الجمعة - 10 أيار 2024

إعلان

لماذا بدأت الحرب الروسية الأوكرانية؟

المصدر: "النهار"
رجل يلتقط صورة لصديقته وهي تمشي أمام علم أوكراني كبير في براغ (أ ف ب).
رجل يلتقط صورة لصديقته وهي تمشي أمام علم أوكراني كبير في براغ (أ ف ب).
A+ A-
إيهور أوستاش- سفير أوكرانيا في بيروت

يعتقد العديد من الخبراء وأهل السياسة والمحللين من الدول العربية، بما في ذلك لبنان، وحتى البعض من أصدقائي أنّ الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا هي حرب بين روسيا والولايات المتحدة، أو بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. غالبًا ما يكررون الرواية الروسية، التي تقول إنّ روسيا أصبحت محاصرة وأنها مجبرة على الدفاع عن نفسها. أو أنهم يعتقدون أنّ أوكرانيا يجب أن تكون جزءًا من روسيا. لذلك وجدت أنّه من الضروري أن أوضح الأسباب الرئيسية لهذه الحرب.
 
1. أسطورة هجوم أميركا والناتو على روسيا
الحقيقة أنّ روسيا تتعاون منذ فترة طويلة مع الناتو في إطار "الشراكة من أجل السلام" وهي حصلت على تمويل مهم لمشاريع من دول الناتو. دائما كانت تعقد قمم مجلس روسيا والناتو، الذي تأسس في عام 2002. بالإضافة إلى ذلك، كانت التدريبات بين روسيا والناتو تجري بشكل دائم. فعلى مدار الثلاثين عامًا الماضية، لم تكن هناك أي إشارات لوجود صراعات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. حتى إنه ذات مرة، ناقش بوتين وبيل كلينتون احتمال انضمام روسيا إلى الناتو. وعندما سئل بوتين في مقابلة مع بي بي سي" عام 2000، عما اذا كان يمكن لروسيا أن تنضم الى "الناتو"، أجاب "لم لا؟ لم لا؟".

علاوة على ذلك، أنتم تدركون أنّ الناتو في حال قرر الهجوم على أي دولة، يتطلب ذلك مصادقة جميع دوله، التي تعتبر دولاً ديمقراطية. في ردهم على طلب روسيا عدم ضم أوكرانيا إلى الناتو أبلغ القادة الثلاثة، بايدن وماكرون وشولز، بوتين مرارًا وتكرارًا، قائلين إنّ انضمام أوكرانيا إلى الناتو ليس محل بحث حالياً، حتى إنه من الناحية الافتراضية لا يمكن ضم أوكرانيا إلى الناتو قبل 10 سنوات على الأقل. وشددوا في الوقت نفسه على أن لكل دولة الحق السيادي الحصري في اختيار تحالفاتها العسكرية والاقتصادية.
أمر آخر، من المعلوم أنه عندما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، كانت أوكرانيا تتخذ وضع عدم الانحياز، لكن ذلك لم يوقف بوتين.
 
كل هذا الحديث عن أوكرانيا والناتو كان هدفه ذر الرماد في العيون من أجل التستر على غزوها الشامل لأوكرانيا. في الواقع، هذه الحرب بدأت قبل 8 سنوات، في شبه جزيرة القرم ودونباس، لكنها كانت محلية، رغم أنه منذ بداية هذه الحرب في العام 2014، فقد الأوكرانيون 18000 قتيل. كل يوم، ولمدة 8 سنوات، كان يسقط 2-3 من الجنود الأوكرانيين ضحايا. كان الروس يطلقون النار باستمرار على المدن والبلدات والقرى الواقعة على طول خط الترسيم، حتى إن قصفهم طاول المدارس ورياض الأطفال، بينما كانوا دائمًا، بلا ضمير، يكذبون على المواطنين الروس ويضللونهم قائلين لهم إن كل تلك الأفعال كان يقوم بها الجنود الأوكرانيون.
 
2- والآن نعود قليلًا الى التاري.
يعود تاريخ الدولة الأوكرانية الى دولة "روس الكييفية" نسبة إلى منطقة كييف التي تشكلت في القرن التاسع في المناطق المحيطة  بكييف، تمامًا مثل ما يعود تاريخ اللغة الأوكرانية لتلك الحقبة. مدينة كييف نفسها تأسست منذ أكثر من 1500 عام.  أما موسكو فتأسست بعد ذلك بوقت طويل، في العام 1147، وهي  ظلت حتى عام 1480 جزءًا من دولة المغول. من 1547 إلى 1721 كانت تلك الدولة تسمى بإمبراطورية موسكو. في الوقت نفسه، ظهر اسم دولة روسيا فقط في العام 1721 بعد صدور مرسوم بطرس الأول. كتب المؤرخ الأوكراني المعروف ميخايلو هروشيفسكي عن إنشاء الإمبراطورية الروسية قائلاً: "نحن الشعب الذي سُرق منه تسمية "روس".  
 
على أراضي أوكرانيا الحديثة، بعد روس الكييفية ودوقية ليتوانيا الكبرى، التي تأسست عام 1236، في منتصف القرن السابع عشر، تم تشكيل دولة نسميها دولة القوزاق الأوكرانية أو دولة الهيتمانات. منذ ذلك الحين، حاربت هذه الدولة الأوكرانية ضد موسكو من أجل استقلالها. على سبيل المثال، هناك عمليات عسكرية تجري اليوم في مدينة كونوتوب، ولكن بالعودة الى التاريخ نجد أن هناك مثالاً واضحاً على معركة كونوتوب في عام 1659 عندما هزم الهيتمان (القائد) إيفان فيهوفسكي مع قوات خانية القرم جيش موسكو. تلك كانت إحدى المحطات الرئيسية في الحرب الموسكوفية الأوكرانية بين عامي 1658 و1659. هنا أشدد على كلمة الحرب الموسكوفية الأوكرانية وليس  الروسية الأوكرانية.  

كانت اللحظة المأسوية لدولة القوزاق الأوكرانية هي هزيمة هيتمان إيفان مازيبا بالتحالف مع الملك السويدي تشارلز الثاني عشر في عام 1709 بالقرب من بولتافا. فبعد تلك الهزيمة أصبحت أوكرانيا تحت سيطرة موسكو. تلك الحقبة في التاريخ الأوكراني تسمى حقبة  "الخراب". لكن الأوكرانيين استعادوا دولتهم خلال الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1918 تم تشكيل جمهورية أوكرانيا الشعبية. ولكنها استمرت حتى العام 1921 فقط. مجدداً سيطرت روسيا على أوكرانيا ولكن هذه المرة من خلال الشيوعيين. ومنذ عام 1922 أصبحت أوكرانيا جزءًا من الاتحاد السوفياتي. بعد ذلك تم إحياء الدولة من جديد في العام 1991. كذلك يوجد بيننا وبين روسيا حرب تاريخية. تحاول روسيا دائماً التعمية على تاريخ أوكرانيا وكييف ونسبه إلى نفسها، فمن دون ذلك سيبدو تاريخ روسيا أكثر شحوبًا. فالمؤرخ "البارز" بوتين يدّعي أن أوكرانيا تشكلت على يد فلاديمير لينين ....! بل إنه يدّعي حتى عدم وجود لغة أوكرانية، ولا شعب أوكراني، وأننا شعب واحد، وأنّ دولة أوكرانيا لم تكن موجودة في الأصل.
 
ومن المؤشرات والدلائل الواضحة على أن هذه الحرب هي حرب روسية أوكرانية حقيقة أنه قبل الهجوم على أوكرانيا، توجه بوتين إلى الروس بخطاب لأكثر من ساعة! محاولاً شرح أسباب هجومه على أوكرانيا.
  
3- معركة أوكرانيا الأولى ضد بوتين
لماذا يظهر بوتين كراهية لأوكرانيا؟ تبدأ القصة في العام 2004. عندما دعم بوتين الرئيس الموالي لروسيا يانوكوفيتش، الذي حاول أن يصبح رئيسًا لأوكرانيا عن طريق تزوير الأصوات. وهنأ بوتين يانوكوفيتش على انتخابه رئيسًا لأوكرانيا ثلاث مرات. لكن الشعب الأوكراني قرر خلاف ذلك، فخرج الملايين من المحتجين ضد بوتين وروسيا، وضد تزوير الانتخابات. دخلت هذه الثورة في التاريخ باسم الثورة البرتقالية، وعلى الرغم من محاولة قتله بالسم أصبح فيكتور يوشينكو رئيسًا لأوكرانيا.
 
4- المعركة الثانية ضد بوتي.
في العام 2014، كان من المقرر أن توقع أوكرانيا اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في فيلنيوس. وحتى الرئيس الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش وافق على ذلك. ومع ذلك، قرر بوتين شراء أوكرانيا. عرض قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار على يانوكوفيتش في مقابل رفضه توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي في فيلنيوس. تخيل أن بوتين اعتقد أن الحرية الأوكرانية تساوي 3 مليارات دولار. ومع ذلك، فكر الشعب الأوكراني بشكل مختلف، وخرج ثائراً إلى نفس الميدان للمرة الثانية. في البداية كان الطلاب فقط هم الذين خرجوا الى الميدان، تم تفريقهم بلا رحمة بطريقة دموية فظيعة من قبل القوات الخاصة الأوكرانية، تماماً مثلما حصل بالأمس في موسكو وسانت بطرسبرغ. بعد ذلك، خرج ملايين الأوكرانيين إلى الميدان. وقد عرفت هذه الثورة الثانية في التاريخ باسم ثورة الكرامة أو الميدان الأوروبي. كانت هذه ثاني أكبر هزيمة لبوتين. لسوء الحظ، انتهى الأمر بشكل مأساوي بالنسبة للأوكرانيين، حيث قُتل أكثر من 100 متظاهر في الميدان، نطلق عليهم الآن تسمية الشهداء المائة السماويين. ثم فرّ الرئيس يانوكوفيتش إلى روستوف تلاه احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم، وفي وقت لاحق ظهرت القوات الروسية في دونباس. في ذلك الوقت، لم تستطع أوكرانيا المقاومة، لأنه خلال حكم يانوكوفيتش، كانت أوكرانيا تحت سيطرة روسيا بالكامل. بالمناسبة، اعتقد بوتين أنه سيدخل أوكرانيا هذه المرة، كما دخل سابقاً إلى شبه جزيرة القرم. لكن هنا عليكم أن تدركوا أنه منذ الحرب التي بدأت بالفعل في عام 2014، أصبح الجيش الأوكراني أحد أقوى الجيوش في أوروبا. اعتقد بوتين أنه سيستولي على كييف في غضون 2-3 أيام، لكن بعد مرور 11 يومًا لم يتمكن أكبر جيش في العالم من التقدم حتى مسافة كيلومتر واحد.
    
5- أكذوبة أخرى لا بد أيضاً من دحضها في لبنان وهي ما يعرف بأسطورة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
أتوقع أنني لا احتاج الى إقناع قارئنا في لبنان بأن كييف هي مهد الأرثوذكسية الشرقية، المكان الذي كان يحكمه الأمير فلاديمير، أول من اعتنق المسيحية في العام 988 واعتنق  شعب دولة روس الكييفية المسيحية على يده. هنا أطلب منكم عدم الخلط بين اسم روس الكييفية وروسيا. فتسمية "روس" هي الاسم الأول للدولة الأوكرانية. أما روسيا والروس فيرتبطان بدولة بطرس الأول منذ القرن الثامن عشر. لطالما كانت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، منذ نشأتها، جزءًا من البطريركية المسكونية في القسطنطينية. كانت كنيسة العشور وكاتدرائية القديسة صوفيا في كييف ودير بيتشيرسك لافرا من أوائل الكنائس الأرثوذكسية في أوكرانيا. في حين أسس يونان موسكوفسكي الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عام 1448، عندما انفصلت عن مطرانية كييف. لكن روسيا تريد أيضًا أن تستحوذ على التاريخ الأرثوذكسي لأوكرانيا وتنسبه لنفسها وكذا الحال بالنسبة لكاتدرائيات كييف. تمكنت بطريركية موسكو من تحقيق ذلك جزئيًا في العام 1686، عندما كان ذلك بسبب الضغط الذي مارسه البطريرك المسكوني ديونيسيوس الرابع، الذي منح الحق لبطريركية موسكو في رسامة متروبوليت كييف. وحتى في ذلك الحين، كان على متروبوليت كييف أن يذكر أولاً البطريرك المسكوني للقسطنطينية في صلاته. في محاولة منه لنسب تاريخنا الأرثوذكسي اليه، بنى نظام بوتين نصبًا تذكاريًا ضخمًا لأمير كييف فلاديمير، على الرغم من أنه لا يوجد أي علاقة للأمير فلاديمير بموسكو. كما ذكرت سابقًا، فموسكو لم يتم تأسيسها إلا بعد أكثر من 150 عامًا من اعتناق دولة روس الكييفية المسيحية على يد الأمير فلاديمير في العام 988.
 
في كانون الثاني 2020، نالت كنيسة أوكرانيا  ميثاق "توموس" من البطريرك المسكوني الذي منحها بموجبه الاستقلال الذاتي، وعليه فقد استعادت أوكرانيا وضعها الكنسي، وعادت إلى حضن بطريركية القسطنطينية. وهذا يعني أن دولة أوكرانيا المستقلة حصلت بحق على وضع الكنيسة المستقلة، واليوم جميع الأرثوذكس الأوكرانيين تقريبًا يدعمون الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الجديدة. وكان هذا أيضًا أحد أسباب حرب بوتين على أوكرانيا، ولهذا قَتَل بوتين "الأرثوذكسي" في السنوات الأخيرة ما يقرب من 20 ألفًا من الأرثوذكس الأوكرانيين. أنتم هنا تدركون لماذا وضعت كلمة "أرثوذكسي" بين قوسين، لأن هذا الرجل لا علاقة له بالأرثوذكسية وتعاليمها، بل إنه مجرد هوس بعظمة إمبراطورية ذات وجه شيطاني.
 
أوكرانيا هي أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة في أوروبا، ولكنها تتمتع أيضًا بديمقراطية حقيقية. وهذا يثير حنق بوتين لأنه حكم روسيا بمفرده منذ العام 2000، وهذا الحكم الاستبدادي في روسيا يثير العديد من التساؤلات بين الروس على خلفية أوكرانيا الديمقراطية. لذلك، أود أن أستنتج أنّ ما يجري في الواقع هو حرب تحرير وطنية كبيرة ضد روسيا الإمبريالية. وجميع الروايات الروسية، مثل تمركز الأميركي أو الناتو بالقرب من حدود روسيا، هي مجرد محاولة لصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للعدوان الوحشي والقاسي ضد الشعب الأوكراني. بحربه هذه يكون بوتين قد فتح جبهة ثانية، وهي جبهة ضد الشعب الروسي، الذي لا يدعم هذه الحرب، لكنه يخشى التحدث بشكل علني بسبب السيطرة الكاملة لجهاز الأمن والمخابرات الروسية. لقد تحدثت بالفعل عن قرب نهاية حقبة بوتين. فلقد أدارت معظم دول العالم ظهرها له بالفعل (اثناء القاء وزير خارجية بوتين لافروف كلمته في جنيف خلال اجتماع الأمم المتحدة، غادر معظم الدبلوماسيين القاعة). 141 دولة صوتت ضد روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. في حين نال بوتين أصوات أربعة أنظمة فقط (أنطمة بيلاروسيا وسوريا وإريتريا وكوريا الشمالية). وفرضت معظم دول الاتحاد الأوروبي عقوبات شخصية على بوتين وأنصاره. لا يريدون رؤيته في كل البلدان المتحضرة. تدفع أوكرانيا ثمناً باهظاً للغاية، من خلال دفاعها عن أوروبا وعن القيم الأوروبية. لكن أوكرانيا ستنتصر، لأن العالم المتحضر كله يقف معنا، ونملك تاريخنا العظيم، والحق معنا، ولأننا نناضل من أجل حريتنا.
 
لقد أطلق الطاغية بوتين أكثر من 500 صاروخ باليستي على أوكرانيا وقصف باستمرار المدن والبلدات والقرى، دمر 202 مدرستين و 34 مستشفى وأكثر من 1500 منزل، ما أسفر عن مقتل أكثر من 2000 مدني، من بينهم أكثر من 40 طفلاً. 
 
ولن يستطيع بوتين أن يغسل عار إسالته لدماء الضحايا الأبرياء أبدًا، لكن أوكرانيا ما زالت على قيد الحياة وهي ثابتة، فخلال 12 يومًا من الحرب في أوكرانيا، تأسست ما يقرب من 4000 أسرة جديدة، وولد 4311 طفلًا، الكثير منهم ولدوا في مترو الأنفاق والملاجئ.
اليوم ليس عبثاً يطلقون في العالم على أوكرانيا تسمية بلد الأبطال. فالسبب واضح، سوف ننتصر!
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم