السبت - 04 أيار 2024

إعلان

رسالة من "آية" لمكتومي القيد... اقتراح قانون التسجيل المدنيّ للأحوال الشخصيّة كحلّ

المصدر: "النهار"
رنا حيدر
رنا حيدر
نموذج من إخراج قيد لبنانيّ (رسم توضيحيّ / وزارة الداخلية).
نموذج من إخراج قيد لبنانيّ (رسم توضيحيّ / وزارة الداخلية).
A+ A-
"سجّل، أنا عربي أنا اسم بلا لقبِ، صَبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها يعيشُ بفَوْرةِ الغضبِ"، حين كتب محمود درويش هذه الكلمات، ربما كان يعلم أنّ الحالة في لبنان ليست أقلّ قساوة من بلاده. كلمات تروي واقع ظروف مستفحلة أنهكت الحالة الاجتماعية ليُصبح العيش في هذا البلد من أشدّ العقوبات التي قد تفرضها الأوضاع على الانسان.
 
ثمّة أزمات انبثقت جراء المشاكل الماديّة، وفي المقابل هناك أزمات تترنّح من حقبات ماضيّة لا تزال تداعياتها ترهق أفراد عدّة، ومنها قانون لا يزال يطبّق بعد أكثر من ستين عاماً، أيّ من عهد الرئيس فؤاد شهاب عام 1959، ألا وهو قانون الأحوال الشخصية. في لبنان تُستخدم السجلات اليدوية القديمة التالفة وغير المكتملة للتعريف عن الفرد، وبعد ستين عاماً بقينا على قانون تُشطب فيه المرأة وتنقل من سجّل إلى آخر، ويحيا فيه الميت لأنّ المختار لم يسجّل الوفاة، أو حتى لا وجود لبعض الناس بسبب الإهمال وعدم تسجيلهم في الدوائر الرسميّة.
 
"آية" ابنة الثمانية عشر عاماً التي التقت بها "النهار" في مؤتمر لجمعية "رواد الحقوق"، واحدة من الضحايا التي قضت حياتها وهي تهرب من دولة كان من المفترض أن تحميها، من حياة مليئة بالتحديات، وهي مواطنة لبنانيّة لكن من دون هوية ولا وجود لاسمها في الدوائر الرسميّة.
 
"مين إنتو"
 
قصّة آية مثل قصة الآلاف، ولدت من دون هوية ليس لأنّ الأب غير لبناني بل لأنه لم يسجلّ زواجه في الدوائر الرسميّة، وبالتالي لم تُسجّل ولادتها ولا ولادة اخواتها. وبعد مرور سنة على ولادتهم (المدّة القانونيّة التي تسمح للفرد بتسجيل طفله) أصبحت آية من دون هوية و"مكتومة القيد".
 
وتشرح آية معاناتها لـ"النهار": "كلّ يوم يمرّ تتضاعف التداعيات، فالتأثير يكون على المدى البعيد، مما يؤدي إلى عوائق في المستقبل، فهم لا يعترفون بك كشخص وحين يعلمون أن ليس لديك هوية، لا يعاملونك كإنسان، لا يستقبلونك في حال أردت الدخول إلى المستشفى، ومن الممكن أنّ نموت فقط بسبب هاجس الهوية، كما لا توجد تساهلات من شأنها أن تسهّل حياتنا، ولا يعترفون بورقة المختار التي تقول إننا "مكتومي القيد"، تتمحور حياتنا حول محاولة الحصول على بعض الحقوق الانسانيّة، فضلاً عن المواقف المحرجة التي سبّبت لي ولإخوتي مشاكل ستبقى محفورة في أذهاننا."
 
وتروي "آية" حادثة سببت لها خوفًا تصفها بـ"الفوبيا" في حين تفاقمت الهواجس إلى حدّ أصبحت تخاف من أيّ حاجز تلمحه خوفاً من أن يطلبوا أوراقًا لا تملكها، وتقول "استذكر مرّة أوقفني حاجز وطلب مني هويتي وحين قلت له إنني لا أملك واحدة، قال لي "بإمكاني توقيفك الآن"، ترجّلت حينها من السيارة ومشيت وكان بإمكاني تفادي هكذا موقف، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أهرب كلّما لمحت حاجزًا."
 
وفي ما يخصّ التعلم والمدرسة، تقول: "لم تستقبلنا أيّ مدرسة، ولم يعترفوا بنا، كانت جملة "مين إنتو" في آذاننا وكانت كافية بأن تحطمنا، فضلاً عن إهمال الأهل، عملنا أنا وأخي الكبير من أجل التحصيل العلميّ من دون فائدة، ودخلنا مدرسة داخليّة وواجهنا على مدار سبع سنوات جميع المحن، حُرمنا من رؤية أهلنا لسبع سنوات، لم نرهم سوى سنة واحدة".
 
بعد كلّ التجارب المؤلمة والمعاناة، مهّدت آية وأخوها الكبير الطريق لإخوتها الصغار "كرمال ما يطلعوا متلنا"، مضيفةً: "هم أيضاً من دون هوية لكن ذلك لا يعني أنّ حياتهم ستكون مثل حياتنا، علمنا في وقت متأخر أنّه يحقّ لنا الدخول إلى المستشفيات والمدارس الرسميّة بسهولة وأن نكون مثل أيّ انسان طبيعي، الفرق أنّ بحوزتي ورقة مختلفة عن الهوية يمنحني إياها المختار، خسرت سبع سنوات من حياتي وأنا أعيش في المجهول، قرّرت حينئذ أن أغيّر حياة أخوتي."
 
وتضيف آية: "كان بإمكاننا تفادي عوائق عديدة فأخذت الأمور على عاتقي ودخلت إلى الجامعة ونقلت إخوتي إلى مدرسة رسميّة، ورسالتي اليوم هي أنه بإمكاننا أن نُعامل كالبشر، أحاول أن أقول للأشخاص المكتومي القيد أنّ ثمّة أموراً متاحة لكن مخفية، إذا لم يكن لديك هوية ذلك لا يعني أن لا وجود لك".
 
فمن يحمي هؤلاء الأشخاص، الذي لم يكن ذنبهم إلاّ أنهّم ولدوا في لبنان؟
 
في هذا الإطار قدّمت جمعية "رواد الحقوق" اقتراح "قانون التسجيل المدني للأحوال الشخصيّة" الذي تبنّاه النائب أسامة سعد وقدّمه للجان النيابي، وعرضت موجبات الاقتراح في مؤتمر يوم الأربعاء بحضور إعلامي. ويقوم القانون على توحيد الجهات الممسكة بالسجلات وضمان شموليتها، مما يسمح بتكوين سجل مركزي موّحد يتضمّن كلّ البيانات بشكل يسهّل الوصول إليها، بالإضافة إلى اقتراح مكننة السجلات وكلّ الإجراءات، وضمان حمايتها. استنادا الى القانون الحالي، تعتمد الإجراءات على المبادرة الفردية من دون تدابير واضحة (الخطأ الذي ارتُكب بحقّ آية)، أمّا اقتراح هذا القانون سيغيّر هذه الحالة ويجعل المؤسسات مسؤولة عن التصريح عن المعطيات ضمن آليات سهلة وممكنة، بالتالي تتحملّ مسؤولية تصريح الولادات، الوفيات...
وأخيراً سيسمح هذا القانون باعتماد بيان فردي لكلّ فرد بغضّ النظر عن جنسه، توثّق فيه كافة المعلومات ومعطيات الأحوال الشخصية والقرارات الاداريّة والقضائية المتعلّقة به، فضلاً عن رقم يضبط كافة أوضاعه القانونيّة، حيث يعطى لكلّ لبناني "رقم وطني خاص"، ولكل "عديم الجنسية في موطنه الأصل"، واللاجئ في لبنان رقماً تعريفياً خاصاً. فهل من الممكن أن يطبّق؟
 
يؤكّد لنا خبير قانوني عمل على تطوير هذا الاقتراح، أنّه من الممكن أن يواجه مشكلتين أساسيتين في حال وافق عليه مجلس النواب وهما:
 
أولاً أنّه في حال لم يتمّ إدخال نظام المكننة الالكترونيّة في الدوائر الرسميّة سيكون غير قابل للتنفيذ، في حين أنّه مرتبط بالمنصات الالكترونيّة، وسيكون موّحدًا وموزّعًا بين المستشفيات، والمحاكم الدينيّة، ومربوطًا بدوائر النفوس ووزارة الداخليّة، من أجل إدخال بيانات الأفراد عليه لذا هو بحاجة غلى تطوّر تكنولوجي، لا نعلم إذا كان من الممكن أن توفّره الدولة اللبنانيّة.
 
العقبة الثانيّة ستكون النظام الطائفي المعتمد في لبنان، فاقتراح قانون التسجيل المدني سيمنح المواطن الخيار بعدم ملء خانة الطائفة في اخراج القيد فيصبح غير الزامي، مما سينبثق مشاكل عديدة على المدى البعيد خاصةً أنّ لبنان قائم على المحصصات المذهبية والطائفية، كما سيلزم تغيير قانون الانتخابات ليتماشى مع أهداف هذا القانون.
 
لكن أمام هاتين العقبتين، هذا القانون المتطوّر سيسمح للدولة أن تجمع كلّ بيانات الأحوال الشخصيّة لأيّ فرد مقيم على الأرض اللبنانيّة في مكان واحد، وبالتالي معرفة عدد المقيمين والأجانب ومكتومي القيد، حيث أنّ آخر إحصاء رسمي نفذّ في العام 1932.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم