الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

هل تخدم "مبادرة نواب التغيير" قضية التغيير في لبنان؟

المصدر: "النهار"
نواب قوى التغيير.
نواب قوى التغيير.
A+ A-
غسان صليبي
 
النواب الذين أطلقوا "المبادرة الانقاذية الرئاسية" يعرّفون عن أنفسهم في بداية الوثيقة بـ"نواب قوى التغيير"، وأنا أقرأ وثيقتهم على هذا الأساس، وأناقشها متسائلاً إذا كانت هذه المبادرة تخدم فعلاً التغيير في لبنان.
 
1- لا يوجد في نص الوثيقة ولا في نصوص سابقة صادرة عن "نواب قوى التغيير" تعريف للتغيير أو توضيح لما تعنيه الكلمة بالنسبة لهم. لكن في القسم الثاني من الوثيقة بعنوان "في المقاربة"، يجزم النواب أن "ثمّة حلا وطنيا واحدا... إذا أردنا خلاص لبنان، فليس علينا إلاّ بكتاب الدستور وبتطبيقه وفق معاييره وآليته". في هذا الإقرار فرضيتان، الأولى ان المشكلة هي في عدم تطبيق الدستور والثانية ان تطبيقه وفق معاييره وآلياته يحل المشكلة ويُحدث التغيير المنشود أو على الأقل يفتح الباب امام هذا التغيير.
 
 
2- تنقسم الوثيقة أربعة اقسام: الرؤية، المقاربة، المعايير والمبادرة. يغيب عن كل أقسام هذه الوثيقة "المشهد الإنتخابي الرئاسي الحالي". فكيف نقيّم المبادرة من دون ان نفهم كيفيّة إدراك النواب المعنيين لهذا المشهد الرئاسي؟ في الوثيقة كلام كثير عمّا آل اليه الوضع في لبنان، سياسيًّا وإقتصاديًّا ومعيشيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، لكنه كلام بقي في العموميات حول الجهات التي تسببت بالوصول الى هذا الوضع، فضلاً عن انه يُغفل تمامًا "المشهد الإنتخابي الحالي" بظروفه، وأطرافه والمؤثّرين فيه والتوقّعات في شأنه. فكيف نقيّم مبادرة تريد إحداث تغيير عبر انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، دون توصيف "المشهد الإنتخابي" وتحليله، أو على الأقل الإشارة الى بعض مواصفاته وعناصره. السؤال هنا، هو الى أي مدى تتوفر في هذا المشهد عناصر تساعد أو تعرقل إحداث "التغيير" أي كما أشرنا أعلاه، الى أي مدى تساعد أو تعرقل "تطبيق الدستور بمعاييره وآلياته"، وبالتالي الى أي مدى تخدم "المبادرة" هدف التغيير هذا، وما هي الطريق التي ترسمها وسط هذا "المشهد الإنتخابي" الغامض في الوثيقة؟
 
3- وُجدت المصطلحات للمساعدة على التعبير عن الواقع وفهمه. لكن في الكثير من الأحيان تبقى المصطلحات هي نفسها فيما يتغيّر الواقع ويصبح نقيض ما كان عليه. وفي هذا الاطار، هل نحن أمام استحقاق "سياسي دستوري" أم أمني؟ فمنذ انتخاب بشير الجميّل رئيسًا للجمهوريّة بُعَيد وصول الإحتلال الإسرائيلي الى بيروت، وحتى انتخاب ميشال عون بـــ"بندقيّة المقاومة" حسب تعبير نائب "حزب الله" السابق نواف الموسوي، مرورا بجميع الانتخابات بتوجيه وإشراف الجيش السوري، تزامنت الإنتخابات الرئاسيّة مع أعمال عسكريّة مباشرة أو مع تهديد باستخدامها، وجاءت نتيجة الانتخابات لصالحها. الظروف الداخليّة العسكرية التي فرضت انتخاب ميشال عون رئيسًا، لم تتغيّر كثيرًا اليوم، مع تزايد نفوذ "حزب الله" في الداخل اللبناني، ولو أن الظروف الإقليميّة والدوليّة شهدت بعض التعديل. فهل يكفي في هذه الحالة الإكتفاء بالنص في "الوثيقة"، ان المسؤوليّة الوطنيّة "تفرض علينا جميعًا ان يكون هذا الإنتخاب لبنانيًّا بحتًا"، أي ان نحدّ من دور القوى الخارجيّة، في حين ان المشكلة الكبرى اليوم هي في تأثير سلاح حزب لبناني على العملية الإنتخابيّة؟
 
4- مُستغرب الا تتوقّف الوثيقة عند استحقاق تأليف الحكومة، الذي يسبق الانتخابات الرئاسية ويشكل عنصرا اساسيا في مشهدها. مصدر الاستغراب ان انتفاضة 17 تشرين التي يتحدّر منها "نواب قوى التغيير" كان مطلبها الأساسي تأليف "حكومة مستقلّة ذات صلاحيات استثنائيّة". وكأن هذا المطلب أصبح طي النسيان، وكأن الحكومة مجتمعةً لم تعد هي المسؤولة وليس رئيس الجمهوريّة عن رسم السياسات الوطنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، مما يستوجب إعطاء عملية تأليفها الأهميّة القصوى إذا أردنا الخروج من هذا الإنهيار على جميع المستويات، ولا سيما ان كل المؤشرات الصادرة عن القوى المؤثّرة في إنجاز الانتخاب الرئاسي، تدل على ان هذه الحكومة هي التي ستحكم فعليًّا بعد انتهاء ولاية ميشال عون، ذلك انه سيتعذّر انتخاب خلفًا له في مدة قصيرة.
 
5- إهمال الإستحقاق الحكومي لصالح الإستحقاق الرئاسي، قد يعكس عدم رغبة "نواب قوى التغيير" الدخول في الخلافات السياسيّة أو ما تسمّيه هي بــ"الإصطفافات". فهي ترفض "منطق الإصطفاف الأرعن" وتعتبر انها تمثّل مشروعًا سياسيًّا جديدًا، "مشروع الكتلة التاريخيّة العابرة للإصطفافات الطائفيّة والمناطقيّة والزبائنيّة". سؤال التغيير هنا هو كيف "سيعبر" هذا المشروع الجديد أرض الواقع الذي تحتلّه هذه الإصطفافات، وكيف سيكون بالإمكان إحداث تغيير، في الرئاسة او في غيرها، من دون الإصطدام بها؟ هل يمكن إحداث تغيير من خلال التعالي على هذا الإصطفاف الذي دمّر البلاد، والإكتفاء بنعته بــ"الأرعن" أي الأحمق والأهوج، فيما قيادات هذا الإصطفاف تنفّذ أو تعدّ خططا، ليست حمقاء ولا هوجاء، بل ذات أبعاد استراتيجيّة، محليّة وإقليميّة؟
 
6- نعم، يحتاج "نواب قوى التغيير" الى اللجوء الى "وسائل الضغط الشعبيّة المشروعة بكل أشكالها وأساليبها"، لكن دون انتظار صباح 21-10-2022 كما تهدّد الوثيقة، بل منذ الآن، "توصلاً لفرض انتخاب رئيس الجمهوريّة المنشود وفقًا لمضمون هذه المبادرة، وقبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي في 20-10-2022 ، ذلك ان وسائل الضغط هذه تحتاج الى تعبئة شعبية أصبحت صعبة وتحتاج الى إعداد مسبق وخطوات تمهيدية، بعد انكفاء التحرّكات الشعبيّة في المدة الاخيرة، في حين ان قوى "الإصطفاف" مستعدّة في أي لحظة للإنقضاض على أي تحرّك شعبي مناهض بالكثير من الفعاليّة.
 
7- لا، ليس صحيحًا كما تقول الوثيقة في خاتمتها، انه "ليس من سبب يحول دون إجماع كل القوى حولها. مبادرتنا هذه لا يستطيع ان يرفضها حتى أكثر الأطراف تطرّفًا أو فئويّةً من هذه الجهة أو تلك. كل رفض لها، هو رصاصة في رأس لبنان!؟". فإذا كان هناك إجماع حولها لا تكون المبادرة تتوخّى التغيير، الذي من المفترض ان يطال "المجمعين عليها". كما ان الرصاصة في "رأس لبنان"، قد أطلقت منذ زمن من الذين ينتظر "نواب قوى التغيير" إجماعهم، والقضيّة اليوم هي في انتزاع الرصاصة قبل ان يموت المريض.
 
8- على أهميّة "الوثيقة"، وكل وثيقة تحدّد توجّهات جهة معيّنة، يبقى نجاح المبادرة رهن الممارسة وحسن التصرّف، وتتويجهما بعقد التحالفات. صحيح ان كثرة المعايير وعددها 15 ، وغياب الأولويات في ما بينها، يوسّع هامش المفاوضة عند أصحاب المبادرة، لكنّه في الوقت نفسه قد يدفعها الى عقد تسويات على شخصيات تتوفّر فيها "معايير الحد الأدنى". ولا بد من الإشارة الى أن هذه المعايير المطروحة هي مواصفات تتناسب مع صلاحيات الحكومة وليس مع صلاحيات رئيس الجمهوريّة. وحيث ان "نواب قوى التغيير" متّفقون على أن "الحل الوحيد" هو في "تطبيق الدستور ومعاييره وآلياته"، أعتقد ان من الأفضل والأصدق ان يكون في ذهن هؤلاء النواب عندما يتفاوضون مع الآخرين، أن أهم معيارين بحسب ما ينص عليه الدستور في شأن دور رئيس الجمهورية، هو قدرته في آن واحد، على حماية الإستقلال والحفاظ على الدستور. فأكثر ما يشكو منه الاستحقاق الرئاسي منذ أربعة عقود هو التدخّلات الخارجيّة وتأثير السلاح، وهذا ما يمكن الحد منه من خلال حماية الإستقلال والحفاظ على الدستور. كما ان تطبيق الدستور بآلياته يفتح الباب على التغيير الذي ينص عليه الدستور نفسه، من تجاوز للطائفيّة، الى اللامركزيّة الإداريّة، الى حصر السلاح بيد الدولة، من دون إغفال الإصلاحات الإقتصاديّة والماليّة والإجتماعيّة المطلوبة، وهذا أيضا لا يمكن تحقيقه بدون انتظام الحياة الديموقراطيّة بحسب الدستور، ابتداءً بانتخابات نيابيّة حرّة بدون تأثير السلاح، الى الرقابة البرلمانيّة على الحكومة، الى حريّة الاعلام، الى حريّة التنظيم والتحرّك للنقابات وللمجتمع المدني.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم