الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

سوريا "المفيدة"

المصدر: "النهار"
د. خالد محمد باطرفي
الأسد وبن سلمان.
الأسد وبن سلمان.
A+ A-
برز مصلطح "سوريا المفيدة" في 2017 مع تطور الثورة الشعبية ودخول المنظمات الإرهابية ودول الجوار والتحالف الدولي وروسيا على الخط. وكان المقصود منها تقسيم سوريا وتخلي النظام عن معظم أجزائها مقابل الحفاظ على أهمها: العاصمة دمشق والساحل وبعض المدن الرئيسية. وتُعدّ هذه المنطقة "قلب" سوريا استراتيجياً، فضلاً عن كونها الأكثر كثافة ديموغرافية، وحيوية وإنتاجية.

لكنني أستخدم هذا التعبير هنا لتقييم مدى استفادة المحيط العربي والمجتمع الدولي من عودة هذا البلد العربي الكبير والمهم والمفيد الى حاضنته العربية وسلامته الصحية ومكانته الطبيعية. فبقدر ما يتشاءم الكثيرون من مدى وجدوى هذه العودة والفائدة، أرى أنها أصبحت ضرورية وحتمية أكثر من أي وقت مضى.

صمود النظام
وللمشككين في جدّية النظام السوري أو قدرته على التحوّل السياسي والانتقال السلمي أشير الى قدرته المشهودة على البقاء، رغم كل الزلازل والحرائق والدمار. ففي الوقت الذي انهارت فيه هياكل الأنظمة التي هزّتها أعاصير "الربيع العربي"، تماسك نظام الرئيس بشار الأسد وواصل صموده رغم تحوّل أرضه الى ساحة صراع دولي، تتعرّض بشكل شبه يومي لضربات جوّية إسرائيلية، وتعدّيات عسكرية تركية، وصراعات إيرانية وجهادية وعصابية وكردية وأميركية وروسية. ولعل هذا يعود الى صمود وولاء المؤسسة العسكرية والأمنية والحزبية.

ولولا أنها سوريا، لسهل على بعضنا التخلي عنها لأقدارها، ولولا أنه الشعب السوري، لهان على بعض آخر حالة التيه والشتات التي يعيشها. إلا أنها بلد عظيم في قلب الشرق الأوسط، وشعب كريم يستحق أن يعيد له العالم أرضه ودياره وحقوقه. وأي رؤية مستقبلية لشرق أوسط جديد، آمن ومنتج ورشيد، لا بد من أن تشملها. وأي خريطة طريق لتصفير المشاكل وتصحيح المسارات وتوثيق العرى، لا مفرّ لها من المرور عبرها.

أزمة اللاجئين
ثم إن الأمم الحاضنة للاجئ السوري لم تعد تقوى على تحمّل التبعات والتكاليف. فلا تركيا تقبل بسنوات أخرى، بعد أكثر من عقد على استقبالها لملايين اللاجئين، بدعم سخيّ من الاتحاد الأوروبي يقدر بستة مليارات يورو. ولا لبنان يرضى باستقرار وتسلح وتسييس أكثر من مليون لاجئ، رغم المساعدات الخليجية والأممية. ولا الأردن، بلد النشامى، قادر على استيعاب المزيد من الاشقاء النازحين، مع كل الدعم المقدم من السعودية ومفوضية اللاجئين الدولية. ولا أوروبا التي تهرع اليها قوارب الهاربين من جحيم الصراع والفاقة تقبل بتحمّل مسؤولية توطينهم أو غرقهم. أما الأمم المتحدة والغرب فلم يعودا مستعدين لنزف المزيد من مواردهما، مع تعدد الأزمات في أوكرانيا والنيجر والسودان واليمن، وبقية دول جنوب العالم.

تنطفئ النيران عندما يحترق كل شيء. وفي غياب السيل والمطر، وتمرد الريح ووفرة الزيت، لم يعد هناك أمل في نهاية أفضل. وبناءً على ذلك، فقد جاء دور فرق الإطفاء بقيادة السعودية. فالسياسة توقيت، والتوقيت سياسة. وربما لو تقدم هذا الدور عاماً لزاد المعارضون تزمّتاً، وتمسّك المتفائلون بحل مثالي. ولما استطعنا أن نقول لهم: جربنا كل ما عندكم، فجربوا ما عندنا! عجزتم عن تحقيق أهدافكم، وليس في الأمل بقية، فأسمحوا لنا بأن نحاول نحن.

"سدّدوا وقاربوا"
نعم، قد لا ينتهي الأمر بأن يحصل كل على مطلبه، وهذه حال الدنيا، ولكن قد يحصل الجميع على مكسب أفضل ونتيجة أضمن وحال أكرم مما هو عليه، على مبدأ "سدّدوا وقاربوا". ومن لديه حل أفضل فليطرحه على طاولة الجامعة العربية، أما تكرار الوصفات الفاشلة ومواصلة الحرب المدمّرة وطرق نفس الأبواب، فهي التي أوصلتنا الى ما نحن عليه: نصف الشعب مُهجَّر، والنصف الثاني تحت خط الفقر. نصف مليون قتيل وملايين الجرحى. مدن ومراكز حيوية ومناطق زراعية وصناعية وسياحية وتراثية هُدّمت وخرجت من الخدمة.

أما المعارضة، فما زالت تحارب بالتصريحات من فنادق العواصم التي تواليها، أو بالمشاركة مع الجماعات الجهادية. تتقاتل في ما بينها، أكثر مما تقاتل النظام. وتتحالف مع الشرق والغرب أكثر مما يتحالف بعضها مع بعض. أما معارضة الداخل فمسرح عرائس حكومي.

خطوة بخطوة
السلام والأمن والتنمية هي الخطوط العريضة للمبادرة الخماسية التي تقودها السعودية ومصر والعراق والأردن ولبنان، تحت مظلة الجامعة العربية، والهدف هو استعادة المنظومة العربية التي تشكل الكتلة الأقوى والأنشط في المنطقة، بعضوية سوريا. وبناءً على ذلك، فقد وضعت خطة قبل بها النظام، على سياسة خطوة بخطوة. وتبدأ باستعادة اللاجئين في مناطق آمنة، مهيّأة بالبنية الأساسية للعيش الكريم والعمل.

وعلى هذا فقد تم التوافق في اجتماع لجنة الاتصال العربية حول سوريا، منتصف أغسطس/آب الحالي، على منهجية عمل مع دمشق وتأسيس منصّة تسجيل لعودة اللاجئين، وآلية للتنسيق مع الدول الحاضنة بشأن إجراءات العودة، مع التزام النظام بعدم تجنيد العائدين أو اعتقالهم. وفي المقابل تسهم الدول الخليجية في إعادة بناء المناطق المدمرة وتأهيلها وتوفير الخدمات الأساسية لها، والاستثمار في المشاريع التي توفر الوظائف والأنشطة الحيوية. وسيجري العمل في الاجتماع المقبل للجان الفنية في العاصمة الأردنية، عمان، على تفاصيل الخطة.

مسار السلام وتحديات الواقع
كذلك تم الاتفاق على البدء، بالتوازي، لعمل سوري، عربي، أممي مشترك، إحياءً لمسار السلام، والإعداد والتحضير لمرحلة انتقالية تشمل جميع المكوّنات السورية، في الداخل والخارج، واستعادة وحدة الوطن، بمحاربة بؤر الإرهاب، وإخراج القوات الأجنبية، وتأمين المناطق المسترجعة، وتصحيح مسار الإقتصاد، وتحقيق التنمية الشاملة.

وهذا يعني دخول مساعدات واستثمارات بعشرات مليارات الدولارات، من صناديق الإغاثة، والاستثمار، والتنمية. ومثلها من القطاع الخاص. وخلال هذه المرحلة تبدأ تدريجاً عملية تطبيع العلاقات مع الدول العربية ودعم العودة السورية للساحة الدولية.

الطريق الطويل
النجاحات ما زالت محدودة، لكنها ملموسة. فقد فتحت منافذ برّية كانت مغلقة لمرور المساعدات الإنسانية، وتم التعاون على تفكيك وتحييد عدد من شبكات تصنيع وتهريب المخدرات، وحصلت الدول العربية على قبول المجتمع الدولي للخطة (مع تحفظ غربي).

والإخفاقات أيضاً ملحوظة، فتركيا تواصل مخططها للاستيلاء على الشمال السوري وترحيل اللاجئين إليه، في ما يبدو مخططاً مرحلياً لضمه. والجماعات الإرهابية ما زالت تحظى بدعم دولي، من نفس الدول التي تدّعي محاربتها. والميليشيات الإيرانية لا تزال تواصل حضورها المدمّر، والمستدعي للضربات الإسرائيلية والوجود العسكري الغربي والشرقي والإقليمي، وروسيا وإيران لا تزالان تواصلان الهيمنة على القرار السيادي.

طريق الألف ميل يبدأ بخطوة... وما زلنا في الخطى الأولى... لكننا، على الأقل، بدأنا المسير في الاتجاه الصحيح.

@KBATARFI
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم