الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

الأرمن... بين الدور والإنتاج

المصدر: النهار - كريس تشوبوريان (جبّور)
عندما تنزح الشعوب عادةً، إثر الحروب والمجازر، تُصبح نوعًا ما عبئًا على البلاد التي تستقبلها
عندما تنزح الشعوب عادةً، إثر الحروب والمجازر، تُصبح نوعًا ما عبئًا على البلاد التي تستقبلها
A+ A-
عندما تنزح الشعوب عادةً، إثر الحروب والمجازر، تُصبح نوعًا ما عبئًا على البلاد التي تستقبلها. فهي تأتي من دون أيّ شيء، تاركةً وراءها تاريخها وأرضها وأغراضها ومالها، للحفاظ على حياتها، إلاّ الشعب الأرمني، فلم يقبل الأرمن يومًا أن يكونوا عبئًا على أيّ دولة، بل بالعكس، ساهموا في اقتصاد البلدان ونشروا خبراتهم الحرفيّة.
يقول البعض: أنتم لاجئون مجنّسون...
ربّما تجنّسنا إثر اتفاقية لوزان عام ١٩٢٣، بالرغم من النقاش الطويل حول هذا الموضوع. فقانون الجنسية اللبنانية صادر في العام ١٩٢٥ أي حصل سكّان تلك المنطقة على الجنسيّة في الوقت نفسه، ونشأ لبنان الكبير في العام ١٩٢٠، أي يُمكننا اعتبار وصول الأرمن إلى لبنان نزوحاً وليس لجوءً، لكنّنا برهنا مرّة جديدة أن الجنسية مجرّد ورقة أو بطاقة لا تُعطي الوطنية، بل تُعطي مرجعيّة دوليّة للشّخص، فيما الوطنية تخلق في وجدان الشعوب، وهي التي تُعطي قيمة للبطاقة التي نحملها.
وصل الأرمن إلى لبنان، ووظّفوا طاقاتهم وخبراتهم ليعملوا، فلم يتّكلوا على المساعدات، ولم ينهشوا خيرات البلد من دون إنتاجيّة.
دخل الأرمن كلّ القطاعات، ليشكّلوا مثلاً 80% من قطاع المجوهرات، حتّى أنّهم تعوّدوا على الاكتفاء الذاتي، ولم يتّكلوا على استيراد الموادّ الأولية لحِرفهم بما أنّهم أتوا من دون أيّ شيء. بذلك، عندما حوصرت المنطقة في الحرب العالمية الثانية، وتوقّف على إثرها الاستيراد، شكّل عمل الأرمن نحو 40% من مجموع الناتج المحليّ اللبنانيّ، ولم يتأثر إنتاجهم.
انظروا إلى برج حمّود، معقل الأرمن في لبنان، حيث تشكّل تلك المنطقة فسيفساء حرف ومهن؛ فهناك الصيرفي، والجوهرجي، والتاجر، بالإضافة إلى المطاعم…
ساهم الأرمن في المجال الثقافي، إذ إن الإرث الثقافيّ هو من الأشياء النادرة التي تُنقل بالدّم وليس بالحقائب. أتى الأرمن، وفي جعبتهم خليط ثقافي على أنواعه، من الموسيقى والمسرح والرقص والرسم. فكيف ننسى الأسماء التي برعت في تلك المجالات، وعلى سبيل المثال: هاروت فازليان، قائد الفرقة الفيلهارمونية اللبنانية، ومايسترو فرقة الفنانة جوليا بطرس، الممثلان ميراي بانوسيان وبيار شماسيان، وفرقة هاماسكايين للرقص، والرسام بول غيراغوسيان، والكاتبة كلوديا مرشليان،… ونخبة كبيرة من الفنّانين اللبنانيّين من أصل أرمني.
ساهم الأرمن في الصناعة، إن كان في صناعة الحديد أو صناعة الأحذية والملابس، أو غير ذلك من الصناعات. واشتهروا في هذا المجال لدرجة أنّه لقّب البعض الأرمن بالصناعيّ.
ساهم الأرمن في السياسة اللبنانية، وأكّد الشعب الأرمني أنّه شعب يبني ولا يهدم. في الحرب الأهلية اللبنانية، وقف الأرمن على الحياد الإيجابي، ولم يقبلوا الخوض في عملية الخراب والقتال، ولم يقبلوا أن تتلطّخ أياديهم بالدم، بل اقتصر نشاط الأرمن على الإسعاف وتوزيع المساعدات، ولاسيما الغذائية منها. وفي السلم، لعب الأرمن دور المسالم، فلم يقبلوا أبدًا أن يكونوا العقدة بل عُرفوا دائمًا بالحل أو المخرج.
قد نكتب كتبًا عن دور الأرمن الإيجابي في المجتمع اللبناني، لكن باختصار، الأرمن بنوا الوطن، ولم يهدّموه حتّى في زمن الحرب. الأرمن… حالة إنتاجية ومدرسة في الوطنية.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم