الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

عقدة النجاة

المصدر: النهار
مرفأ بيروت. (نبيل سماعيل)
مرفأ بيروت. (نبيل سماعيل)
A+ A-
د. أصالة لمع 
 
 
عقدة الناجي أو Survivor’s guilt هي حالة نفسية تتمثل بأن يشعر الشخص بالذنب لمجرد أنه يعيش ظروفاً أفضل من غيره.
 
‏هذا الإحساس يصيب خصوصاً الناجين من الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الأوبئة.
ويبدو أنه يصيب أيضاً أولئك الذين هاجروا من بلاد التناحر الى بلاد أكثر أماناً وأكثر احتراماً للإنسان، حتّى يبدو لنا من المعقول تغيير اسم هذه الحالة إلى شيء يشبه "متلازمة الشرق الأوسط النفسية".
 
هذا الشعور بالذنب قد يتفاقم إلى حدّ منع الإنسان من المضيّ قدماً، ويجعله رهن اسقاطات ومقارنات دائمة لا تزيده إلا وجعاً.
 
يكفي أن يقف اللبناني المهاجر اليوم على محطة بنزين ليغرق في إسقاطات تذهب بمزاجه إلى الجحيم! كل شيء قابل للإسقاط، كل تفصيل يصلح للمقارنة... في الشارع وفي السوبرماركت وفي العمل!
كل يوم تزداد الهوّة مع الوطن، توغل الفجوة في داخلنا عمقاً، نفكّر كيف أننا صرنا بلا ركن نعود إليه...
لنا هذه الغربة فقط، هذا المنفى!
 
هذه الغربة التي نُحسَد عليها، لأسباب نستطيع فهمها، نُحسَد لأننا في أوطان تلقفتنا، ولسنا عالقين فيها في الخانة الأولى لهرم الحاجات الإنسانية المتمثلة بالغذاء والدواء وما إليه.
إنما هل فكّرنا يوماً كيف أن هذه الأوطان التقريبية حوّلت الهجرة المنافية للطبيعة أصلاً إلى شيء طبيعي وحلم مرجوّ؟
 
الطامح بالهجرة اليوم، يطمح بالحصول على هذه الحقوق الأساسية فقط! هو لا يلاحق أحلاماً كبيرة، هو لا يجري خلف شغفه أو حبّه للمغامرة أو عطشه للحياة! هو يلحق بلقمة العيش لا أكثر، وببعض الكرامة!
هذا البلد صار طيناً عالقاً بكل خليّة من خلايا ساكنيه - ذلّاً وقهراً وفساداً عاث وأتى على كل شيء- حتى صار المهاجر هارباً من هذا الطين لا أكثر!
نعم، إلى هذا الحدّ تسخر الأقدار من الناس الذين ولدوا هناك.
يصير المنفى أمراً طبيعياً. ويصبح ترفاً لا نملك أن نسأل إن كان من الطبيعي أن يعيش الإنسان بلا وطن، بعيداً عن كل ما ومن يعرف ويحبّ، محكوماً بأن يكون غريباً حتى آخر يوم في حياته! غريباً بلكنته وملامح وجهه وحزن عينيه وانطباعاته وآرائه وأفكاره وذكرياته...
 
هل يمكن للمغترب اليوم أن يكون معافى نفسياً، في وقت يرى فيه وطنه يتصدّع ويراقبه في ارتطامه العظيم، كمن يراقب منزله الآيل للسقوط من مسافة أمان كاذبة، كاذبة جداً!
 
وكيف لا تعقّد عقدة الناجي حياة كلّ منا فيما تتناهشنا كل هذه الأفكار؟
أي لعنة جعلتنا نولد في تلك البلاد يا الله؟ وهل نعرف أننا جميعاً، جميعاً، داخل هذا البلد وخارجه، سنستمرّ بدفع ثمن ولادتنا هنا، في المكان الخطأ، حتى رمقنا الأخير.
يحلو لي أن أسميهما السّفاحين: التاريخ والجغرافيا!
نحن ضحايا،
جميعنا ضحايا،
ضحايا تاريخ ضحل، وجغرافيا متواطئة.
ضحايا ورثة لعينة.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم