الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

بوتين أعلنها حربًا... ماذا ينتظر أميركا؟

هادي جان بو شعيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قداس عيد الفصح الأرثوذكسي في موسكو (23 نيسان 2022 - أ ف ب).
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قداس عيد الفصح الأرثوذكسي في موسكو (23 نيسان 2022 - أ ف ب).
A+ A-
ممّا لا شك فيه أنّ أفضل الوسائل لإضعاف خصم أو غريم معيّن في الصراعات الدولية يتمثّل بتغذية المشاكل والانقسامات داخل دولة الخصم. وفي حال لم تكن الأرضية مهيأة كفاية للانقسامات وإفساد الوئام المجتمعي، فمن الجيّد امتلاك ما يكفي من القدرة والوسائل لافتعال مشاكل وتكريس الانقسامات.

وهذا لطالما حاولت ولا زالت تحاول روسيا القيام به داخل الولايات المتحدة الأميركية، ولعلّ أفضل مثال على ذلك كانت تلك التقارير التي تحدثت عن تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العام 2016، حيث شهد ذاك العام رئيسًا أميركيًا يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صديقًا له، خصوصًا أن العلاقة التي جمعت ترامب وبوتين كانت تعتبر من أفضل العلاقات بين رئيس أميركي وآخر روسي.

أما اليوم ها هي روسيا تحاول فعل كل شيء في محاولة لتخفيف وطأة الضغوط الدولية عليها إثر غزوها لأوكرانيا. ذلك أنها تمضي في سياسة التركيز على الداخل الأميركي أكثر من أي مكان آخر. وذلك لأنها تعلم أن مفتاح الحلّ لجميع مشاكلها يكمن في واشنطن.

ما يطرح السؤال التالي: ما الذي تحاول روسيا فعله في الداخل الأميركي لإضعاف الولايات المتحدة؟ وهل تملك القدرة على كيفية التأثير في الشعب الأميركي وما هي الوسائل؟

هنا لا بد من العودة إلى التاريخ قليلاً لنعرف أن أحد أكثر الصفقات المربحة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والخاسرة بالنسبة لروسيا كانت من خلال بيع روسيا القيصرية ولاية ألاسكا لأميركا، علمًا أنها الولاية التي لا تربطها حدود برية بالولايات المتحدة الأميركية بينما لا تفصلها عن الأراضي الروسية سوى أربعة كيلومترات من المياه الدولية أي أنها أقرب أرض أميركية من الروس إن أرادت روسيا أن تفعل شيئًا في الداخل الأميركي.

كما يجري الحديث الآن عن حدوث حالة غريبة لم يجد الناس لها تفسيرًا بعد؛ ولكن قبل الولوج في هذه القضية لا بد من إجراء لمحة تاريخية سريعة حول تسمية الروس بيع ولاية ألاسكا لأميركا بـ"الصفقة الحمقاء".

في العام 1732، وصل الروس إلى ألاسكا، وبعد أقل من مئة عام وتحديدًا في العام 1821، أعلن القيصر الكسندر الأول أن ألاسكا جزء من الأراضي الروسية بشكل رسمي؛ إلا أنه لأسباب عدة من بينها أسباب عسكرية وأخرى اقتصادية تتعلق بقناعة الروس آنذاك بأن ألاسكا لا تحتوي أي خيرات أو ثروات، قام القيصر الكسندر الثاني بعرض ألاسكا على السفير الأميركي في موسكو في العام 1867.

وبعد التفاوض اشترى الأميركيون ألاسكا التي تعتبر أكبر ولاية في الولايات المتحدة الأميركية مقابل 7 ملايين و200 ألف دولار أميركي فقط، وهو رقم يعادل قرابة 130 مليون دولار أميركي في الوقت الراهن. ومنذ ذلك التاريخ وتعتبر ألاسكا جزءًا من الولايات المتحدة، فيما لا يزال الروس حتى يومنا هذا يعتقدون أن بيع ألاسكا بذلك الثمن البخس كان "صفقة حمقاء". ذلك أن الولاية تدر مليارات الدولارات من النفط والغاز ناهيك عما تضمه من ثروات طبيعية.

وبالعودة الى الموضوع الأساسي نشرت صحيفة ديلي ميل البريطانية تشكّل سحابة غريبة فوق مرتفعات جبل ليزي في ألاسكا، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل. فيما نشر الأميركيون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا وفيديواتٍ توثّق ما جرى في الحادثة. وهذا ما دفع المسؤولين في الولاية إلى إجراء تحقيق سريع في القضية، خصوصًا بعد انتشار أقاويل حول إمكانية أن يكون الدخان ناتج من سلاح روسي غريب أو جسم غامض، رغم أن الحديث، في البداية جرى عن أن الدخان ناتج عن تحطم طائرة؛ إلا أن شرطة ولاية ألاسكا نفت ورود تقارير تتحدث عن تحطم طائرة في قمة ذلك الجبل.

أما المثير أن فريقًا للإنقاذ قام على متن مروحية بمهمة إجراء مسح للجبل وعادوا بتقرير يفيد بأنهم لم يجدوا أي شيء يثير الشكوك. وهو ما دفع أصحاب نظريات المؤامرة إلى التأكيد على إمكانية أن يكون للموضوع علاقة بعمل روسي سريّ.

أما الموضوع الآخر الذي له علاقة بالروس في الداخل الأميركي هو تقرير مخابراتي أميركي يتحدث عن أن بوتين قد يستخدم دعم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لأوكرانيا كذريعة لسعيه للتدخل في السياسة الأميركية، وخصوصًا في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة على غرار ما سبق له أن فعله في انتخابات عام 2016، وقتما دعموا ترامب ليصبح رئيسًا لأميركا.

كما تربط ترامب علاقات جيدة مع رجال أعمال روس منذ العام 1987، من بينهم رجال أعمال مقربون من بوتين، خصوصًا أن ترامب يولي أهمية قصوى للأمور الاقتصادية والصفقات التجارية أكثر من اهتمامه بالسياسة ودعم الحلفاء في أوروبا. كما اشتهر بنقده لحلف شمال الأطلسي "الناتو" كما بالنسبة للميزانيات الأميركية الضخمة التي تُخصص لدعم الحلف سنويًا.

كما وكان واضحًا منذ البداية أن ترامب يحترم بوتين، وحسب التقارير التي تتحدث عن علاقة ترامب بروسيا فهي تفيد بأن رجالات ترامب تربطهم علاقات قوية بالمسؤولين الروس وأحد هؤلاء الرجال كان رئيس حملته الانتخابية في العام 2016 بول مانافورت، والذي عمل مستشارًا سياسيًا للرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش لمدة عشرة أعوام، وهو الرئيس الأوكراني الذي كان معروفًا بولائه لبوتين حتى أن التقارير تتحدث عن إمكانية أن يفعل الروس مثلما فعلوا من قبل حين اخترقوا من خلال عمليات القرصنة حواسيب اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي، فضلاً عن اختراقهم البريد الالكتروني للعديد من المسؤولين فيها، ليحصلوا على معلومات كانت تُصنّف على أنها "سرية للغاية" وعمدوا إلى تسريبها إلى "ويكيليكس"، والتي قامت بدورها بنشر تلك المعلومات عشية مؤتمر الحزب الديموقراطي في فيلادلفيا وهي معلومات انعكست تأثيرًا كبيرًا على نتائج الانتخابات الرئاسية لصالح ترامب.

وحسب وكالة "اسوشيتد برس"، بالنظر لكراهية بوتين للغرب بسبب إدانات الأخيرة للغزو الروسي على أوكرانيا، يعتقد المسؤولون الأميركيون أن بوتين قد يرى دعم الولايات المتحدة للمقاومة الأوكرانية بمثابة إهانة مباشرة له، الأمر الذي يمنحه حافزًا إضافيًا يدفع باتجاه استهداف الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.

وهذا الكلام قد يكون منطقيًا إلى حدّ كبير وذلك لأسباب عديدة مثل الكاريزما التي يتمتع بها القيصر الروسي فلاديمير بوتين، ناهيك عن حضوره القوي الذي يفرضه في كل مكان يتواجد فيه، قد يدفعانه لتلقّف المواقف الأميركية حيال حربه على أوكرانيا على محمل الجد وترتقي لجريمة الاغتيال السياسي لشخصه "Character Assassination".
 
ولعلّ السؤال الأوسع: هل يمضي بوتين بانتقامه من الولايات المتحدة الأميركية من خلال تدخله بالانتخابات الرئاسية المقبلة أو قد يذهب أبعد من ذلك؟!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم