الأحد - 05 أيار 2024

إعلان

تحرير سعر الصرف... شروطه تعجيزية ونتيجته النموذج الفنزويلي

المصدر: "النهار"
كارلا سماحة
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-

في خضم الفوضى التي تحكم ملف حاكمية مصرف لبنان، على بعد نحو 10 أيام من انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة، تُطرح عدة سيناريوات قانونية ومالية ونقدية من قبل نواب الحاكم الأربعة، كشروط مسبقة للقبول بالاستمرار في مهامهم وعدم تحمّلهم وزر الأزمة في المرحلة المقبلة.

تحرير سعر صرف الدولار، من الشروط المطروحة، فما هي تداعياته المالية والاقتصادية والاجتماعية؟

يقول البروفيسور جاسم عجاقة لـ"النهار" إن تحرير الصرف هو نظام نقدي يصحح أخطاء موجودة في المالية العامة وفي احتياطات المصرف المركزي، لكنّه يعكس ثمناً اجتماعياً باهظاً ألا وهو الفقر، فمن خلال ارتفاع سعر الصرف فإن كلفة حياة المواطنين تصبح عالية جداً، وتتآكل قدرتهم الشرائية.

يوضح أن "نظام سعر الصرف يُطبّق في دول لديها استقرار أمني وسياسي وليس في بلد مثل لبنان يفتقد إلى مثل هذه العوامل، إضافة إلى السيادة المالية، والتي نعني بها التهريب والتهرّب الضريبي، والفلتان الجمركي، وغيرها... لذلك، أي محاولة لتحرير سعر الصرف في الوقت الحالي سيترجم ارتفاعاً في سعر صرف الدولار مقابل الليرة".

خطة نواب الحاكم

ويعتبر أن خطة نواب الحاكم مطابقة لخطة الحكومة وخطة صندوق النقد الدولي، لكن تم إضافة بند واحد وهو منحهم، وبغطاء قانوني، القدرة على استخدام الاحتياط الإلزامي أي أموال المودعين، وبالتالي هذه الخطة لا تصلح أبداً، لأنها تؤدي إلى اهتزاز الوضع المالي كلياً. وأضاف: "إذا كنا في وضع صعب فيه قليل من الاستقرار، لا يمكن الذهاب إلى اقتراح خطط تنقلنا إلى مكان من عدم الاستقرار. من هنا، اقتراح استخدام الاحتياطي الإلزامي لتغطية نفقات الحكومة وغيره غير عقلاني، والخطة لا تطمئن، وذاهبون إلى المجهول".

ويضيف: "ما نفع الكابيتال كونترول والحدود فلتانة".

من هنا، يجدد عجاقة التأكيد على أن تحرير سعر الصرف على المستوى النقدي يُتَرجَم بتراجع في القدرة الشرائية للمواطنين ومزيدا من الفقر.

ويسأل: " أي سعر على سبيل المثال يريدون اعتماده في الموازنة؟ وكيف يمكن أن تكون الموازنة مرتبطة بسعر صيرفة ويريدون إلغاءها؟

ويشدد عجاقة على أن "القصة مش قصة أشخاص بل قصة خيارات". فتحرير سعر صرف العملة، يعني إقفال الحدود، منع التهريب، إنجاز الإصلاحات، هيكلة القطاع المصرفي، إنجاز الكابيتال كونترول، إلغاء السرية المصرفية، هيكلة القضاء وتحسين العلاقات مع الدول الأخرى... مجموعة كبيرة من الشروط والإصلاحات يجب أن تُنفذ ونحن اليوم بمنأى عنها، لذلك، الدعوة إلى اتخاذ الخيارات الصح".

جباعي والنموذج الفنزويلي

الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي أوضح لـ"النهار" أن لبنان أمام خيارين، إما ضبط ممنهج لسعر الصرف، على غرار ما يقوم به مصرف لبنان اليوم عبر منصة صيرفة، أو الذهاب إلى تحرير سعر الصرف. لكن المبدأ الأخير سيئ حالياً في ظل الأزمة الاجتماعية التي تضرب القطاع العام وعدداً من القطاع الخاص.

ويحذر من أن "تحرير سعر الصرف سيؤدي إلى هزة في الأسواق بعدما استقرت على فترة طويلة بفعل استقرار العملة، التسعير، عملية البيع والشراء. وإذا حررنا سعر الصرف، وفق الخطة المطروحة وألغينا منصة صيرفة التي هي الرادع الوحيد لوقف الانهيار بفعل عدم قدرة الدولة على تأمين الفريش دولار، عندها لن تستطيع الدولة تأمين رواتب موظفيها أو مصاريفها الشهرية".

ويقول: "تحتاج الدولة اللبنانية شهرياً إلى نحو 350 مليون دولار كمصاريف تشغيل ورواتب وأجور وغيرها... اليوم هي لا تستطيع تأمينها، إلا عبر مصرف لبنان الذي يؤمن هذه الأموال من خلال منصة صيرفة، إضافة إلى الدعم في قطاعات أخرى في الصحة والكهرباء وغيرهما، وبالتالي مصرف لبنان يحاول أن يلعب دورين، ضبط الوضع المالي والنقدي في آن، لذلك ما يطرحه نواب الحاكم خطير".

ويتابع جباعي: "ما يخيف أكثر قول أحد نواب الحاكم إننا نريد تحرير سعر الصرف لتوحيده، وهذا علمياً غير منطقي، لأن تحرير سعر الصرف في ظل ترهّل الدولة ووجود المضاربين، ينذر بعواقب خطيرة ولا يكون مضبوطاً أو له حدود، ويمكن أن يصل سعر صرف الدولار عندها إلى أكثر من مليون ليرة، وبالتالي نصبح على غرار النموذج الفنزويلي. لذلك هذا الطرح غير علمي وينم عن عدم دراية بالأسواق". ويضيف: "على سبيل المثال اذا حررنا سعر الصرف ووصل سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية إلى 300 ألف، فهل تستطيع الدولة اللبنانية صرف رواتب موظفي القطاع العام على سعر 300 ألف؟ وهل تستطيع المصارف مثلاً أن تعطي المودعين أموالاً على أساس سعر صرف 300 ألف؟ لذلك، طرح موضوع تحرير سعر الصرف غير واقعي.

من هنا، تحرير سعر الصرف بالكامل يؤدي إلى أن فئة من اللبنانيين ستدفع ثمناً باهظاً، وتضيع حسابات الدولة، إذ وفق أي سعر صرف ستحتسب الموازنة؟ ووفق أي سعر صرف ستحتسب الإيرادات؟ ووفق أي سعر سيقبض الموظفون؟ ووفق أي سعر صرف ستحتسب العمليات المالية في المصارف؟.

القدرة على تحرير الصرف

ويشدد جباعي على ضرورة وجود توافق سياسي، انطلاقاً من مبدأ التناغم بين السياسة والاقتصاد، فيكون إيذاناً بانطلاق عمل المؤسسات عبر الحكومة بخطة تعافٍ مالي واقتصادي واضحة، تتضمن آلية لاستقرار السوق. وعندما نصبح بحالة صعود اقتصادي، وبحالة فائض في الموازنة العامة، وفائض في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، يمكن أن نتحدث عن تحرير الصرف وهذا بعيد جداً اليوم".

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم