الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

صحّة الفقراء في بورصة الدولار

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
 أكتب هذه السطور للإضاءة على عذابات، ومعاناة المرضى الفقراء المعوزين المنسيين
أكتب هذه السطور للإضاءة على عذابات، ومعاناة المرضى الفقراء المعوزين المنسيين
A+ A-
بداية، لا أهدف من وراء كتابة هذا المقال التسوّل، أو الاستعطاء من أصحاب المستشفيات، ولا من أصحاب الأيادي البيضاء في هذا الزمن التسلّطيّ الأسود، لأنّ الآباء والأجداد قد وفّروا لنا "القروش البيضاء" لهذه الأيّام السوداء، وهي قروش "طاهرة بحقّ"، وليست كما يدّعي بعض "المطهرون" عن مصادر أموالهم، وثرواتهم السوداء!
أكتب هذه السطور للإضاءة على عذابات، ومعاناة المرضى الفقراء المعوزين المنسيين، الذين لا أمل لهم في نيل العلاجات، والبقاء على قيد الحياة!
هل يدرك الذين ينادون بالتدقيق الجنائيّ في المصرف المركزيّ، وسواه من مؤسسات الدولة التابعة والمنهوبة، أنّه لا يتوفّر لهؤلاء المرضى المهملين ثمن ربطة خبز، وترفض المستشفيات إدخالهم للعلاج دون تسديدهم المسبق لملايين الليرات؟
وهل يدرك المسؤولون في الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ أنّ الموافقة المسبقة والمؤخّرة التي يحصل عليها المضمونون، لا تساوي "شروى نقير" في مسالخ محاسبات المستشفيات؟
هل يدرك أولئك الطامحون الطامعون بمقاعد في المجلس النيابيّ القادم، والذين هم يشغرون سبعة منها حاليًّا، أنّ ناخبيهم غارقون في دهاليز العوز والحاجة والمرض؟
هل يدرك أصحاب المستشفيات "المسالخ" أنّ مجازرهم الماليّة سوف ترتدّ عليهم بالويلات من قبل أصحاب الكرامة، وعزّة النفس، حين تقفل في وجوههم كلّ السبل لشفائهم وتعافي مرضاهم؟
أدرج في ما يلي نموذجًا عن الاستغلال والنهب الفاضح الذي يتعرّض له المريض المضمون من جانب الصندوق الوطنيّ للضمان الاجتماعيّ، الحاصل على موافقة مسبقة لإجراء عملية الكشف عن الوضعيّة الصحيّة لـ"القسطرة" فقط، دون إضافة "دعامات" أو بالونات، وما شاكل:
يقدم المضمون طلب الموافقة المسبقة إلى قسم الدخول في المستشفى، وإجراء فحص الـPCR مقابل مبلغ 250000 ليرة نقداً، قبل يوم من الخضوع للـ"القسطرة"، ثمّ يحال إلى قسم المحاسبة للسؤال عن فرق المبلغ من تغطية الضمان الصحّي الذي عليه تسديده، ويحدّده المحاسب بخمسة عشر مليون ليرة إضافيّة!
يصاب المريض بالذهول فوراً، ويخرج من المكتب غير مدرك وجهته التالية. فيجلس في الاستراحة حتّى يسترجع وعيه ونبض قلبه الذي تجمّد وتوقّف بعض الوقت!
يعجب المريض من الأمور التي سوف تحصل خلال عملية القسطرة التي لا يتعدّى إجراؤها العشر دقائق، وكيف أنّها تستدعي هذا المبلغ الضخم من المال "الطاهر"، وأكرّر "الطاهر"، لأنّ الحصول عليه حصل بـ"العمل الحلال، وليس الحرام"!
تساءل المريض عن كلفة مادة "اليود" الملوّنة التي سوف يضخّها الطبيب في الشرايين حتّى تكشف تدفّق الدم في الشرايين، على شاشة الجهاز المنوط به ذلك؟
تساءل عن بدل الطبيب المعالج والممرّضة التي تعاونه، خلال هذه الفترة القصيرة جدّاً من الكشف!
تساءل عن ثمن الجهاز بكامله الذي صنع للكشف على آلاف المرضى، وليس على مريض واحد؟
تساءل عن كلفة إستئجار الغرفة خلال عشرة دقائق!
وتساءل وتساءل، وتساءل كيف أنّ مجموع هذه التكاليف تتعدّى مساهمة الضمان الصحّي، من خلال الموافقة الاستشفائية المسبقة، وكيف أنّ تطبيق المحاسبة على هاتفه الجوال قد تعطل ونفد شحن بطاريته بعد تسجيل مبلغ الخمسة عشر مليون ليرة، فارق كلفة هذا الكشف السريع!
نعم، قامت الدنيا ولم تقعد على وسائل التواصل الاجتماعيّ، وعلى الإعلام المرئيّ والمسموع حول منصّات الدولار وسوقها الأسود، لكنّني ما سمعت، أو قرأت يوماً، عن منصّات المستشفيات السوداء، وعن دولارها الأسود القاتل!
نيال من له حبّة دواء في لبنان، وليس "مرقد عنزة"، لأنّ اللبنانيّ المريض أصبح "شاة" للذبح في مسالخ المستشفيات، ولا مكان له للإقامة في أدغال شريعة الغاب.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم