السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

وطني مصدرُ وحيٍ وإلهام

المصدر: النهار - جيزيل أبي خليل الحاج
أبصرتُ النور في أرض النور. عشِقت رائحةَ تراب هذه الأرض وعطرَ ياسمينها
أبصرتُ النور في أرض النور. عشِقت رائحةَ تراب هذه الأرض وعطرَ ياسمينها
A+ A-
أبصرتُ النور في أرض النور. عشِقت رائحةَ تراب هذه الأرض وعطرَ ياسمينها. تأمّلت قمرَها في الليل وشروقَ شمسها عند كلّ صباح. أطربتني ألحانُ طيورِها ودغدغَت مشاعري لقاءاتُ الأحبّة فيها. أعشقُ هذه الأرض وأهلَها. كلُّ ما فيها مصدرُ وَحيٍ وإلهام من أرزِها لجبالها وبحرِها ووديانها.
إنْ نظرنا من حولنا، رأينا كم ألهَمَتْ بلداناً نحو الحلم والتقدّم، وكم أوحت لشعوبٍ بأهميّة التلاقي معاً والانفتاح.
نعم أرضُ وطني أرضٌ مُلهِمة ووطني مصدرُ وحيٍ، فهنيئاً لِمَن فتحَ ذهنَه وقلبه للوحي وسارَ نحو الأفضل.
صحيح أنّ لبنان وطنٌ صغير من حيثُ المساحة لكنّه كبيرٌ من حيث الدّلالة والرّسالة. إنّه بقعة صغيرة على هذه الكرة الأرضيّة، ولكنّه يحمل رسالة كبيرة لكلّ إنسان وللإنسانيّة جمعاء.
على هذه البقعة الجغرافيّة الصغيرة، اجتمعت مشاكل الأرض وأزماتها بكلّ أنواعها، وتحدّت روح الحياة التي رفضت الاستسلام للموت، وأصرّت على مواجهة العاصفة حتى الانتصار. هذه الروح النضاليّة المثابِرة والمتمسّكة بالقِيَم وبقيمة الحياة، هذه الروح التي تجد إيماناً حيث لا مجال للثقة، والتي تجد قوّة حيث يسود الضعف، والتي تجد أملاً حيث يسود اليأس، هذه الروح بالتحديد تحملُ رسالةً مُلهِمة.
ولكن، لهذا الوطن الملهِم أعداءٌ يستشيطون غضباً من هذه الروح الوطنيّة، ومن إمكانيّة قيام لبنان بهذا الدّور. وما نأسف له أنّه يتمّ فينا القول "أعداءُ الإنسان أهلُ بيته".
كم تغنَّينا بمفهوم العائلة في وطني؛ العائلةُ المتماسكة التي تجتمعُ على المحبّة، وتفرحُ بالمشاركة، وتتألّقُ بِحُسن الضيافة والكرم! العائلة التي تتضامن، وتواجه الصّعاب مهما اشتدّت! العائلة التي تفتّش عمّا يجمع لا عمّا يفرّق، فتخلق جنّتها وفرحَها ونعمتها في الحياة معاً، حيث يصبح الاختلاف تنوّعاً وتنوّع الآراءِ غنىً، وغنى الثقافات واللغات والأحلام والطّموحات حضارة.
هذا المفهومُ الرّائعُ والطَّموح طوّرناهُ ليُصبحَ أكثر شموليّة، فرأينا في وطننا عائلةً كبرى تجمعُ جميع اللبنانيين في جوّ من العيش، يحلو فيه التنوّع، وينمو فيه الاختلاف بكلّ حرّيّة واحترام، من دون أن يتحوّل إلى مصدر خلاف. في كنف هذا الوطن، كلّ جمالٍ قيمة، وكلّ قيمةٍ مصدرُ جمالٍ وإبداع!
ما أسمى هذه الرّؤية للعائلة والوطن!
هذه البيئة بالذات هي حاجة كلّ إنسان وطموحه في آن. في كنف هذه البيئة، يُصبح النموّ ممكناً، والازدهار متاحاً، والأمن والأمان واقعاً، والسّلام نعمةً، فيحلو العيشُ ويطيبُ الفرح.
هذه الرّوح بالتحديد هي التي ألْهَمَت كثيرين. هذه الروحُ مصدر فخر واعتزاز لشعبنا ووطننا إلّا طبعا مَن آثروا معاداة هذه الروح الحلوة الملهِمة من أقربين وأبعدين.
هؤلاء أزعجَتهم روحُ الوحدة في التنوّع فزرعوا الشّقاق.
أغضبهم الحلم والطّموح فكفّروا الطّموحين والحالِمين.
أثارت اشمئزازهم فكرة العيش بأمان وسلام فنشروا ثقافة الحقد والعنف.
ارتجفوا أمام الأمانة والولاء للوطن، فانتهجوا سياسة التخوين وزعزعة الانتماء وتحوير الولاء.
أرعبتهم فكرة هذه الهويّة اللبنانيّة ذات الرّوح المميّزة فشيطنوا روح الوطن وهويّته.
تلاعبوا بالغالي والثمين، ولمّا استحالت أمامهم إمكانيّة سلخ المواطن عن حرّيّته وكرامته وتعلّقه بالسّيادة والكيان، فجّروا قلب الوطن. لكنّ قلب الوطن الممزّق النّازف أبى أن يتوقّف عن الخفقان، بل ظلّ ينبض حياة ورجاء.
صُدِمت قوى الشرّ وتفاجأت، لكنّها – طبعاً - لم ترتدّ، بل استجمعت طاقتها المدمِّرة، وضيّقت الخناق كي تقضيَ على كلّ نَفَسٍ. في هذه المعركة شرّعت قوى الشرّ لنفسها كلّ الوسائل.
إذا لزم الأمر أن يموت الشعب جوعاً فلا بأس، نقطعُ عنه الغذاء.
إذا لزم الأمر أن يموتَ الشعبُ من العطش فلا بأس، نقطع عنه الماء.
إذا لزم الأمر أن يموت الشعب من المرض فلا بأس، نقطع عنه الدواء.
إذا لزم الأمر أن أن يموت الشعب من الظلمة فلا بأس، نقطع عنه النور.
إذا لزم الأمر أن يموت الشعب خنقاً فلا بأس، نقطع عنه الهواء.
وإن لم ينفع كلّ ذلك، نجرّد الشعب ممّا له، أو ندفعه إلى المغادرة، وبأفضل الأحوال ندعه يبقى ليتمتّع بجهنّم.
أمّا إن لم ييأس، وإن لم يمت، رغم كلّ هذه المحاولات، وظلّ يتنفّس حرّيّةً وثقافةً وحضارة، فلا بأس أيضاً، نمنعه من العلم والانفتاح، ونقطع عنه حتّى وسائل التّواصل فنعزله عن العالم.
فعلا، لم تعدَم قوى الشرّ وسيلةً لتدمّر الإنسان ولبنان. وكلّما فشلَت في إخماد هذه الرّوح الحيّة الأبيّة تجتهد من جديد لتعطّل كلّ إمكانيّة ولتعرقل كلّ مسيرة بنيان.
وهنا، أسأل نفسي وأسألكم: "أتراني أبالغ وأذكر أموراً من نسج الخيال؟!". يا ليت! كم وددت أن أكون متوهّمة ويكون وطني بخير وعافية، لا أعداء له، لا سيّما الذين هم من أهل بيته!
كم وددت أن أكون على خطأ فلا أرى أهل البيت يدمّرون بيتهم، ويهلكون أهلهم! ولكنّ الحقيقة تبقى حقيقةً، وإن كانت مُرّةً ومن الصعب تقبّلُها.
لوطني أعداء كثر من الخارج أيضاً، وبالطّبع لكلٍّ غايته ومصلحته وأهدافه بزرع الخلل وإحداث التّدمير أو التّحجيم؛ وهذا أمر لا يُمكن نكرانه أو التّغاضي عنه، إنّما يبقى الجرح الأكبر هو الطّعن الذي يأتي من الداخل خدمةً للخارج.
فيا أبناء هذا الوطن، استيقظوا وميّزوا أمورَكم!
تذكّروا هويّتكم اللبنانيّة المميّزة!
أعيدوا إلى أذهانكم صورة الكيان!
لا تساوموا على انتمائكم للبنان!
تمسّكوا بالعيش معا كإخوة باحترام ومساواة، بأيدٍ مفتوحة ورأس مرفوع دائماً!
لا تنسوا أنّ وطننا منارة، كان وسيبقى، إن أنتم بقيتم على وفائكم واندفاعكم للتغيير نحو الأفضل!
يا أبناء وطني، تذكّروا أنّ وطننا حيّ، وله روحٌ نابضة؛ وكلّ من ساهم في خنق هذه الرّوح هو عدوّ نفسه ووطنه، وهو عدوّ لهذه الرّوح الحيّة المحيية والملهِمة!
وكلّ من ساهم بإنعاش وإحياء هذه الروح هو ملهَم ورسالته تشمل الوطن، لا بل هي، بثباتها وعزمها وإيمانها وباستمراريّتها رغم كلّ التحدّيات، تتخطّى حدود الوطن لتخاطب قلب وروح الإنسانيّة.
وأخيراً، أدعو نفسي وأدعوكم جميعاً إلى أن تكونوا لبنانيّين متمسّكين بجذوركم وأغصانكم الممتدّة إلى أقاصي الأرض!
كونوا لبنانيين فخورين بإرثكم وكنزكم، ولا تدعوا الظلام الذي ينشرونه أمام أعينكم يحجب عنكم نور الحقيقة وحقيقة الهويّة!
دعوا لبنان يُلهِمُكم لتستنبطوا الحلول، ولتبدعوا كما فعلتم دائماً!
ثقوا، وتشجّعوا، وأكملوا درب الوحي والإلهام!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم