الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

550 مليون دولار قيمة فاتورة استيراد الدواء في 2023

المصدر: "النهار"
رولى راشد
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
مع الخلل المتمركز في القطاع الصحي منذ بدء الأزمة النقدية والاقتصادية في لبنان في تشرين الاول 2019، يبقى ملف الدواء الداء المستعصي إيجاد حلّ له، خصوصاً لجهة تأمين الأصناف المرتبطة بالأمراض السرطانية والمستعصية بأسعار مقبولة، تستوعبها جيوب اللبنانيين من جهة، وتستجيب لتسديد ثمنها الجهات الضامنة الرسمية.
 
في الواقع، بلغت قيمة الفاتورة الإجمالية لاستيراد الدواء عام 2023 زهاء 550 مليون دولار مقابل 350 مليون دولار عام 2022، أي بزيادة حوالي 36،36 في المئة. أمّا بالمقارنة مع العام 2019 فكانت قيمة الفاتورة مليار دولار ما يعني تراجع 55 في المئة عن 2023.
 
والجدير ذكره هنا، أنّ الانخفاض بعدد العبوات أو العلب المستوردة هو بنسبة 35 في المئة بين عامي 2019 و2023.
 
رغم ارتفاع اسعار الدواء عالمياً واتساع حجم الطلب عليه بفعل اتساع رقعة الأمراض من جهة، وانتشار وسائل العلاج الحديثة من جهة أخرى، فإنّ أسباب انخفاض قيمة الفاتورة الدوائية هي شبه معروفة في لبنان، إذ بحسب رئيس نقابة مستوردي الأدوية واصحاب المستودعات في لبنان جو غرّيب "أنّه قبل الأزمة كان لبنان يستورد جزءاً من الأدوية بأذونات خاصّة ليتمّ تصديرها إلى الخارج. كما أنّ هناك كمية كبيرة كان يتمّ استهلاكها من قبل الأجانب، إضافة إلى بعض المغتربين في البلد. إلّا أنّه بطبيعة الحال، لا يمكن إغفال نتائج تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين."
 
في موازاة ذلك، تتصدّر الأدوية المرتبطة بالأمراض المستعصية والسرطانية والمزمنة في قائمة الفاتورة، تليها أدوية الأمراض النفسية والعصبية، وبالتالي، أدوية المضادات الحيوية والأدوية التي يتمّ شراؤها بدون وصفة طبية Over the counter medicine OTC.
 
مع انهيار العملة، وحجز المدخرّات في المصارف، وتجفيف السيولة لدى الجهات الضامنة التي كانت تتحمّل نفقات شراء الأدوية، هل صحيح أنّ لبنان لم يعد قادراً على استيراد الأدوية المتطوّرة ولاسيّما المتعلقة منها بالأمراض السرطانية والمستعصية؟
 
يعتبر غرّيب "أنّ القدرة موجودة على استيراد هذه الأدوية، ولكنّ الحاجز الرئيسي الذي فرمل الطلب عليها مرتبط بتراجع القدرة الشرائية عند المواطن اللبناني، وعدم وجود جهات ضامنة مليئة قادرة على تحمّل كلفة تغطيتها ومن بينها صندوق الضمان الاجتماعي الذي تراجع حجم تمويله للأدوية بعد حصر فاتورته بشراء بعض الأصناف، إضافة إلى عجز باقي الجهات الضامنة. وفي الواقع، إنّ معظم الأدوية يتمّ تغطية تكاليفها سواء من بعض شركات التأمين الخاصة أو من جيب المواطن، علماً أنّ بعض الجهات الضامنة يحاول إعادة هيكلة وضعه المالي للمحافظة على المنتسبين، ولكنّ هذه العملية تتمّ في نطاق ضيّق وبطيء نوعاً ما. ولا ننسى أنّ الوصول إلى الأدوية الحديثة تترّتب عنه كلفة مرتفعة مرتبطة بالابتكار والتصنيع."
 
في مرحلة سابقة، ارتّد موضوع حجز مستحقات مستوردي الأدوية لدى مصرف لبنان والبالغة حوالي 650 مليون دولار على عملية التسليم إلى السوق المحلي وذلك في العام 2021، إلّا أنّ الإفراج عن بعض المبالغ انسحب انفراجاً على تواجد الدواء في ما بعد.
 
في هذا السياق، يقول غريب "للنهار" "لقد بقي مبلغ بحدود 170 مليون دولار عالقاً لدى "المركزي" والتأخير في تسديده ينعكس على العلاقة بين المستوردين وبعض الشركات المصنّعة، رغم أنّ البعض منها حاول تمديد مهل تسديد الفاتورة فيما البعض الآخر اضطرّ إلى توقيف التسليم لبعض الأدوية غير الأساسية.
وفي موازاة ذلك، لجأ بعض من الشركات الذي لم يحصل على مستحقّاته المالية الى إعادة جدولة عملية التسليم."
 
انسحاب شركات عالميّة
 
أيضاً، من عواقب الانهيار النقدي والمعيشي شهد السوق اللبناني انسحاب بعض الشركات العالمية العلمية المصنّعة للأدوية بعد اتّخاذها القرار بإقفال مكاتبها والانتقال إلى التمركز في بلدان أخرى، وذلك بحجّة تراجع حجم الطلب من جهة، وصعوبة وصولها إلى مستحقّاتها من جهة ثانية.
 
هنا، يلفت غرّيب إلى أنّه "جرى إقفال 12 مكتباً أي ما نسبته 50 في المئة من مجموع المكاتب المتواجدة في لبنان. ورغم ذلك، لم تحجب الشركات أصناف الأدوية التي كانت تؤمّنها، إذ استمرّت بشحنها وتسليمها إلى المستوردين والعملاء والوكلاء. والجدير ذكره أنّ هذه الشركات وقفت إلى جانب لبنان لفترة طويلة في محنته، حيث أمنّت شحن الأدوية إلى داخل السوق بفاتورة وصلت قيمتها إلى 600 مليون دولار، لم تستوفِها كما كان مفروضاً، فيما امتنعت قطاعات أخرى عن تفريغ البواخر وتسليم البضائع قبل فتح الاعتمادات المالية لها.
 
مع ذهاب هذه الشركات سيفتقد لبنان عدداً من النشاطات. أمّا عودتها فهي مرتبطة باستعادة قطاع الدواء المستوى المطلوب من الطلب. وهذا لا يتمّ إلّا عبر إعادة ترتيب أوضاع الجهات الضامنة، واعتماد سياسة طويلة الأمد لدعم شراء أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية مع توفير كلّ الضمانات اللازمة للمرضى. فالمشكلة ليست في شحن الأدوية ولكن في إيجاد الجهة التي ستتكفّل بدفع ثمنها المرتفع."
 
أصبحت ظاهرة تأمين الدواء عن طريق ما يُطلق عليهم تسمية "تجّار الشنطة" رائجة لاسيّما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. ولكنّ المريض المتعلّق بأدنى أمل للحصول على دوائه بسعر مقبول يتعذّر عليه التحقّق من مدى فعاليّة هذه الأدوية الآخذة في الانفلاش في السوق وبغياب كلّي للمسؤولين. متى ينتهي دور هؤلاء التجّار الذين فرضوا خدماتهم على السوق؟
 
يرى غرّيب "أنّ توفير الأدوية للسوق اللبناني بشكل طبيعيّ وشرعيّ كفيل بوضع حدّ "لتجّار الشنطة". الأدوية المتوّفرة اليوم في لبنان سواء أكانت أصلّية أم "جينيريك" في أصنافها هي بنسبة 85 في المئة. ولكنّ ثمّة استغلال للوضع المعيشي للمرضى ولاسيّما ذوي الأمراض السرطانية إلى درجة عرض أدوية مزوّرة عليهم بسعر أقلّ من السعر الرسميّ، دون أن يتمكّن المريض للأسف من التحقّق من مدى فعاليّتها".
 
في الخلاصة، وصفة الدواء وتسويقه واستيراده وتصنيعه محلياً بند أساسيّ في أيّ سياسة صحيّة ترعى الشأن الصحي والأوضاع المعيشية والاقتصادية في أيّ مجتمع .
 
في الأمس، نجح وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال د. فراس الأبيض في إقناع النواب بزيادة موازنة "الصحة" إلى 200 مليون دولار في موازنة 2024، معتبراً أنّ هذا العام سيكون جيداً. كما أعلن عن دعم صناعة الأدوية المحليّة، التي باتت نسبتها في السوق تصل إلى الـ65 في المئة. إلّا أنّ الأهمّ يبقى في تطبيق حوكمة رشيدة لإدارة قطاع الدواء، فيتمّ تحديد الإنفاق على الاستيراد مع المحافظة على النوعية والوقوف بالمرصاد في وجه التزوير والتهريب.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم