الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"مكرم هل أنت مستيقظ؟ لقمان اختفى!"

المصدر: "النهار"
لقمان سليم ومكرم رباح.
لقمان سليم ومكرم رباح.
A+ A-
مكرم رباح
 
بهذه الرسالة القصيرة من العزيزة مونيكا استفقت في الرابع من شباط على خبر اختطاف لقمان سليم، صديقي الشجاع ورفيق دربي في رحلة الحفاظ على الذاكرة اللبنانية وفي معركة التصدي للفاشية والعنصرية وفي نضالنا المشترك لبناء وطن ديموقراطي وعلماني يليق بنا. الصدمة التي انتابتني سرعان ما تحولت إلى غضب عارم لدى رؤيتي صديقي لقمان يسبح بدمائه بعد أن قام النذلاء والجبناء بقتله خوفاً من عقله ولسانه السليط في نصرة الحق والعدالة.
 
منذ اللحظة الأولى التي التقيت فيها لقمان ومونيكا في " الهنغار" في حارة حريك في شباط (فبراير) 2006 إلى اللحظة التي فارقنا بها لقمان جسدياً، جمعتنا سنوات من الأحاديث والنقاشات والمشاريع الفكرية والتاريخية الممزوجة بالطعام والخمر، والمهووسة بالحفاظ على ذاكرة الحروب الأهلية العديدة وتوثيق الجرائم والمجازر التي ارتكبتها الطبقة الحاكمة وحلفائها من الدول بحق البشر والأمم على أرض لبنان.
 
كتابي هذا، والذي أعادت كتابته بلُغتنا الأم الدكتورة العزيزة رلى ذبيان وحرره لقمان، هو نتاج سنوات من الأبحاث والمقابلات الشفوية التي أجريتها مع شخصيات اطلعت على أحداث صراع ما عُرف بحرب الجبل سنة 1983، وهو باكورة تعاون بدأ بيني وبين جمعية "أمم" للتوثيق والأبحاث ليتطور إلى صداقة عميقة سمحت لي أن أصبح فرداً من عشيرة لقمان الفكرية ومكنتني من أن استعين بشكل متناهي بموسوعته وأسخرها في سلسلة من النشاطات الفكرية المتعلقة بتاريخ لبنان والمشاريع السياسية الإصلاحية.
 
عندما تعرضت خيمة الملتقى "The Hub" -التي كنت أحد القيّمين عليها- وسط العاصمة بيروت لهجوم خلال ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) من جنجاويد محور الممانعة، التفتُّ لأجد إلى جانبي لقمان وحفنة من الشجعان والشجاعات وقفوا بكل حزم للدفاع عن حقنا في التعبير عن الرأي وسط ثقافة التخوين والاتهام بالعمالة.
 
في آخر لقاء لي مع لقمان في مكتبه في "أمم" قبل نحو أسبوع من اغتياله، طلب مني مبتسماً أن ننسى كتابي والتطبيق الذي كنا نعدّه مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كون تلك المشاريع أصبحت منجزة ليردف قائلاً "عندنا العديد من الأفكار و"المؤامرات" المشتركة الأخرى التي يجب أن نركز عليها".
 
لقمان سليم ليس مجرد مثقف وكاتب ومترجم وناشر وناشط من الطراز الأول، بل هو صورة عن لبنان والمشرق اللذين نصبو إليهما، عن وطن لا يخاف من العقل والتعددية والحرية ولا يقدس الأصنام والمجرمين بحق البشرية وبحق الأبرياء في لبنان. كتابي تُرجم بلغة عربية سليمة كما كان لقمان يحب، لغة تميز بها هو وصديقه الوهمي سعيد الجن، لغة زينت مقالاته ورسائله الإلكترونية العديدة التي أرسلها لي عبر السنوات.
 
عزيزتي مونيكا، لقمان لم يختفِ بل غُيّب جسده وسيبقى في كل حرف وصفحة ننشرها عبر "أمم" والعديد من المنابر الحرة الأخرى. ولعل الغصة الكبرى تكمن في عدم وجوده معنا في احتفالية هذا الكتاب ورؤيته وهو يرفع رأسه وكأس نبيذه فخراً بمعركة أخرى من معاركنا في حربنا على النسيان.
 
المجرم وسيّده اللذان اغتالا لقمان اعتقدا بسذاجة أنهما يستطيعان أن يمحيا شعار "صفر خوف" الذي أطلقه لقمان في وجه البرابرة الذين هاجموا جدران منزله في حارة حريك، كما اعتقدا أن جريمتهما ستذهب من دون عقاب كما هو حال العشرات من الاغتيالات السياسية عبر السنين.
 
العدالة للقمان ستأتي عاجلاً أم آجلاً، وسيبقى لقمان الصوت الصارخ في الدفاع عن هيكل الحرية والعقل في غابة يحكمها الطغاة والفاجرين.
العدالة ولو سقطت السماوات....
 
رفيقي لقمان.... اشتقتلك
 
*من مقدمة النسخة العربية من كتابي النزاع على جبل لبنان: الدروز والموارنة والذاكرة الجماعية، الصادر عن دار الجديد
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم