الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

في لبنان حالات سرطانية مشابهة لحالات العراق بشراستها: التلوّث يزداد والخبيث يتوغّل أكثر

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
صرخة لمرضى السرطان أمام السرايا الحكومية (نبيل اسماعيل).
صرخة لمرضى السرطان أمام السرايا الحكومية (نبيل اسماعيل).
A+ A-
نعرف مسبقاً أنه لا يمكننا مقاربة الصورة بشكل حاسم، لكنّه يتوجّب علينا طرح التساؤلات والفرضيّات بهدف الإجابة عن السؤال المقلّق: "ما الذي يُسبّب زيادة في حالات السرطان في لبنان؟". لا إثباتات علمية تؤكّد ما تتمّ ملاحظته. بعض أطباء سرطان الأطفال في لبنان لاحظوا، في الأشهر الستة الأخيرة، أن الإصابات بالسرطان اليوم تُعتبر أكثر شراسة، وشبيهة بحالات سرطان الأطفال في العراق بحدّتها.
 
لا يخفى على أحد أن ما تعرّضت له العراق من عمليات عسكرية ما بين العام 1991 ونهاية العام 2016 انعكس زيادة مطّردة في نسبة الإصابة بالسرطان. في العام 2022، أعلنت وزارة الصحة العراقية ارتفاعاً خطيراً في نسبة الإصابة بأمراض السرطان عند الأطفال في البلاد، مؤكّدة تسجيل ما بين 20 و25 إصابة شهرياً. لا شكّ أن الرقم كبير وخطير جداً.
 
وكشفت وزارة الصحة العراقية في تقرير مسرّب عن تلوّث الهواء، ورأت فيه السبب الرئيس للإصابة بمرض السرطان بنسبة تصل إلى 20 في المئة في مدينة البصرة؛ وذلك بين العامين 2015 و 2018.
 
في لبنان، الوضع ليس أفضل، والسبب التلوّث المستشري، سواء جرّاء حرق النفايات عشوائياً، أم توزّع المولّدات في المدن السكنية، أم تلوّث المياه ومخلّفات المصانع والاستخدام العشوائيّ للمبيدات الزراعية؛ كلّ تلك العوامل مؤثرة في زيادة الأمراض التنفسيّة والمزمنة والسرطانيّة.
 
في العام 2020، صدر تقرير عن واقع البيئة في لبنان، أعدّه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدعم من المفوضيّة السامية في الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظّمة اليونيسف، فأظهر عبر دراسات عينيّة موثوقة أن نوعيّة الهواء الرديئة تعدّ من أكبر الأخطار البيئية التي تؤثر في الصحة العامة في لبنان. أما مصادر تلوّث الهواء فهي عديدة، أبرزها قطاع النقل وتوليد الطاقة والقطاعات الصناعية، إضافة إلى المصادر الطبيعيّة مثل العواصف الترابيّة وحرائق الغابات.
 
وفي أحدث الدراسات العلميّة، ثبت ارتفاع نسبة تلوّث الهواء في لبنان إلى 300% مقارنة بالنسبة في سنوات ما قبل أزمة الكهرباء.
 
 
ملاحظة عيادية من بعض الأطباء
 
بالعودة إلى حالات سرطان الأطفال في لبنان، لاحظ بعض أطباء سرطان الأطفال في عياداتهم اختلافاً بين السرطانات التي تُصيب الأطفال في لبنان، والتي تندرج أكثر في قائمة الأنواع الأكثر شراسة، وفق ما يوضح الاختصاصي في سرطان الأطفال، الدكتور بيتر نون، في حديثه لـ"النهار": "لاحظنا أن الحالات السرطانية عند الأطفال هي أكثر شراسة مثل سرطان الغدد الليمفاوية، سرطان العظم وسرطان الدم".
 
هذه الملاحظة الطبية التي تشاركها نون مع زملاء له في الاختصاص تعود إلى 6 أشهر مضت.
 
يشدّد على أن هذه الملاحظة تقتصر على الفحص السريريّ، وليست نتيجة أيّ دراسة علميّة أو استنتاج علميّ، إنما خلاصة معاينات لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين الأشهر الأولى وسنّ الـ18، من الذين يقصدون العيادات الطبيّة.
 
 
ولا يُخفي نون أن عوامل كثيرة تؤدي دوراً في زيادة هذه الحالات، أهمّها التلوّث، خصوصاً أنّنا نعيش في بيئة ملوّثة، وقد تعرّضنا في السنوات العشر الأخيرة لقذائف وانفجارات، بالإضافة إلى انبعاثات المولّدات الكهربائية ومخلّفات القطاعات والمعامل الصناعية والمبيدات الزراعية التي تزيد من نسبة التلوث".
 
أما الملاحظة الثانية التي سجّلها بعض الأطباء فهي أن الحالات السرطانية التي كانت تأتي من العراق، كانت تتميّز بأنّها أكثر شراسة، وتتجاوب بمستوى أقلّ مع العلاجات نتيجة تعرّض المصابين الطويل للقذائف والإشعاع النوويّ وغير ذلك من مخلّفات الأسلحة غير التقليدية. أمّا اليوم، فأصبحنا نلاحظ وجود حالات سرطان في لبنان مشابهة للحالات في العراق.
 
من جهتها، توقّعت منظمة الصحة العالمية ازدياد حالات السرطان بنسبة 81% بحلول عام 2040 في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بسبب عدم كفاية الموارد اللازمة للوقاية. وحذّرت من ارتفاع نسبة الإصابة إلى 60% على مدى العقدين المقبلين، إن استمرّ الوضع البيئيّ على ما هو عليه.
 
وبينما سجّلت المنظّمة نحو 18,1 مليون إصابة جديدة بالسرطان في العام 2018، تتوقع أن يتراوح العدد ما بين 29 و37 مليون حالة في العام 2040.
 
 
من جهة أخرى، يعزو نون الحالات السرطانية المتقدّمة إلى أسباب متعدّدة، أوّلها الأزمة الاقتصادية، والتأخّر في استشارة الطبيب حيث نلاحظ حالات متقدّمة في المرحلة الثالثة أو الرابعة من المرض، بعد أن كان يتميّز لبنان قبل الأزمة بالتشخيص المبكر والتدخّل السريع. وعليه، يطرح هذا الواقع تساؤلات عديدة ويتطلّب متابعة متكاملة على الأصعدة كافة.
 
يشدّد نون على أن "التوعية هي الحجر الأساس في مواجهة السرطان، فأيّ عارض قد يشعر به الطفل يستدعي استشارة الطبيب وعدم إهمال أيّ علامة، خصوصاً أن نسبة الشفاء عند أطفال السرطان مرتفعة (90 في المئة) نتيجة التشخيص المبكر"، بالرغم من "الوضع المادي، والأزمة الاقتصادية التي أدّت إلى تفاوت في قدرة الحصول على الرعاية الصحية"، في الوقت الذي ينصح نون "الأهل بالانتباه إلى الخيارات الغذائية لأطفالهم والطعام الذين يتناولونه، لأن السلوكيات الصحيّة تبدأ من المنزل قبل الحديث عن ممارسات المجتمع". ولا يُغفل مسؤولية السلطة التنفيذية التي يجب عليها "أن تولي اهتماماً للمسائل البيئية المتشعّبة (المبيدات الزراعية- التلوّث الناجم عن المولّدات والمصانع...) لمعالجة المشكلات والتخفيف من وطأة التلوّث على مختلف الأصعدة. وبالتالي لا تقع المسؤولية على جهة واحدة، وعلى كل طرف جزء من المسؤولية يجب تحملها".
 
 
على المقلب الآخر، كشف اختبار أجرته الهيئة اللبنانية للطاقة الذريّة على جسيمات من هواء بيروت في العام 2017 أنه يحتوي على مواد سامّة ومسرطنة، في حين أطلقت غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريراً عالمياً في العام 2020 بعنوان "الهواء السامّ: الثمن الحقيقي للوقود الأحفوري"، فكشفت فيه عن أرقام تحدّد التكلفة الصحيّة والاقتصادية الموجعة التي تتكبّدها الدول بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري الذي يلوّث الهواء ويُسبّب نسباً عالية من الأمراض والوفيات.
 
يُقدّر في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عدد الوفيات المبكرة سنويًا بنحو 65,000 حالة، جرّاء تلوّث الهواء الناجم عن الوقود الأحفوري. وقد بلغ متوسط العدد التقديري للوفيات المبكرة في لبنان نتيجة تلوّث الهواء بسبب الوقود الأحفوري 2,700 حالة في العام 2018، أي بمعدّل 4 وفيات لكل 10,000 شخص، ليكون لبنان بذلك من البلدان ذات المعدلات الأعلى في المنطقة إلى جانب مصر.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم