هو الاقتراع بالثلثين. وبالتالي، تكون المادة 49 ملحقة بالمبدأ العام في نصاب الجلسات التي نصّت عليه المادة 34 من الدستور، وهذه إرادة المشترع الدستوري، الذي قصد عمداً عدم النّص على النصاب في 4 موادّ تتعلّق بانتخاب الرئيس. ولو أراد المشترع تحديد النصاب لنصّ على ذلك صراحة كما فعل في الفقرة الخامسة من المادة 65، التي تنصّ على أن النصاب القانوني لانعقاد مجلس الوزراء هو ثلثا أعضائه، والمادة 79 نصّت على أن مجلس النواب لا يمكن أن يبحث أو يصوّت على مشروع يتعلّق بتعديل الدستور ما لم تلتئم أكثرية مؤلّفة من ثلثي الأعضاء، ويجب أن يكون التصويت بالغالبية نفسها. إذن المقارنة بين المادة 49 الخالية من النصاب و79 المثبتة للنصاب والتصويت معاً تحسم أيّ جدل".
 
وأضاف: "من يستند إلى العرف الدستوري وإلى بعض الثوابت، أكتفي بالقول إنّ العرف لا يلغي النص، ولا يعدّل فيه. وإذا حصلت بعض السوابق فتلك كانت وجهة نظر ليس من شأنها أن ترسي نصّاً دستوريّاً ثابتاً، خاصّة أن الهدف من الاعتماد السياسيّ لنصاب الثلثين هو إطالة أمد الشغور".
 
ووضع جريج ملاحظتين في هذا الشأن: "الملاحظة الأولى هي أن من أهمّ قواعد تفسير النصّ القانونيّ أنه عند غموض النص، وفي حالتنا لا غموض يفسّره القاضي بالمعنى الذي يحدث معه أثراً إيجابياً يتوافق والهدف الذي هو انتخاب رئيس وليس العكس.
 
أمّا الملاحظة الثانية فهي أن القول بنصاب الثلثين لانعقاد المجلس من أجل انتخاب الرئيس يتجاوز قواعد تفسير النص القانوني إلى إحداث إضافات إلى النص الدستوري، فنصبح هنا أمام موقف سياسي وهرطقة دستورية. وأخيراً في عمل القانون النصابُ هو من الأمور الشكليّة التي لا يُمكن إرساؤها عبر الاستنتاج أو القياس".
 
بدوره، يؤكّد رئيس مؤسسة "جوستيسيا" الحقوقية الدكتور بول مرقص أن "المادة 49 من الدستور لا تنصّ على نصاب، بل حصراً على غالبية الثلثين لانتخاب رئيس في الدورة الأولى، والغالبية المطلقة في الدورة الثانية وما يليها، وهي لا تأتي على ذكر النصاب".
 
ويقول: "إذا كان هناك في الدورة الأولى تماهٍ بين الغالبية والنصاب، ما دام المطلوب تصويت 86 نائباً، ومن ثم أن يكونوا حاضرين، فما لا نفهمه: لماذا في بقية الدورات التمسّك بنصاب الـ86".
 
وبرأي مرقص إنّ "التمسك بنصاب الـ86 نائباً في كلّ الدورات يعطي حجة لـ44 نائباً لتعطيل انعقاد مجلس النواب، وهنا نكون بصدد تعسّف الأقليّة، بدل تعسّف الأكثرية، واستعمال متكرّر غير مشروع للنصاب في أمر جلل، بدل اللجوء إلى التنافس الديمقراطي بين الأكثريات".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم