الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

في خطوةٍ نحو التقدّم

المصدر: النهار - عبد الله حمشو
تعيش المجتمعات العربية اليوم زمناً تتفاعل فيه الثقافات تفاعُلَ الوقود مع الأكسجين
تعيش المجتمعات العربية اليوم زمناً تتفاعل فيه الثقافات تفاعُلَ الوقود مع الأكسجين
A+ A-
تعيش المجتمعات العربية اليوم زمناً تتفاعل فيه الثقافات تفاعُلَ الوقود مع الأكسجين، فإذا لم
يحتمِ المجتمع بالعلم والمعرفة اللازمة سيتلقّف القيمَ الوافدة، وبالتالي لن تكون لديه القدرة على القيام
بعملية الانتقاء القيمي؛ أي فرز هذه القيم إلى قيم صالحة تساهم في تطويره وتنميته، وأخرى غيرِ ذات
أهمية تضرّ بنسيجه ويكون لها الأثر الكبير في المَسِّ بالاستقلالية الثقافية للمجتمع. فكيف السبيل إلى
ذلك؟ وماذا تحتاج المجتمعات العربية لأجل هذه الغاية؟
إنَّ نظرةً إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات العربية تمكّنُنا من ملاحظة التراجع
الواضح في المستويات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى التربوية. ومن أسباب هذا التراجع، هو
إيلاؤها اهتماماً مُبالَغاً فيه في الحصول على الترسانات العسكرية المتقدمة، غافلةً عن حقيقة أنَّ الغزوَ
اليوم هو غزوٌ ثقافي أداتُه العولمة، وليس غزواً عسكرياً بالبنادق والقنابل. وأنَّ الحروب، إذا حدثت،
فستكون حروب اقتصاد وثقافة وسياسة.. لا حروب بارود. فالمجتمع إذاً لا يُبنى بالعساكر والدساكر؛ إذْ
ما نفعُ الجندي الجائع والقائد الجاهل!؟
فعلى الدول العربية أنْ تدرك أنَّ الصواريخ بعيدة المدى لن تعوضَنا عن العقول قصيرة الفِكْر،
والقاصرة عن إصابة المعارف وتحليل المعلومات و(نقدها)؛ فكما يقول الحسن بن الهيثم في مقدمة
كتابه: (الشكوك على بطليموس): "الواجبُ على الناظر في كتب العلوم، إذا كان غرضه معرفة
الحقائق، أن يجعل نفسَه خصماً لكلّ ما ينظر فيه". فالإنسان العاقل لا يتبنّى الفكرة بمجرّد ورودها على
لسان عالِمٍ من العلماء، أو وجودها في كتاب أحدٍ من المفكرين والأدباء، بل يُعْمِلُ عقلَه وفِكرَهُ مُحلِّلاً
ومُستقصياً في سبيل الاقتراب من الحقيقة أكثر.
تحتاج مجتمعاتنا شباباً يسأل، وكما أورد الأبشيهيُّ في كتابه (المُستطرَف في كُلِّ فَنٍّ مُستظرَف)
عن لسان إبراهيم الخليل عليه السلام أنه قال: "العلومُ أقفالٌ، والأسئلةُ مفاتيحُها". وخير مثال على
الإنسان المتسائل الذي يسعى للإجابة عن أسئلته بنفسه هو الحسن بن الهيثم الذي سأل مرّةً: "كيف
نرى؟"، ليقوم بعدها بشرح آلية عمل العين، واختراع "القُمْرة". وجاء في كتاب (ألف اختراع
واختراع، الإرث الإسلامي في عالمنا): "استخدم ابن الهيثم مصطلح (البيت المظلم) الذي تُرجم إلى
اللاتينية (Camera Obscura) بمعنى الغرفة المغلقة المُظلِمة. وما زالت الكاميرا مستخدمة حتى
يومنا الحالي، كما هو الحال كلمة (قُمْرَة) في العربية التي تعني الغرفة المُظلمة أو الخاصة".
تحتاج مجتمعاتنا السياسيَّ الحَذِق الذي يسوس مصلحتَها، والاقتصاديّ الذكي الذي يدير
مواردَها، والأديب الصادق الذي ينير بأدبِه دروبَها المظلمة ويشرّحُ قضاياها، والعامل الذي يكدّ من
أجل النهوض بها... أكثر من حاجتِها إلى الجنود والعسكر، وإن كانت الحاجة إليهم كبيرةً أيضاً.
إذاً، لا سبيل إلى الالتحاق في ركب التقدم والتطور، مع المحافظة على الخصوصية الثقافية، إلّا
العلم والمعرفة. وأعْظِمْ بالأمّة التي تنتج المعارف؛ لأنّها تدرك أنّه لا مناص لها سوى بالحرف، ولا
سلاح يحمي كبرياءها ويحفظها من التبعية إلّاه. وإذا كان لا بدّ من الاستيراد، فإنّها تستورد المعرفة.
وإننا الآن في مواجهة تسونامي عولَمِيٍّ، أفنرضى القعود ونكتفي بسفاسِفِ الحضارة؟ أم ننتفض
انتفاضة مثقفين – انتفاضة أمّةٍ خوطِبَتْ، أوّلَ ما خُوطِبَت: "اقرأ"؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم