الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

الملك والدين والشعب

المصدر: النهار - العراق - يوسف علي يوسف
اتّسمت المرحلة التنويرية بالإصلاح والنمو والثقافة الاجتماعية والوعي الديني
اتّسمت المرحلة التنويرية بالإصلاح والنمو والثقافة الاجتماعية والوعي الديني
A+ A-
اتّسمت المرحلة التنويرية بالإصلاح والنمو والثقافة الاجتماعية والوعي الديني. ويقول كلٌّ من الدكتورة حياة شرارة والدكتور محمد يونس في كتابهما "مدخل إلى الأدب الروسي": ظهر اصطلاح المرحلة التنويرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا الغربية، حيث برزت الدعوة لإقامة ثقافة ومجتمع جديدين، وأفسح المجال أمام العلوم للازدهار وفصلها عن دعاية الكنيسة. عبر الفلاسفة سبينوزا ولوك وفولتير وجان جاك روسو عن هذه الأفكار وطالبوا بإعادة الحقوق الطبيعية للفرد. أدان مونتسكيو الحكم الملكي المطلق وطالب بحكم ملكي دستوري وعدم تدخل الكنيسة في شؤون الدولة.
وهذا يدل على قطبين مهمين في حياة أوروبا وقتذاك وهما "الدين والملك" أي "الدين والدولة"، والاثنان كانا يسيران في اتجاه المصلحة الشخصية لا المصلحة العامة، حيث إن الحاكم "الملك" عندما يصل إلى عرشه يقسم بالولاء أولًا للكنيسة التي لم تكن تمثل الدين المسيحي الحقيقي بل رجل الدين المسيحي، ورجل الدين المسيحي في ذلك الوقت يمثل نفسه ويعمل لمصالحه ولا يمثل المسيحية ولا يعمل لعامة الناس. لذلك معظم الأمور تعود إلى مصلحة القسيس، وأن الحاكم حين يصل إلى عرشه بمباركة الكنيسة يبقى خادمًا مطيعًا لذلك القسيس والقسيس يبقى يوجه الحاكم نحو تطلعاته وليس نحو تطلعات الشعب، وحتى وصل حال المصالح الشخصية للحاكمين والقساوسة إلى أن يقوم الملك هنري الثامن بالتخلص من قسيس الكنيسة وتنصيب نفسه قسيسًا وملكاً حتى يصبح الأمر كله بيد شخص واحد.
فهنا نجد أن الدين يتداخل مع الدولة بهذا المستوى، وأن كل الأمور تتجه إلى المصلحة الفردية ويصبح الأمر دمويًا وتحدث المجازر. لذلك نجد أن القسيس كان دائمًا يؤيد الملك ويمتدحه ويباركه ويدعو الناس للصلاة من أجله وذكره في دعائهم، فهو يعتبر أحد مناصري عيسى المسيح، وعندما يبلغ اسم عيسى المسيح مسامع هؤلاء الناس يخرّون ساجدين ويدعون المسيح إلى إدامة ملكهم وسلطانه والمد في عمره، فهو أحد رجال عيسى المسيح الأحياء ومناصرته وحبه واجب لا مناص منه، وبهذا يبقى القسيس غنيًا مقدسًا متنعمًا والحاكم يحصل على ما يشتهيه والشعب في تراجع ديني وثقافي واقتصادي وما إلى ذلك بسبب المنهجية الدينية المصطنعة التي خلقها الحاكم بمباركة القسيس "رجل الدين المزيف".
لكن عندما أصبح الزيف خارج نطاق المعقول واشتد الخناق على الناس، بات لا بد لهم من قول كلمتهم، لكن كلمتهم لم تأتِ من جوهرهم بل بمساع حثيثة من المثقفين المدركين للخديعة. فجوهر هؤلاء الناس مخدّر في الدين. لذلك تنطبق عليهم ما قاله كارل ماركس: "الدين أفيون الشعوب". فالقصد من هذا أن الدين هو النقطة المفصلية التي وظفت للسيطرة على العقول وتخديرها. فـ"القساوسة" لم يستخدموا الدين بصورته الحقيقية لينصف الناس ويعطي كل ذي حقٍ حقه، بل استخدموه بالصورة التي تخدم مآربهم ليظلم الناس ويأخذ الحق منهم لا إليهم. وبهذا يبقى الحاكم مسيطرًا بمباركة من حوله من القساوسة، ويبقى الحاكم خادمًا لذاك القسيس طوال فترة حكمه، فلا يخدم الشعب بل يخدم القسيس نفسه. لذلك كان القساوسة يحثون الحاكم على قطع رقاب الثائرين على هذه الحال والتخلص منهم حتى لا تتضرر مصالحهم وأموالهم بذرائع شتى، كتكفير المسيحية أو التطاول على الدين أو الخروج على دولة عيسى المسيح بغير حق وما شابه ذلك من التهم، وحتى الشعب نفسه باعتباره مخدَّراً عقائديًا ومخدوعاً سياسيًا يعتبر كلام القسيس تجاه هذا الفرد الثائر على الظلم هو مفسدة وقطع رأسه حق لا شك فيه.
لذلك حين ظهرت دعوات التنوير في بادئ الأمر عزلوا رجال الدين القساوسة وأتباعهم وأبعدوهم عن الحاكمين ودعوا إلى الحكم الملكي الدستوري الذي لا يجعل يد الحاكم مطلقة للبطش بالناس كما يشاء، بل محددةً ما له وما عليه، وأن هذا الدستور الذي أقروه بعد المرحلة التنويرية لا يمت إلى تطلعات القسيس والحاكم بصلة بل بتطلعات المجتمع والبلد… فازدهروا.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم