الثلاثاء - 04 حزيران 2024

إعلان

لم يكن ينقص اللبنانيين سوى الدولار الجمركي

المصدر: "النهار"
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
د.أيمن عمر/ باحث اقتصادي
 
 تُعتبر السياسة الجمركيّة من أهم أدوات السياسة المالية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والمالية والنقديّة للحكومات، والتي يجب أن تصبّ جميعها في مصلحة التنمية والنمو الاقتصادي للبلاد. هذه الأهداف الاقتصادية للسياسة الجمركية تتمحور بالدرجة الأولى حول حماية الصناعات الناشئة، استقطاب التكنولوجيا والتجهيزات الضرورية للصناعات والحِرف والزراعة، الموادّ الأوليّة وكلّ مدخلات الإنتاج اللازمة للإنتاج الوطنيّ وما لذلك من انعكاس على الناتج المحلي وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى تأمين حاجات الاستهلاك الغذائي، الطبابة، لوازم الاستشفاء، ورفع مستوى المعيشة. ولا يمكن التغافل عن الجانب المالي في السياسة الجمركية لناحية تأمين موارد مالية لخزينة الدولة من أجل تمويل الإنفاق العام والابتعاد عن وسائل الاستدانة والاقتراض من الأسواق المالية وزيادة الدين العام للدولة، وما لذلك أيضاً من تأثير كبير على استقرار سعر صرف العملة الوطنيّة من خلال تقليص الحاجة إلى العملات الأجنبية وازدياد الطلب عليها، وبالمقابل زيادة العرض النقدي من العملات الأجنبية كالدولار واليورو وغيرها.

إن الكثير من الدول تقدّم الأهداف الاقتصادية للسياسة الجمركية على باقي الأهداف الأخرى، إلا أن الأغلبية العظمى من الدول توازن ضمن رؤية وخطة اقتصادية واضحة بين جميع هذه الأهداف، وضمن سلّة متكاملة من الإجراءات. إن حصر هدف السياسة الجمركيّة بالجانب الماليّ فحسب يحمل في أبعاده الكثير من التداعيات السلبيّة، خاصة في مرحلة الأزمات الاقتصادية، إذ تُسهم أكثر وأكثر في انكماش الناتج المحليّ وتقليص حجم الاقتصاد وازدياد مستويات الفقر والبطالة.

مقوّمات النجاح
تعتمد السياسة الجمركية على 3 مقوّمات أساسية وهي: إدارة جمركيّة فعّالة، نُظُم وقوانين تشريعية بالإضافة إلى الرسوم والتعريفات المحقّقة للأهداف العامة. إن نجاح أيّ سياسة جمركيّة يتطلّب توافر هذه المقوّمات الثلاثة مجتمعة، وإن الفشل في إحداها يحرِف هذه السياسة عن جدواها. من هذا المنطلق، ومهما كانت النُظم متطوّرة، والرسوم فعّالة، ففي ظلّ إدارة ضريبيّة وجمركيّة فاشلة أو فاسدة يُصبح من الصّعوبة بمكان تحقيق هذه السياسة لأيّ من أهدافها، خاصّة لناحية المتحصّلات من الرسوم الجمركية بشقّيها: الرسم الجمركي والضريبة على القيمة المضافة TVA. بحسب تقرير للبنك الدولي تحت عنوان: "الابتكارات في مجال الامتثال الضريبي: بناء الثقة، وإدارة دفة السياسات، وتصميم الإصلاحات" أنه قد بات من الواضح بشكل متزايد أن الحلّ المتعلّق بتعبئة المزيد من الإيرادات لا يمكن أن يعتمد فقط على توسيع الوعاء الضريبي، أو تيسير إجراءات السداد، بل يتطلّب أيضاً أخذ العلاقة بين المكلّف والإدارة الضريبيّة على محمل الجدّ، أي بناء الثقة بين المواطن والدولة. فقد أكّد البنك الدولي أن الشواهد والأدلة القويّة أنّه كلّما كانت الثقة في الدولة قويّة ازداد استعداد المواطنين لدفع الضرائب ودعم الإصلاح. وشدّد البنك على أن الضرائب يجب أن تلائم الاحتياجات والظروف الخاصّة في مختلف البلدان، وأن تراعي كذلك الظروف السياسية السائدة، وأن تعالج مسألة بناء الثقة. وهذا النهج الأكثر شمولاً يُمكنه أن يحقق تحسينات أكثر استدامة في الإيرادات على نحو يتسّم بالعدالة والإنصاف، وأن يؤدي إلى زيادة المنافع المتحققة للمواطنين. في الحالة اللبنانية وقد بلغت تكلفة التهرّب الضريبي 4.5 مليارات دولار في عام 2018، وفق تقرير بنك عودة، ومع احتلال لبنان المرتبة 150 عالمياً وحصوله على درجة 24، وفق مؤشر الفساد، ضمن الدراسة التي أجرتها منظّمة الشفافية عن الترتيب الخاصّ بالدول العربية، ضمن مؤشر الفساد الصادر في 31 كانون الثاني 2023، يُصبح غياب الثقة بين المواطن والدولة هو الصّفة السّائدة، وتغيب حافزيّة دفع الضراب والرسوم، ويُصبح التهرّب الضريبيّ والجمركيّ هو النهج المتّبع.

هل الدولار الجمركي رسوم وضرائب جديدة؟
إن مصطلح الدولار الجمركي هو مصطلح على الطريقة اللبنانية وليس موجوداً في كتب الاقتصاد والمالية العامة، والمقصود به احتساب الرسوم الجمركية وفق سعر صرف معيّن. وقد رسا أخيراً على سعر منصّة صيرفة، بعد أن بقي لعقود وفق سعر الصرف الرسمي الثابت 1507.7 ليرات للدولار. الدولار الجمركي يشمل الرسم الجمركي على المنتجات المستوردة بنسب متفاوتة بين 5% و50%، بالإضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11%، مع العلم أن بعض المنتجات المستوردة مُعفاة من أحدهما مثل البطاطا والثوم والبنّ والشاي، أو من كليهما معاً مثل الطحين وزيت دوّار الشمس. بطريقة ملتوية، استطاع أصحاب القرار الالتفاف في هذا الموضوع، ورفضوا اعتباره ضريبة جديدة، وبالتالي لم يقرّوه وفق مادّة قانونيّة، سواء من خلال المواد الضريبية في موازنة 2022، أو عبر قانون منفصل، مع أنه قد تمّ احتساب أرقام موازنة 2022 وفق سعر صرف 20,000، وتحميل المكلّفين أعباء ورسوماً ضريبيّة إضافية. الواقع العملاني يُظهر أن الدولار الجمركي يُرتّب أعباءً ضريبية إضافية، ثمّ ضرائبَ ورسوماً كانت موجودة سابقاً وتمّ تعديلها؛ وهذا يستلزم إقرارها عبر قانون وفق ما تنصّ المادة 82 من الدستور اللبناني بأنه: "لا یجوز تعدیل ضریبة أو إلغاؤها إلا بقانون".

هل الدولار الجمركي يزيد من إيرادات الدولة؟
إن معظم السّلع المستوردة تخضع لرسم جمركيّ يبلغ 5% من قيمتها، والبعض منها يخضع لرسم 50%. وهناك العديد من السّلع لا تخضع لأيّ رسم جمركيّ. ويُضاف إلى فاتورة الاستيراد ضريبة القيمة المضافة 11%، وبعض السّلع معفاة من هذه الضريبة.
 
 
 
 
الشرح: على افتراض تمّ استيراد سلعة ثمنها 100$، وفق سعر الصرف 92,000، فإن إيرادات الدولة من جمرك هذه السّلعة وفق سعر صرف 1,500 تبلغ 1,020,500 ل ل، وتصبح وفق سعر منصّة صيرفة 86,200 نحو 1,490,410 ل ل؛ بمعنى: تبلغ زيادة الإيرادات الجمركيّة على هذه السّلعة نحو 470,000 أي بنسبة 46%. وبناءً عليه، ستزداد إيرادات الدولة من جمارك السّلع المستوردة، التي يُفرض عليها 5% جمارك بنسبة 46%، وذلك ضمن فرضيّة قدرة الدولة على تحصيل كامل هذه الرسوم من دون تلاعب أو تهرّب ضريبيّ.
 
 
 
الشرح: على افتراض تمّ استيراد سلعة ثمنها 100$، وفق سعر الصرف 92,000 فإن إيرادات الدولة من جمرك هذه السلعة وفق سعر صرف 1,500 تبلغ 1,095,250 ل ل، وتصبح وفق منصة صيرفة 86,200 نحو 5,796,100 ل ل، بمعنى: تبلغ زيادة الإيرادات الجمركية على هذه السلعة نحو 4,701,000 أي بنسبة 429%. وبناءً عليه، ستزداد إيرادات الدولة من جمارك السّلع المستوردة التي يُفرض عليها 50% جمارك بنسبة 429%؛ وذلك ضمن فرضيّة قدرة الدولة على تحصيل كامل هذه الرّسوم من دون تلاعب أو تهرّب ضريبيّ.

إن تجارب العديد من الدول تُظهر النتائج العكسية لزيادة الضرائب والرسوم على ماليّة الدولة واقتصادها، وإن تناقص الإيرادات المتحصّلة من الضرائب والرسوم، على الرّغم من زيادة نسب الضرائب والرسوم أو فرض أنواع جديدة بما يُعرف بتوسيع الوعاء الضريبي، هو واقع عمليّ وحقيقة علميّة. إن توسيع الوعاء الضريبيّ، وتاليًا زيادة الإيرادات منه، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار عوامل عديدة منها: حجم الناتج المحليّ الاجماليّ وبنية الاقتصاد، مقدرة المكلَّفين على تحمّل الضريبة، وقدرة الإدارة الضريبيّة وفاعليّتها على التحصيل الأمثل، حتى لا ينكمش النشاط الاقتصادي ويتغيّر السلوك المجتمعيّ وينخفض الإيراد الحكومي، وتنخفض رفاهية الأفراد؛ وقد يتجاوز ذلك الى المساس بالحاجات الأساسيّة للمواطنين، ويؤدي إلى سوء في توزيع موارد الدولة والتوزيع غير العادل للثروات، عدم التوظيف الأمثل لهذه الموارد، وانحسار بعض الخدمات العامة للمجتمع.

يعاني لبنان من انهيار اقتصادي وماليّ غير مسبوق، ومن انكماش الناتج المحليّ بنسبة تجاوزت الـ40%، ومستويات فقر وفقر مدقع تخطّت المستويات المقبولة، وتراجع حادّ في الخدمات الاستشفائية والطبيّة، فيما الدولار الجمركيّ، وعلى فرضيّة مساهمته في زيادة موارد الدولة المالية، فإنه من دون شكّ سيُسهم في تعميق مأساة اللبنانيين والتراجع في مستوى معيشتهم والقضاء على رفاهيتهم نهائيًا، خاصّة في بلد يستورد ما بين 80 إلى 90% من حاجاته من الخارج، وتغيب فيه الرقابة والمحاسبة وهيبة السلطات المسؤولة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم