الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

بعد الأزمة العالمية و"شبح الجوع"... لماذا لا نزرع القمح الطري لصناعة الخبز في لبنان؟

المصدر: النهار
فرح نصور
إنتاج الرغيف الأبيض (نبيل إسماعيل).
إنتاج الرغيف الأبيض (نبيل إسماعيل).
A+ A-
بعد النزاع في أوكرانيا، انعكست أزمة القمح العالمية مباشرة على لبنان، الذي يعتمد بشكل أساسي على استيراد القمح الطريّ لصناعة الخبز. وفيما يُشاع أنّه لا غنى للبنان عن استيراد هذا القمح من الخارج، لأنّ القمح القاسي لا يصلح للخبز، وأنّ هناك عوائق أمام زراعة القمح الطريّ في لبنان، نسأل: هل يمكن زراعة القمح الطري في لبنان؟ وماذا عن تكلفته؟ ولِمَ لم يُصر إلى دعم هذه الزراعة؟

إذا ما عدنا إلى السنوات الماضية، نجد أنّ "مصلحة الليطاني" بادرت في خريف العام 2019 إلى زراعة القمح الطريّ، وزرعت نحو 150 هكتاراً من استملاكاتها، متحدّيةً بذلك الفكرة السّائدة بأنّ زراعة القمح الطريّ في لبنان غير ممكنة. وأنتجت المصلحة في العام 2020 ما يقرب من 135 طناً من هذا القمح، الذي يُستخدم في صناعة الخبز، بينما أنتجت أراضي المصلحة 85 طناً من النوع نفسه في 2021، وأطناناً أخرى من القشّ الذي يُستخدم كعلف للحيوانات. لكن وزارة الاقتصاد لم تشترِ هذا المحصول حينها.
 
(نبيل إسماعيل)

كذلك، مصلحة الأبحاث العلميّة الزراعيّة التي تزرع القمح الطريّ منذ عقود، وتنتج البذار المخصص له، أنتجت منذ 5 سنوات 10 آلاف طن من بذار القمح الطريّ والقاسي بنوعيّة ممتازة، بيعت للمزارعين، وأنتجوا القمح. ومنذ سنتين، طُلب إلى وزارتي الاقتصاد والمالية شراء المحصول بثلث السعر العالميّ، لكنّهما رفضتا، فالحكومات السابقة لم يكن لديها رغبة بدعم زراعة القمح، بالرغم من أنّ هذه الزراعة وصلت إلى إنتاج 160 ألف طن قمح في لبنان. وباع المزارعون محاصيل القمح هذه في السوق، وأحجموا عن زراعة القمح لأنّ الدولة لم تشجّعهم.
 
(نبيل إسماعيل)

 إذاً، بسبب عدم اهتمام الدولة بدعم زراعة القمح، المادة الاستراتيجية لأيّ بلد في العالم، واعتمادها على استيراده، اقتصرت زراعة القمح محلياً على القمح القاسي لإنتاج المونة (برغل وفريك...)، وتحوّل بعض المزارعين إلى منتجات زراعيّة أخرى.

في هذا الإطار، رئيس مجلس إدارة مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، ومديرها العام، ورئيس مجلس أمناء منظمة "إيكاردا" الدولية للقمح، الدكتور ميشال فرام، وفي حديثه لـ "النهار"، يورد أنّ زراعة القمح الطريّ في لبنان ليست ممكنة فقط، بل هي ضرورة، ومقولة أنّ زراعته في لبنان غير ممكنة كلام غير صحيح، ولا أساس علميّاً له".

وقد أنشأت المصلحة 8 مستودعات ضخمة لتخزين القمح. فهي بعد إنتاجها للقمح الطريّ، وبالرغم من عدم دعم الدولة لهذا المحصول، تابعت المصلحة إنتاج بذار قمح مؤصّل قاسٍ وطريّ، وهي أساساً مسؤولة عن إنتاج بذار القمح. وللمصلحة نحو 3 آلاف دونم، تزرعها لتأصيل القمح والشعير والأعلاف.

ويُمكن زارعة القمح الطريّ في سهول عكار ومناطق أخرى، بدءاً من دير الأحمر حتى النبطية ومرجعيون والجنوب، و"الإنتاج يكون ممتازاً، إذ ليس هناك أيّة معوّقات لزراعة القمح الطريّ؛ فالتربة والمناخ مواتيين جدّاً، وهي زراعة غير مكلفة على المزارع"، وفق فرام.
 
(نبيل إسماعيل)

 وكان لبنان يستهلك نحو 450 ألف طن قمح سنوياً قبل النزوح السوري إليه. وبعده، قارب الاستهلاك المحليّ الـ900 ألف طن. وقد رفع فرام مشروعاً لوزير الزراعة، حالياً، يضمن فيه إنتاج 250 ألف طن من القمح الطريّ، أي نحو ربع حاجة السّوق، من قمحٍ ذي نوعية ممتازة في غضون العام 2025، بتكلفة 12 مليار ليرة، وهو مبلغ أقلّ من استيراد القمح، "فعلينا تأمين احتياطي قمح في ظلّ هذه الأزمة العالمية، فيما دول عديدة تحجم عن تصدير القمح". ويضيف أنّ المساحات الزراعيّة كافية لإنتاج الكمّية هذه بسهولة، علماً بأنّ المصلحة ترفض أسبوعياً إدخال باخرة من القمح المستورَد، لأنّه غير مطابق للمواصفات.
 
الكلام على أنّ القمح اللبناني لا يصلح للخبز هو غير صحيح وظلم للمزارع
 
يحتاج المزارع بشكل كبير إلى زراعة القمح. فهو مُجبَر على هذه الزراعة للحصول على دورة زراعيّة سليمة لأرضه، ولإراحتها من الأمراض والحشرات، إلى جانب الاستثمار بهذه الزراعة لجني الربح بتكلفة قليلة جداً.

في هذا السياق، يؤكّد رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع، إبراهيم ترشيشي لـ"النهار"، أنّنا "قادرون في لبنان على التحكّم بنوع القمح الذي نريد، والتجارب السابقة أثبتت ذلك، فلتطلب الدولة زراعة القمح الطريّ والمزارع سيستجيب".

إنتاج لبنان الحالي من القمح يتراوح ما بين 40 إلى 60 ألف طن سنوياً. وإذا ما قرّرت الدولة تسلّم القمح من المزارعين بالتسعيرة العالمية، فسيزداد إنتاج القمح المحليّ ليصل إلى 100 ألف طن، بحسب ترشيشي.
 
(نبيل إسماعيل)

وعن خطوات يمكن تنفيذها في ظلّ الأزمة العالمية لمساندة الأمن الغذائي من القمح، يرى ترشيشي أنّه "انطلاقاً من الحسّ الوطني، يجب منع تصدير القمح نهائياً من لبنان، وعلى الدولة الأخذ على عاتقها تسلّم القمح من المزارعين بالسّعر الذي تستورده من الخارج، أي بـ450 دولار للطن، أو حتى بأقلّ بـ50 دولار، ويرضى المزارع".

ويرفض ترشيشي ما صرّح به وزير الاقتصاد بأنّ القمح اللبناني لا يصلح للخبز، "فهذا الكلام غير صحيح، وهو ظلم للمزارع، والمطاحن لن تشتري كيلو القمح من المزارع بـ5000 ليرة بينما تشتريه مستورَداً بـ700 ليرة". ويستشهد بأنّه في الأيّام القديمة في لبنان، لم يكن الخبز يُنتَج فقط من قمح مستورَد، إنّما كان يُخلَط بطحين محليّ لتكون جودته وطعمه أفضل؛ وعلى الدولة استلام القمح المحليّ بأسعار تشجيعية تفوق السعر العالمي.
 
على الدولة استلام القمح المحلي بأسعار تشجيعية تفوق السعر العالمي

في الإطار نفسه، يؤكّد رئيس جمعية المزارعين في لبنان، أنطوان الحويك، كلام ترشيشي بالقول إنّ "القمح الذي يُزرع في لبنان هو القمح القاسي، وهو نافع لصناعة الخبز والطحين على عكس ما يُشاع، بدليل أنّه في حرب تموز، كانت منطقة الشمال كلّها تصنع الخبز لمدة 3 أشهر من القمح القاسي، الذي تسلّمته وزارة الاقتصاد من مزارعي عكار".
 
(نبيل إسماعيل)

 وعن معوّقات زراعة القمح من قِبل المزارع، يشرح الحويك بأنّ وزارة الاقتصاد تستلم القمح من المزارعين بتسعيرة تقرّها هي. لكن المشكلة هي أنّ السّعر العالميّ للقمح كان منخفضاً، وإذا ما أراد المزارع البيع على هذا السعر، فلن تعود عليه بربح؛ لذلك يعتمد المزارع على شراء الدولة للقمح. إضافة إلى التسعيرة التي كانت تضعها الدولة. فكلّما كان سعر الدولة أعلى من السعر العالمي، تشجّع المزارع أكثر.
 
(نبيل إسماعيل)
 
وفي ما يتعلّق بالمساحات الزراعية لتلبية حاجات السوق من القمح، يفيد الحويك بأنّ حاجات السوق من القمح تفوق الـ600 ألف طن من القمح، وهي كمّية من الصّعب أن تؤمّنها مساحات لبنان الزراعيّة، إذ ليست كلّ المساحات تُزرع قمحاً. لكن إذا ما تمّ تأمين 300 ألف طن من القمح المحليّ، فلا شكّ في أن الخطوة تكون بالغة الأهمية للأمن الغذائي؛ وذلك لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال تقديم أسعار قمح تشجيعية للمزارع عبر زيادة سعر القمح المحليّ عن السعر العالمي. ويلفت إلى أنّ في لبنان أراضيَ غير محروثة، يُمكن استصلاحها لزراعة القمح، خصوصاً أنّ زراعة القمح لا تحتاج إلى الريّ.

اقرأ أيضاً: في السوبرماركت الدفع 50% بالبطاقة الائتمانية... الشراء الإلكتروني عن بعد لن يسلم أيضاً!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم