الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ترسيم الحدود البحرية تحت مجهر الفوائد الاقتصادية للبنان... ماذا نعرف عن الجانب التقني حتى الآن؟

المصدر: النهار
فرح نصور
من الاجتماع التقني اليوم في قصر بعبدا (تصوير نبيل اسماعيل).
من الاجتماع التقني اليوم في قصر بعبدا (تصوير نبيل اسماعيل).
A+ A-

اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين "لبنان" و"إسرائيل" بات قريباً جداً، بحسب المعنيّين. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ترأس الاجتماع التقني الاستشاري "لبحث العرض الخطي للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بشأن ترسيم الحدود البحرية الجنوبية ووضع كل الملاحظات لرفع تقرير في وقت قريب ردّاً على عرض الوسيط الأميركي الأخير".

وفي السياق، أفادت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بأنّ كبير مفاوضي إسرائيل في ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان قدّم استقالته، تزامناً مع وصول مدير وزارة الطاقة الإسرائيلية إلى باريس للقاء مسؤولين في شركة "توتال" وبحث حصة "إسرائيل" من أرباح حقل قانا.

وقد سرّبت "إسرائيل" مسوّدة المقترح الذي طرحه هوكشتاين، وقدّمه للجانبين الإسرائيلي واللبناني، وتتضمّن مجموعة من الاقتراحات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية. وبحسب "كان" الإسرائيلية، فإنّ النقاط الرئيسية للاتفاقية الناشئة تشمل:

- رسم خط الحدود البحرية في الغالب على أساس الخط 23، الذي يترك معظم الأراضي المتنازع عليها تحت السيطرة اللبنانية.

- بناء أول خمسة كيلومترات من الخط الحدودي على أساس "خط العوامات" الإسرائيلي الواقع شماله. وهذا الخط الذي أسسته "إسرائيل" من جانب واحد وهو ضروري لـ"إسرائيل" من وجهة نظر أمنية.

- ستكون منصة الغاز في "كاريش" تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

- في حقل قانا، ستُبنى منصة حفر لبنانية، وستحصل "إسرائيل" على مكافآت من شركة الغاز "توتال" عن جزء الحقل الموجود في أراضيها. ولم يتم الاتفاق الكامل على تفاصيل الاتفاق بين "إسرائيل" و"توتال".

الملفّ متشعّب، ويحمل أبعاداً سياسية بالدرجة الأولى. لكن ماذا عن جانبه التقني والاقتصادي؟

الشركة المشغِّلة الأساسية للاستكشاف والبحث هي شركة "توتال" وهي موجودة في البلوك رقم 9 وعليها أيضاً أن تقتنع بالاتفاق الذي سيتم بين لبنان و"إسرائيل"، فلكلّ من شركتي "توتال" و"إني" 40 في المئة من حصة البحث والاستكشاف في البلوك كموجِبات مالية، ويبقى على لبنان الـ20 في المئة. ويجب الانتظار لمعرفة ما ستتّفق عليه الدولة اللبنانية مع شركة "توتال" وشركة "إني". فبنظر الدولة اللبنانية هناك أهمية اقتصادية من هذا البحث والاستكشاف واتفاق الترسيم، بحسب لوري هاياتيان، خبيرة النفط والغاز.

وبرأيها، "لا يمكن الحديث عن الاستفادة الاقتصادية قبل التأكّد وإيجاد الغاز في هذه الحقول والبلوكات، فأمام شركة "توتال" ثلاث سنوات للاستكشاف في البلوك 9 وحوالي سنة للاستكشاف في البلوك 4، وهناك تفاصيل تقنية مسؤولة عنها شركة "توتال" تتعلّق بالفترة الزمنية التي ستضعها للبحث، والتي على أساسها سنرى إن كنّا سنتمكّن من إيجاد الغاز، وبالتالي الاستفادة منه.

كذلك علينا النظر إلى الدولة اللبنانية وعلى طريقتها في الاستفادة من ترسيم الحدود بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمانحين الخارجيين والبنك الدولي، فالدولة تعتبر أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل" هو ورقة تفاوضية لمصلحتها في مفاوضاتها مع هؤلاء المانحين وهذه الجهات، لكونها تعتبر أنّ هذا الاتفاق يعزّز الاستقرار السياسي، ويتعزّز موقفها أكثر خلال هذه المفاوضات". 

أمّا عن آلية مسار التنقيب التقنية وما تستغرقه من الوقت، فتقول هاياتيان إنّ شركة "توتال" ستضع خطة عمل وتختار نقطة حفر وترصد الأموال اللازمة للحفر كي تجد الشركات المسؤولة عن الحفر وعن هذه الأعمال، وقد يستغرق هذا المسار حوالي سنة لكي تبدأ هذه الشركات بالحفر. لذلك، إذا ما تم الاتفاق على الترسيم منتصف هذا الشهر، فلن تبدأ أعمال البحث هذا الشهر.

صحيح أنّ ما يُعرض على الإعلام هو أنّ حقل قانا يتضمّن ضعف ما يتضمّنه حقل كاريش، لكن لا يمكن الحديث عن أرقام بالكمّيات والأحجام قبل البحث. وإذا ما وُجد النفط والغاز في حقل قانا، فإن فوائده الاقتصادية لن تجعل لبنان من الدول الثرية، بحسب هاياتيان. لذلك، هناك اعتبارات عديدة يجب أن نلتفت إليها قبل الحديث عن الاستفادة التجارية والاقتصادية من حقل قانا. فإيجاد آبار وحقول جديدة يحتاج إلى اكتشافات وأبحاث متواصلة وأعمال حفر دائمة، تحتاج إلى إنفاق كبير، بالتالي، "لا يجب الحلم بالأحلام الوردية".

لكن السؤال الأساسي الذي يُسأل: من أين للبنان المنهوب والمفلس، أن يأتي بنفقات العشرين بالمئة الواجبة عليه لأعمال البحث والاستكشاف؟

تجيب هاياتيان: "لا نعرف، إذ إنّ مشاركة الدولة اللبنانية في تكاليف أعمال الحفر والبحث تضع مسؤولية أكبر عليها، كما أنّنا لم نرَ شركة "توتال" ترحّب بالدولة اللبنانية كشريكة في هذا المشروع معها، نعم، في القانون الدولي لبنان هو شريك في هذا المشروع، لكن هل هي شراكة مرحَّب بها من دولة مفلِسة؟".

وتضيف: "صحيح أنّ الدولة اللبنانية تستعيد بهذا الاتفاق جميع المساحات المتنازَع عليها وهي 860 كيلومتراً، لكن في القانون الدولي كان يحق للبنان مساحة أكبر بعد فاصل الخط 29 وهي مساحة نفط وغاز أيضاً، لكنّه تخلّى عنها. ولو أنّ لبنان وصل إلى الخط 29 وتسلّمه، لحصل على كامل حقل قانا دون أن تحصل "إسرائيل" على تعويضات من تنقيب لبنان في هذا الحقل، ولما كان ثمة مجال للتفاوض بعد بين كاريش وقانا". 

وبحسب ما سرّب الإعلام الإسرائيلي عن مضمون اتفاق الترسيم، فإنّه في حقل قانا، ستُبنى منصّة حفر لبنانية، وستحصل "إسرائيل" على مكافآت من شركة "توتال" عن جزء الحقل الموجود في أراضيها، ترى هاياتيان أنّ حصول "إسرائيل" على هذه التعويضات هو تقاسم بين لبنان و"إسرائيل"، فلو حصل لبنان على الخط 29 لكان الخط الفاصل بعد حقل قانا، أي إنّ الحقل سيكون كاملاً للبنان "بدون جميلة أحد"، وإن كانت هذه التعويضات من شركة "توتال" وليست من الجانب اللبناني. فالجانب الاسرائيلي اكتشف حقل كريش وما يتضمّنه من موارد، أمّا الجانب اللبناني فليس أكيداً ممّا يتضمّنه حقل قانا، إضافة إلى تقاسم الجانب الإسرائيلي من تعويضات حقل قانا.

من جهته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، اليوم، أنّ "إسرائيل ستحصل باتفاقها مع لبنان على ملكية كاملة لحقل كاريش بالإضافة إلى جزء من حقل قانا".

وفي سياق متّصل، قال مصدر مطّلع لـ"رويترز" إنّ المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية موجود في باريس اليوم لإجراء محادثات مع شركة "توتال إنرجيز" بشأن تقاسم أرباح محتمَل من تنقيب الشركة في حقل للغاز الطبيعي قبالة سواحل لبنان.

 

فائدة محدودة إن حصلت...

بحكم المعاهدات الدولية التي وقّع عليها لبنان، "يجب البدء بترسيم الحدود البرية التي تُستكمَل بترسيم الحدود البحرية، وفي ملف الترسيم في لبنان، نقطة رأس الناقورة هي الأهمّ، ويبدو أنّ هذه النقطة طارت في ظل هذه المفاوضات"، بحسب الخبيرة في حوكمة النفط والغاز، ديانا قيسي.

وبرأيها، "ما يجري هو إحداثيات ضعيفة قانونياً وتقنياً ولا يُعدّ ترسيماً للحدود ولا اتفاقاً، إذ ليس هناك أي ضمانات من الجانب الإسرائيلي، وذلك بلسان قادته، فعند أيّ استحقاق قد تتراجع إسرائيل عن اتفاق الترسيم مع لبنان، وبذلك يُنسف كل ما اتُفق عليه".

وتضيف "في غضون أسبوعين، ستبدأ إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش، وستذهب بذلك الفرصة الذهبية على لبنان، وبمجرد استخراج أول كمية غاز من كاريش، سيسقط حق لبنان،  ولا يمكن تقدير حجم كمية الغاز والنفط الموجودة في حقل قانا ما لم يُبحث فيه بعد، إذ إنّ الرهانات كلّها جرت على مسوحات زلزالية ولا شيء مضمون حتى يتم الكشف والبحث والحفر".

ولا ترى قيسي أي فائدة اقتصادية حتى الساعة. وإن اكتُشف النفط والغاز، تكون فائدته الاقتصادية محدودة جداً، "ولا داعي للأحلام". فهذا الأمر، وفق قيسي، "بعيد لأن يحصل في الفترة الزمنية المقبلة، لأنّ المنطقة لم تُرسَّم بعد وما يحصل هو إيداعات لدى الأمم المتحدة من قِبل الجانبين اللبناني والإسرائيلي. إضافة إلى ثمن حفر البئر الذي يبلغ حوالي 60 مليون دولار، وعلى الدولة اللبنانية دفع 20 في المئة من هذه النسبة للبحث، وقد يزيد المبلغ لكون المنطقة التي يُنقَّب فيها عن الغاز والنفط، تحمل مخاطر عديدة".

الفريق اللبناني المفاوض يبدي آماله حيال "المكاسب" الاقتصادية التي سيحققها لبنان، معتبراً أن من يقلّل من شأنها  يمارس فعلاً سياسياً معارضاً غير مبني على وقائع علمية. الأكيد أن الاسرائيلي مارس على الأرض خطوات متسارعة باتجاه التنقيب وسيضمن أمن كاريش في حال إنجاز الاتفاق ووصوله الى خواتيمه، وتبقى العين على السياسات اللبنانية والحوكمة في ملف لا يتوقف الانجاز فيه على اتفاق ترسيم، بل على إدارة شفافة وحماية من براثن منظومة الفساد!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم