الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

تموت وتحيا... عندما تصبح الديموقراطية "سلاحاً للدمار الشامل"!

الرئيس الأميركي جو بايدن متحدثاً في القمة الافتراضية للديموقراطية (أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بايدن متحدثاً في القمة الافتراضية للديموقراطية (أ ف ب).
A+ A-
محمد حسين أبو الحسن
 
قبيل نهاية 2021، جمع الرئيس الأميركي جو بايدن، قادة 100 دولة في قمة افتراضية؛ لتأكيد أولوية الديموقراطية في السياسة الخارجية لإدارته، ورغبتها في منازلة الأنظمة الاستبدادية، بزعم لجم شرورها في العالم. فتحت القمة باباً واسعاً للتساؤلات حول أهدافها وتوقيتها ومعايير اختيار الحاضرين واستبعاد الآخرين، كما أثارت بشدة استياء الصين وروسيا اللتين اعتبرتا الديموقراطية الأميركية "بيتاً من زجاج"؛ بعدما جرى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة واقتحام الكونغرس. أما الأنظمة العربية، فكظمت غيظها، بعد استبعاد حكام الشرق الأوسط من القمة باستثناء العراق وإسرائيل.
 
 
العالم الحر؟
منذ تولى بايدن منصبه، رفع شعار "أميركا عادت"، أي استأنفت دورها كقائد للعالم الحر، على حد وصفه، في إشارة إلى الدول الملتزمة بممارسات ليبرالية؛ كالحقوق الفردية والانتخابات النزيهة وسيادة القانون. وتعني ممارسة "القيادة" أن تكون واشنطن نموذجاً يحتذيه الآخرون، باتخاذ خيارات سياسية ذكية وتنفيذها بنجاح، وإقناع الآخرين بالسير على خطاها... المفارقة الكبرى أن أطرافاً كثيرة باتت ترى أن أميركا لم تعد مؤهلة لتأدية هذا الدور القيادي، في ظل التجاذبات الحادة التي تعانيها سياساتها داخلياً وخارجياً.
 
نددت الصين وروسيا اللتان يعتبرهما بايدن من أبرز الدول السلطوية، باستبعادهما عن القمة. كتب السفيران لدى واشنطن، الروسي، أناتولي انطونوف، والصيني، تشين غانج، مقالة معاً، أكدا أنه ليس من حق أميركا أن تحدد الدول الديموقراطية أو غير الديموقراطية، ورفضا فكرة وجود نموذج واحد للديموقراطية، وأشادا بنظاميهما اللذين يرتكزان على التقاليد الروسية والحقائق الصينية، وقالا إن "القمة" تكشف عن عقلية الحرب الباردة. تعهدت الصين بمقاومة كل أنواع "الديموقراطية الزائفة" بحزم، متهمة ديموقراطية واشنطن بأنها "سلاح دمار شامل" ضد الدول الأخرى؛ للتدخل في شؤونها وإشعال ثورات ملوّنة. المتحدّث باسم الخارجية الصينية أوضح أنّ "قمّة الديموقراطية" الأميركية نُظّمت لرسم خطوط تَحامُل إيديولوجيّة، والتحريض على الانقسام والمواجهة. وأشاد بالنموذج الصيني في الحكم بوصفه "ديموقراطية شعبية متكاملة". وتتفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على خلفية المنافسة التجارية والتكنولوجية وحقوق الإنسان وتايوان وأوكرانيا.
 
 
فكرة سيئة
تقول مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الأمن والديموقراطية وحقوق الإنسان، أوزرا زيا، إن الديموقراطيات في العالم تواجه تحديات وتهديدات متزايدة ودرجات متفاوتة من التراجع الديموقراطي، وأكدت "إنها لحظة الحقيقة من أجل الديموقراطية". وما زاد الطين بلّة أن انتقادات الروس والصينيين وغيرهم تجد شواهد في الواقع ... تبدو الديموقراطية الأميركية غير مستقرة، إذ ما زال الانقسام عميقاً بين الديموقراطيين والجمهوريين، منذ زعزع دونالد ترامب ثقة الناخبين الأميركيين في النظام الانتخابي؛ وهزت ادعاءاته بتزوير الأصوات أسس الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة.
 
زاد الطين بلّة أيضاً، قيام أنصاره باقتحام الكونغرس؛ لذلك يرى بروس جنتلسون أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديوك أن "قمة الديموقراطية" فكرة سيئة، تأتي في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة أزمة سياسية غير مسبوقة ... لدينا مشكلات أكبر من أي ديموقراطية غربية أخرى ... تم اقتحام الكونغرس، في محاولة انقلاب. وتابع: لم نرَ مثل هذا في باريس أو البوندستاغ بألمانيا أو مقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل. تحتل الولايات المتحدة المرتبة 26 عالمياً، من حيث إقبال الناخبين على التصويت، بينما يعتقد 25 في المئة من الأميركيين، و53 في المئة من الجمهوريين أنَّ ترامب فاز في انتخابات 2020، ما دفع الخبير الأميركي دانييل زيبلات، مؤلف كتاب "كيف تموت الديموقراطيات" إلى القول إن الديموقراطية الأميركية تعيش فترة عصيبة؛ إذ تعاني ثقافة الحوار انهياراً للاعتراف المتبادل بين أطراف العملية السياسية في البلاد؛ ومن ثم شدد بروس جنتلسون على إصلاح الأوضاع الداخلية، بدلاً من جمع 100 قائد؛ للقول نحن نحب الديموقراطية.
 
أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، ستيفن والت، فأكد أن "قمة بايدن" مجرد مهرجان حواري براق من دون جوهر؛ مبيناً أن التسويق للديموقراطية ونشرها يأتي من خلال إظهار قدرة المجتمعات الديموقراطية على تقديم أداءٍ أفضل من بدائلها الاستبدادية، ولافتاً إلى أن الولايات المتحدة ليست في أفضل موقع لقيادة هذه الجهود؛ إذ خفضت مؤسسة "الخبراء الاقتصاديين" البريطانية تصنيفها لأميركا إلى فئة "الديموقراطية المعيبة" قبل انتخاب ترامب رئيساً، ولم يحدث ما يُغيّر ذلك حتى الآن. وأشار والت إلى أنّ قائمة المشاركين في "قمة الديموقراطية" تبدو تعسُّفيةً وغير متسقة؛ فدعوة قادة، مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو أو الفليبيني رودريغو دوتيرتي تُثير الدهشة؛ كلاهما منتخبٌ ديموقراطياً لكنه يجاهر برفض الأعراف الديموقراطية الأساسية.
 
برغم ذلك يخالف المؤرخ الألماني، هاينريش أوغوست فينكلر، رأي والت، مؤكداً إيمانه بقدرة الوطنية الدستورية الأميركية على تجديد نفسها، مبيناً أن "الديموقراطية الأميركية راسخة ولا يمكن أن تموت". شيء ما يتحرك على نحو مربك، فقد مثلت الديموقراطية وحقوق الإنسان، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، قضية محورية في الاهتمامات الخارجية، من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة، عبر محاولة نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان، اعتمدت في ذلك على القوة العسكرية كما حصل في العراق، أو القوة الناعمة، كطرح مبادرة الشرق الأوسط الكبير.
 
يتوارى الاتفاق بين النخب الأميركية حول أولوية الديموقراطية وآليات نشرها: هناك تيار يؤيد العزلة ويرفض التدخل الأميركي في الخارج، إلا إذا كان لحماية المصالح الأميركية بالمعنى الضيق. ويرى بعض أنصار التيار اليميني المحافظ أن العلاقات الدولية لا تقوم على الأخلاق والقيم، بل على القوة والمصالح، وبالتالي، فإن تبني السياسة الأميركية نشر الديموقراطية عالمياً، قد يفرض قيوداً على سياستها الخارجية ومصالحها القومية. ويربط "المحافظون الجدد" بين الأوضاع الداخلية في المجتمعات الخارجية والحفاظ على الأمن الأميركي؛ ويدعون إلى التدخل في شؤون الدول إذا كانت أوضاعها تهدد الأمن الأميركي.
 
 
الأنظمة الديكتاتورية
يسلط اختلاف رؤى النخب الأميركية الضوء على إشكاليتين في السياسة الخارجية لبلادهم: عدم القدرة على وضع أولويات واضحة والالتزام بها، إلى جانب الميل لتبنّي أهداف ثم الفشل في إنجازها. على سبيل المثال، راهن الحزبان الجمهوري والديموقراطي على استدراج الصين إلى العولمة الاقتصادية؛ للإسراع بتحولها إلى الديموقراطية؛ وجلب مليار ونصف مليار شخص إلى "العالم الحر"؛ سرّع ذلك صعود الصين بوصفها منافساً لأميركا. لم يؤتِ الرهان ثماره، والآن يتنافس الجمهوريون والديموقراطيون للتعبير عن قلقهم من الصعود الصيني، بل إن السعي الأميركي لجذب الدول الديموقراطية وحدها يحد من نفوذ العم سام، في بعض المناطق، ما يمنح التنين الصيني فرصة لاستمالة دول أخرى، مثلما هو الحال في أفريقيا مثلاً.
 
كذلك تسقط السياسة الخارجية الأميركية في تناقض واضح؛ فهي تأخذ بعين الاعتبار مسألة الديموقراطية وحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه تساند الحكام المستبدين في أقاليم عدة، من بينها أنظمة الحكم الديكتاتورية في الشرق الأوسط، ما يلقي بظلال شك حول توجهات واشنطن ونواياها الحقيقية.
 
تحرص القوى الكبرى إلى عدم إثقال جُعبتها بالأهداف؛ للحد من استنزاف الوقت والجهد والموارد، وحتى لا تكون "الديموقراطية" حقاً يراد به باطل، أو غطاء لإثارة المجتمعات وتمزيقها، وفقاً لبكين وموسكو. دعا ستيفن والت الإدارة الأميركية إلى الكف عن تقسيم العالم إلى دول "خيّرة وأخرى شريرة"، أو دول ذات أنظمة سياسية تُشبه الولايات المتحدة، مقابل دول لا تشبهها؛ مع استبدال ذلك بتعزيز التعاون مع كل الدول الممكنة؛ مبيناً أن عقد بايدن قمة تستبعد دولاً مهمة وكبرى يأتي بنتائج عكسية على الأرجح؛ ومحذراً من أن فشل القمة والقمم التالية في تحقيق نتائج حقيقية؛ يكرس الانطباع بأنّ الديموقراطية نفسها لم تعُد صالحة لتحقيق غرضها.
 
الثابت أنه برغم أن مغامرة بايدن أتت بنتائج عكسية على الديموقراطية وآلياتها، فإن بريق الديموقراطية لم ينطفئ؛ لأنها لا تزال أقل أنظمة الحكم سوءاً في تاريخ الإنسانية!
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم