الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بالفيديو- المدارس المتضررة تلملم الجراح في ذكرى 4 آب... أين أصبحت ورش الترميم ومتى عودة التلاميذ؟

المصدر: النهار
فرح نصور
من آثار انفجار 4 آب (تصوير حسن عسل).
من آثار انفجار 4 آب (تصوير حسن عسل).
A+ A-
بعد عامٍ على انفجار مرفأ بيروت المروّع، لم تستعد المدينة المتوسطيّة الزاهية نبضها ولا ألقها، في وقت لا تزال تنفض عن نفسها الدمار والغبار الكثيف. وما مدارس بيروت العديدة بأجزائها المدمّرة غير دليل على ذلك الخراب، بالرّغم من تفاوت نِسبه، بحسب قُرب كلٍّ منها أو بعده من المرفأ.

وكتلك المدينة تواجه المدارس والصروح التربويّة صعوبات كبيرة في تمويل ورشات التأهيل، في وقتٍ يمرّ لبنان بثالث أسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ المعاصر.

بعد عامٍ على الانفجار، يبرز السؤال عن حجم الدّمار الذي أصاب المدارس في اليوم المشؤوم؟ وهل استطاعت تلك المؤسسات التربوية ترميم ما تهدّم من أبنيتها؟ ومَن موّل هذه الأعمال؟ وماذا عن جهوزّية هذه المدارس لاستقبال الطلاب في العام المقبل؟

الواقع بالأرقام
تفيد مسؤولة قسم الهندسة في وزارة التربية، المهندسة مايا سماحة، أنّه كان هناك أكثر من 115 مدرسة خاصة تضرّرت من جراء الانفجار، وانتهت أعمال الترميم والتصليح في معظمها، وهي على وشك أن تنتهي كلّها.

وتقول في حديث لـ"النهار" أنه "في المدارس الرسمية بلغ عدد المدارس المتضرّرة 94 مدرسة، حيث كانت الأضرار متفاوتة. ففي 27 منها كانت الأضرار خفيفة، وفي 34 منها كانت الأضرار متوسّطة، وفي 5 كانت ذات أضرار بالغة، ويتمّ ترميمها في الوقت الراهن. أمّا المدارس الباقية من الـ 94، فقد أنهت جميعها أعمال التصليح، وتأمّنت مبانٍ مدرسيّة أخرى للطلاب، ريثما تنتهي ورش مدارسهم، كيلا تنقطع الدروس".
 

القضيّة الماديّة بدمارها وأموال الإعمار لا يُمكنها أن تُنسينا البُعد النفسيّ لانفجار المرفأ، والذي تستحضره المدارس المدمّرة، فتبعث في أهلها ذكريات وعواطف، تتّصل بالصفّ والمقعد الدراسيّ، ما يجعل من الصعوبة الفصل بين الإنسان والمكان، تماماً مثلما حصل مع طلاب معهد الحكمة (الأشرفية) الذين لم يتمكّنوا من البقاء غير مبالين لدى زيارتهم مدرستهم المدمّرة، حيث "صُدِموا بعد رؤيتهم كلّ ذكرياتهم أرضاً"؛ هذا ما يرويه مدير معهد الحكمة، الخوري هادي عبود.
الصفوف والكافتيريا والملعب والمعدّات في الورشات العمليّة، والأماكن حيث كانوا يجلسون، جميعُها مدمَّرة بشكلٍ فظيع، لا سيّما الصفوف التي انهار أغلب أجزائها. فالدمار، وفق عبود، "كان مخيفاً، وكان جليّاً وقع الصدمة على وجوه الطلاب ووجوه الإداريين عندما أتوا لرؤية ما حلّ بالمدرسة؛ فتعابيرهم يومها ستبقى محفورة في الذاكرة".

لم يقتصّر التأثر بحال المعهد على الطلاب بل عمّ الكادر الإداري والموظفين أيضاً، الذين يعانون يومياً بمشاهدتهم الدمار أمام ناظريهم. ومنذ الانفجار حتى اليوم، يحضر هؤلاء وسط أعمال الترميم، ومنهم أشخاص تربّوا في هذا المعهد، حيث يواجهون يوميّاً تداعيات الانفجار.

وإن كان صعباً من الناحية النفسيّة رؤية الدمار بشكلٍ يوميّ، إلا أن عبود يتمسّك بإيمانه بأنّه "من قلب الموت تخرج الحياة، والله يتدبّر أمرنا لكي نُخرج شيئاً أجمل من قلب هذا الانفجار. وعزاؤنا أنّ معهدنا سيعود أفضل ممّا كان عليه، مهما كان الوجع النفسي من جراء الانفجار؛ وإن تعايشنا معه، فإنّه لا يمكن أن يختفي، بل سيبقى الجرح في مكانه".
 
تصوير حسن عسل
 
خلال زيارتنا الميدانيّة، أجرينا مقابلة مع الخوري عبود على مسرح المعهد، الذي تحوّل إلى مكاتب إداريّة موقتة، ورأينا مشهد إعادة إعماره من الداخل والخارج.

استغرق الترميم في المعهد وقتاً كبيراً وما يزال مستمراً، وواجه تحدّيات جمّة، منها تأمين التمويل المطلوب في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة؛ فالخسائر كانت ضخمة لدرجة أنّه لا يمكن لمؤسسة وحدها أن تغطّيها، ما استدعى مشاركة منظّمات دوليّة وكنسيّة في تمويل نفقات ترميم المعهد.

والمعهد المتضرّر واحد من مدارس أخرى ورعايا، وأضراره جزءٌ بسيط من الأضرار التي تعرّضت لها أبرشية بيروت المارونية، التي تتمثّل بكنائس ومدارس ومنازل.

يتطلّب إعمار المعهد جهوداً ضخمة، يزداد عبئها في ظلّ الإقفال التام، والتضخّم، والعوامل، التي تؤخّر إنجاز الترميم. 
لكن المفترض أن يتسلّم المعهد جزءاً من المدرسة في أواخر شهر آب، مع إعطاء الأولوية لإنجاز الصفوف والورشات العمليّة لضمان عودة الطلاب في العام المقبل، فيما ترميم الإدارة سينتهي في شهر تشرين.

ويعبّر عبود بغصّة أنّ "الذكريات الجميلة في المعهد لا يمحوها الانفجار، لكن أماكن الذكريات اختفت بفعله، فكلّ شيء في المعهد يذكّر بالانفجار، لكن لطالما مرّ لبنان بويلات وحروب، لكنّنا نعود ونبني الأفضل".
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
ومن المدارس التي تضرّرت بشكلٍ كبير بانفجار المرفأ مدرسة "الثلاثة أقمار" في الأشرفية، وهي أول مدرسة أنشئت في بيروت، وعمرها 186 عاماً. مبناها أثريّ شُيّد في القرن التاسع عشر، وإعادة إعماره تطّلبت تقنيّات دقيقة جداً، وتمويلاً أكبر من أيّ مبنى عادي.

تقول مديرة مدرسة "الثلاثة أقمار"، نايلة ضعون، إنّ "التمويل كان من جهات عديدة محليّة، ومن جمعيّات ومنظّمات دوليّة ومحليّة، والدعم الأساسي كان من المطرانيّة لموظفي هذه المدارس".

والمدرسة المذكورة هي واحدة من ضمن خمس مدارس تابعة لمطرانية بيروت للروم الأرثوذكس تأخّرت في إنجاز الترميم وأعمال التأهيل؛ فثلاثة منها تضرّرت بشكلٍ هائل، وهي "الثلاثة أقمار" و"البشارة الأرثوذكسية" و"زهرة الإحسان"؛ أمّا "ثانوية السيدة الأرثوذكسية" ومدرسة "مار إلياس بطينا" فاستطاعتا العودة بشكلٍ أسرع بسبب بساطة الأضرار التي اقتصرت على النوافذ والأبواب.

وتروي ضعون أنّ الانفجار محا أجزاء كثيرة من المدرسة، "لكن ذكريات المدرسة ما قبل الانفجار لم تُمحَ، لا بل هي تنبض من جديد مع عودة الطلاب تدريجياً إلى المدرسة".
فقد عادت المدرسة لاستقبال طلابها منذ بداية شهر أيار، بما أنّ الصفوف جميعها ترمّمت، وبقيت أماكن تشمل مبنى الحضانة والمكتبة والمختبر وجزءاً من الملعب. أمّا في المدارس الأرثوذكسية الأخرى، فلا يزال هناك طوابق بأكملها في مرحلة الترميم حتى الآن، بسبب حجم الدمار الكبير الذي لحق بها.
 
تصوير حسن عسل
 وعن الأثر النفسي والمعنوي، تؤكّد ضعون أنّه "كبير جداً على التلاميذ والأساتذة والعاملين في المدرسة، وقد استغرق الأمر وقتاً لدى الجميع لكي يستوعبوا ما رأيناه من دمار بعد الانفجار؛ فهناك مَن استمرّ تأثّرهم الشديد طوال السنة، ومنهم البعض شعروا بالخوف من العودة إلى المدرسة، ومنهم من لم يصدّق أنّها فعلاً ستُرمّم".

لاحظنا خلال جولتنا في المدرسة عمّال بناء ينهون أعمالهم في حضانة الأطفال والمكتبة، بالتزامن مع نشاطات ترفيهية للأطفال في المدرسة، فتلفت المديرة نظرنا إلى أنّه "حتى الآن، ومع جميع الظروف الصعبة، فإنّ هذه السنة هي أكثر سنة تشهد طلاباً تتمّ معالجتهم من قِبل المعالجين النفسيّين في المدرسة، أو نحن نتابعهم مع أهاليهم من قرب، بسبب الآثار النفسية الجمّة، حيث الانفجار استحوذ على الحصّة الأكبر. فالطلاب انحبست أنفاسهم لدى رؤيتهم هول ما حلّ بمدرستهم، ولذلك، أقمنا لهم بعض النشاطات في المدرسة ليفرحوا بوجودهم فيها".
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
تصوير حسن عسل
 
إلى المدارس المذكورة، نضيف مدرسة "ثانوية راهبات المحبة" في الأشرفية. وعلى مقربة من المدرسة، وفي طريقنا إليها، لم تظهر أيّ علامة على الدمار أو الأضرار، فمبناها الكبير أشبه بحصنٍ منيع. وفي نظرة عامّة إلى الداخل، اتّخذت الثانوية حلّة جديدة.

توضح مديرة "ثانوية راهبات المحبّة"، الأخت ندى أبي فاضل، أنّ المدرسة تضرّرت بشكلٍ كبير جداً، ما جعل أعمال الترميم تستغرق وقتاً دون أن تنتهي بعد؛ فأبواب الصفوف مثلاً ركّبت منذ ثلاثة أسابيع فقط، ولا يزال جزء كبير من المدرسة مثل المسرح والمركز الرياضي وطلاء المدرسة كلّها والستائر والمعدّات والأرضيّات، لم يُنجَز بعد.

تخطّت قيمة الأضرار في المدرسة النصف مليون دولار، حيث دُمّر 90 % من قرميدها وجزء كبير من حيطانها، وجميع أبوابها ونوافذها وأرضيّاتها أيضاً، ما يتطلّب تمويلاً صعباً وفق الأخت ندى، التي تشير إلى تلقّي المدرسة مساعدات لإعادة الإعمار من مؤسسة Œuvre d'Orient الفرنسية والدولة الفرنسية لترميم القرميد والحيطان. وهناك شركة ألمانية ساهمت في إعادة ترميم النوافذ، بالإضافة إلى مساعدة من منظّمة اليونسكو على مستوى الأبواب والأخشاب، فيما ساهمت مؤسسة أخرى بترميم الأرضية والأبواب والمسرح، إلى جانب مبادرات فردية. وقدّم قسم الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت الألعاب لملعب المدرسة.
 
تصوير حسن عسل
 
وتتحدّث أبي فاضل بحرقة عن "الأثر النفسي لهذا الانفجار" فقد كان كبيراً جداً، لأن "الوضع الاقتصادي لأهالي طلاب المدرسة هو وسط وما دونه، وفي هذا الإطار، بُنيت المدرسة على تضحيات كبيرة جداً، فكلّ حجر فيها بُني على تضحياتنا وتعبنا ومجهودنا وهذا يعني لنا الكثير، لذلك، رؤية دمار هذه التضحيات كلّها بلحظة هو أمر هائل".

وفي معرض حديثها، تشرح أبي فاضل أنّ في المدرسة تلامذة متأثرين حتى الآن بالانفجار، ويُتابعون من قبل معالجة نفسية خلال العام الدراسي. فالتلامذة كانوا يعتبرون المدرسة منزلهم، وتربطهم بها حالة عاطفية، ما أشعرهم بوجع دمارها، لكنّهم سيفرحون لدى رؤيتهم شكلَها الجديد.

وعلى الصعيد الشخصي تروي:"شاهدت الانفجار بأمّ عيني، ولا أزال حتى الآن أرتعب من سماع باب يُغلق على حين غرّة، والجرح عميق جداً ولا يُشفى بسهولة".
 
تصوير حسن عسل
 
وبالنسبة إلى أبي فاضل، "الانفجار محا كثيراً من الأشياء الجميلة في المدرسة من الناحية الجمالية والتجربة العاطفية التي يخوضها الطلاب فيها، كما أنّه كان للمدرسة خصوصيّة من حيث عمرانها".

وأثناء تجوالنا في المدرسة، تدلّنا الأخت على الأبواب المحطّمة وتقول بحرقة: "لم يقوَ قلبي على التخلّص منها، فهي من تراث المدرسة وتعني لنا الكثير".

وتؤكّد أبي فاضل، أنّ المدرسة "مبدئياً، ستكون جاهزة لاستقبال الطلاب في أيلول؛ فالصفوف تجهّزت لاستقبالهم، وجرت امتحانات الثانوية فيها، والإدارة بانتظار وعود بعض الجمعيات بمساعدات إضافية".
 
تصوير حسن عسل
 
 
التمويل
عن تمويل ترميم المدارس الرسمية، تشير مسؤولة قسم الهندسة في وزارة التربية، المهندسة مايا سماحة، الى أن "السفارة السويسريّة موّلت ترميم 19 مدرسة منها، واليونيسف 4 مدارس، والمدارس المتبقّية من الـ 94، اهتمّت بتمويل ترميمها منظمة اليونيسكو التي جمعت تمويلاً من دول ومنظّمات".

وعن إمكانية عودة الطلاب إلى مدارسهم في العام المقبل، وفق تصوّر سماحة، "ستكون نسبة جهوزية المدارس كافة لاستقبال الطلاب 99% في شهر أيلول، ويبقى الـ 1% لانتهاء بعض الأعمال التي قد تستغرق شهراً أو شهرين إضافيين بعد أيلول".

وتؤكّد سماحة أنّ "جميع المدارس رُمّمت وجرى تصليح المتضرّر منها، وأنّ هناك جهات مانحة تقدّم دعماً إضافياً للمدارس الرسمية، لا علاقة له بأضرار الانفجار، إنّما لتحسين أوضاعها".
 
قد يرمّم الحجر، لكن ندوب النفس تبقى عميقة، كما أن مآسي القطاع التربوي باتت تتجاوز اليوم مصيبة 4 آب المباشرة، بفعل سياسات وظروف أنهكت التعليم السليم. 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم