الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

بين الدولة المدنيّة والفدراليّة واللامركزيّة... ما هو الحلّ؟

المصدر: "النهار"
يبقى توحيد الجهود لبناء معارضة واحدة هو الهدف الذي يجب أن يتحقق في أسرع وقت ممكن (تعبيرية - أ ف ب).
يبقى توحيد الجهود لبناء معارضة واحدة هو الهدف الذي يجب أن يتحقق في أسرع وقت ممكن (تعبيرية - أ ف ب).
A+ A-

فريديريك خير

 

فرضت ثورة ١٧ تشرين الأوّل ٢٠١٩ البحث في تغيير النظام السياسي في لبنان من كل جوانبه. فإذا كانت المجموعات الإصلاحية والثورية قد شددت على إلزامية التوجه نحو الدولة المدنيّة المتحرّرة من الطائفية، فقد برزت أيضاً أصوات تطالب باعتماد الفيديرالية كنظام سياسي يحفظ خصوصيات "المكوّنات الحضارية" التي يتألّف منها المجتمع اللبناني.

ولكن الجميع يعتبر أن التغيير المرجو يحمي لبنان من الأزمات والحروب التي تستهدف أمنه واقتصاده كل ١٥ سنة، والتي دمّرت كل مقومات الحياة منذ سنة ٢٠١٩ حتى أيامنا هذه. فشبه إجماع المجموعات على ضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات التي تبسط سيادتها على الأراضي اللبنانية كافة بعيدًا من منطق الدويلات والميليشيات المتمثل خصوصاً بحزب الله، الذي يُدخل اللبنانيين بصراع المحاور والذي يُمسك بقرار الحرب والسلم، يشكّل خطوة مهمة في توحيد الرؤية للحالة التغييرية. والقناعة الراسخة بتحالف طبقة سياسية فاسدة ووضع نفسها تحت حماية هذه الحالة الشاذة هي أيضاً محوريّة لتشخيص الأسباب المباشرة للأزمة التي يمرّ بها لبنان والتي يجب معالجتها قبل أي بحث في تطوير النظام.

يبقى توحيد جهود الإصلاحيّين، على الرغم من الاختلافات في وجهات النظر، هو الهدف الذي يجب أن يتحقق في أسرع وقت ممكن. من دون ذلك لا أمل بالتغيير ولا بالإصلاح الاقتصادي الحقيقي الذي من دونه تسقط كل الطموحات ببناء "لبنان جديد" وكل الآمال باستمرار البلد. ومن الضروري أن يحصل ذلك من خلال حوار بنّاء بعيدًا من منطق التخوين والأفكار المسبقة. فلا من يسعى لبناء دولة فيديرالية هو تقسيمي، ولا من يطالب بالدولة المدنية هو ساعٍ للقضاء على التقاليد والأعراف اللبنانية. ومن الممكن أن تتوحد الرؤيتان مثلًا حول قانون عصري للانتخابات النيابية يؤمّن صحة التمثيل ما يبدّد هواجس البعض ويفتتح ورشة بناء الدولة المدنية الحقيقية وفق ما يطمح إليها البعض الآخر.

وقد بادر حزب "الكتلة الوطنية اللبنانية" إلى اقتراح قانون للانتخابات النيابية عام ٢٠٠٧، الذي يقسّم لبنان الى ١٢٨ دائرة فردية يسمح لناخبي هذه الدوائر باختيار ممثليهم بشكل يمنع فيه اعتماد نظام "المحادل" الانتخابية المالية والطائفية والزبائنية، ويتيح لهم محاسبة نوابهم بشكل مباشر. ومن إيجابيات اعتماد هكذا قانون يكمن في إفساح المجال أمام إلغاء طائفية المقاعد في المجلس النيابي مع ضمان صحة التمثيل، وإزالة مخاوف الكثر حيال هكذا خطوة.
ومن ايجابيات اعتماد هذا القانون أيضا انه يقودنا مباشرة ومن دون ابطاء الى انشاء مجلس الشيوخ الذي من مهماته النظر في القضايا الأساسية والمحافظة على خصوصيات الطوائف بما لا يتعارض مع مفاهيم الدولة المدنية.

أما تطوير النظام السياسي الذي أصبح ضرورة لمواكبة بناء دولة جديدة وحديثة فلا يمكن أن يحصل في ظل دولة مركزية تعزّز الفساد وإعادة إنتاج طبقة سياسية نهبت مقدّرات الدولة والشعب في آن معًا. لكن طرح المشكلة من باب طائفي و"حضاري" أثار مخاوف الكثير من التغييريين الذين قد يؤيدون فكرة اللامركزية ولكنهم يرون في ذلك محاولة مقنّعة للتقسيم والانفصال على أساس طائفي. فيجب أن يتصالح هؤلاء مع هذه الفكرة التي قد تريح المطالبين بالفيديرالية وتؤدي إلى تراجع الأحلام بالتقسيم والانفصال عند البعض. ويبدأ ذلك بانتخاب مجالس تمثيلية في المحافظات والأقضية، أسوة بنظام المناطق والمقاطعات في فرنسا ((régions et départements، تتمتع بصلاحيات تنفيذية يحدّدها ويوزّعها القانون من ضمن إطارها الجغرافي، ما يسمح بتحقيق الانماء الحقيقي في المناطق وبتطبيق معايير الشفافية في إدارة الشأن العام. وذلك لا يمكن أن يتحقق من دون تطوير تنظيم القضاء الإداري المحصور حالياً بمجلس شورى الدولة، وذلك عبر وضع قانون إنشاء محاكم إدارية في المناطق الذي أُقرّ في العام 2000 موضع التطبيق بهدف النظر في النزاعات والمراجعات ولاسيما تلك التي ستنشأ بين السلطات المحلية والمواطنين. ويمثّل حينئذ المحافظ والقائمقام اللذان تعيّنهما الدولة للسهر على النظام العام والمحافظة على الأمن ضمن صلاحيات محدّدة في القانون.

أخيرًا يجب أن يتزامن ذلك مع إعادة إطلاق خدمة العلم أي الخدمة العسكرية، طبعًا في سياق حديث يسمح للشابات والشباب بالاستمرار في حياتهم المهنية بصورة طبيعية، خصوصًا أنّ مؤسسة الجيش اللبناني تحظى باحترام جميع اللبنانيين وتقديرهم. تكمن ضرورة اعتماد هذه الخطوة في تكريس الانصهار الوطني ولقطع الطريق على أي تأويل أو تفسير لأي تطوير قد يحصل على النظام السياسي ولمكافحة النزعات التقسيمية. وتسمح هذه الخطوة كذلك بتدريب الشعب، الذي يتحوّل إلى احتياط، للدفاع عن الأرض لمواجهة أي عدوان إسرائيلي والتصدي لأيّ تهديد قد يطرأ على الأمن القومي. ويدخل ذلك أيضاً في مجال إقرار استراتيجية دفاعية تُنهي حالة الميليشيات وتمنع أي محاولة لتأسيس فصائل عسكرية حزبية وطائفية جديدة.
 
 
 
 

*مستشار سياسي

عضو اللجنة التنفيذية في حزب الكتلة الوطنية اللبنانية 

عضو الهيئة التنفيذية في المجلس العام الماروني

حائز  على إجازة في العلوم الادارية والسياسية  من جامعة القديس يوسف في بيروت، على ماجستير من جامعة ESCP Business School في فرنسا وعلى دبلوم دراسات عليا في الدبلوماسية من جامعة أوكسفورد في المملكة المتحدة 

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم