الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل يعوّض بايدن عن أفغانستان بالتشدّد مع إيران؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بايدن (تعبيرية- أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بايدن (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-

سيتعيّن على الرئيس الأميركي جو بايدن التعامل مع تداعيات الانسحاب الفوضوي من أفغانستان لفترة طويلة. تأمل الإدارة أن يتراجع قريباً اهتمام الرأي العام الأميركيّ بالمسألة الأفغانية لصالح القضايا الداخليّة الأخرى كي تستعيد عافيتها الشعبية. فاستطلاعات الرأي تظهر الواحدة تلو الأخرى تراجعاً حاداً في التأييد الشعبيّ لأداء بايدن، تراجعاً يمكن أن يرقى إلى انهيار شبيه بالانهيار الأميركيّ المعنويّ والسياسيّ في أفغانستان. لا يوافق الجميع على إمكانيّة أن تتخلّص الإدارة من تداعيات الملفّ الأفغانيّ قريباً.

فأفغانستان لا ترتبط فقط بقضيّة خارجيّة عادة ما تكون خارج نطاق الاهتمامات الأساسيّة للأميركيّين. أظهر التعامل  مع هذا الملفّ، وإلى حدّ كبير، أنّ الإدارة غير كفوءة ومنهجيّة في إدارة المشاكل، مع ما يعنيه هذا الأمر من احتمال امتداد غياب الكفاءة هذا إلى الملفّات الداخليّة.

 

فورد ينتقم

بسبب الضعف الذي أبداه بايدن في التعامل مع "طالبان"، يقارن مراقبون كثر بايدن بالرئيس الديموقراطيّ الأسبق جيمي كارتر. خسر الأخير حظوظه الرئاسية بولاية ثانية بعد إخفاقه في التعامل مع أزمة الرهائن الأميركيين في إيران، حيث كان هذا السبب رئيسياً في توصيفه بالرئيس "الضعيف". طرأت أزمة الرهائن قبل أشهر قليلة على الانتخابات الرئاسية، لذلك، لم يتمتّع كارتر بفرصة للتعويض عن إخفاقه. الأمر نفسه انطبق على سلفه جيرالد فورد الذي أنجز الانسحاب من فيتنام قبل ستة أشهر على الانتخابات الرئاسية. لكنّ فورد تمكّن من انتهاز فرصة كبيرة سنحت أمامه لإعادة تقديم نفسه كرئيس أميركيّ قويّ.

بعد أقلّ من شهر على إتمام سحب آخر جنديّ أميركيّ من فيتنام في نيسان 1975، احتجز مقاتلون من الخمير الحمر سفينة "ماياغيز" التجارية الأميركية وعلى متنها طاقم مؤلّف من 38 مواطناً أميركيّاً. أمر فورد بإطلاق عملية عسكرية لتحرير الرهائن. صمّم الرئيس ومستشاروه على إظهار الصلابة الأميركية للرأي العام الداخليّ والدوليّ فأمروا بتوجّه قوّات من الكوماندوز لتحرير الطاقم. قُتل أكثر من أربعين جنديّاً أميركياً خلال عملية التحرير المعقّدة لكنّ الخمير الحمر أفرجوا عن الطاقم وتخلّوا عن السفينة ممّا رفع شعبية فورد بشكل كبير وفوريّ.

 

"هل مات أخيراً"

بعكس فورد وكارتر، يملك بايدن وقتاً طويلاً للتعويض عن الإخفاق الأفغانيّ في السياسة الخارجية. قد يكون الملفّ الإيرانيّ من أبرز الفرص. لا يرتبط الأمر بأهمية هذا الملفّ بالنسبة إلى الشعب الأميركيّ بمقدار ارتباطه بقدرته على تهدئة الجمهوريّين داخل الكونغرس، وبالتالي التخفيف من الهجوم الإعلاميّ والسياسيّ الذي ينهال على بايدن بقوّة. مع الانتقال السياسيّ في إيران، توقّفت المفاوضات في فيينا. وبدأ الغرب يشعر بأنّ إيران تقترب من تخصيب ما يكفي من المواد النووية لتطوير قنبلتها الأولى. وفي أوائل آب الماضي، قدّر الإسرائيليّون المسافة الزمنيّة التي تفصل إيران عن اجتياز هذه العتبة بعشرة أسابيع. وفي حزيران، قدّر أيضاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذه المسافة بـ"الأسابيع".

في هذه الأثناء، بدأ مراقبون أميركيون يعتقدون أنّ الفوضى الأفغانيّة يمكن أن تمنع إدارة بايدن من إحياء الاتفاق النووي. منذ ساعات قليلة، تساءل أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ماكالاستر أندرو لايثام عمّا إذا كان الاتفاق النووي "قد مات أخيراً" بعد "خطأ بايدن الفادح في أفغانستان". وكتب لايثام في صحيفة "ذا هيل" أنّه بعد هذه التداعيات، من غير المرجّح أن تقدّم إدارة بايدن "العديد من التنازلات التي ستجعلها تبدو ضعيفة وغير كفوءة". ومع أنّه لا ينفي وجود احتمالات عدّة في هذا المجال، "يبدو الآن من غير المرجّح أن تنتج محادثات فيينا ‘خطة عمل شاملة مشتركة +‘". ويبدو أنّ الإسرائيليين في أجواء مشابهة.

فبعد عودته من زيارة البيت الأبيض، قال رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت إنّ اللقاء كان "ممتازاً" مع بايدن وأعرب عن "سروره الكبير" لتأكيد الرئيس الأميركيّ أنّه في حال فشلت الديبلوماسية مع إيران، سيبدي استعداداً لدراسة خيارات أخرى. حتى أنّ بايدن نفسه لم يبدُ "متفائلاً" حيال احتمال عودة إيران إلى الاتفاق النووي.

 

تعويض... من نوع آخر

هل هذه هي الملامح الأولى لتشدّد بايدن مع إيران؟ ثمّة احتمال كبير في أن يكون كلام بايدن بحضور ضيفه مجرّد لياقة ديبلوماسيّة مع سياسيّ إسرائيليّ جديد على رأس الحكومة. علاوة على ذلك، بعكس ما كان عليه الأمر في أفغانستان، يحظى بايدن مع إيران بدعم أوروبي صلب. ربّما يجد في تسريع المفاوضات نوعاً من التعويض على الحلفاء عن الطريقة التي تعامل بها معهم خلال مرحلة الانسحاب. ولا يزال الأوروبيون يائسين للعودة إلى المحادثات، خصوصاً بعد إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً الشهر الماضي جاء فيه أنّ إيران أنتجت معدن اليورانيوم المخصّب بنسبة 20% وزادت إمكانات إنتاج اليورانيوم بنقاء 60%.

لهذه الأسباب، لم يتوقّف كبار المسؤولين الأوروبيين عن دعوة إيران لاستئناف المفاوضات. وهذا ما فعلته فرنسا وألمانيا الأربعاء حين طالبتا بعودة "فورية" أو "بأسرع ما يمكن" إلى طاولة التفاوض. وقال وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين أمير عبداللهيان الاثنين إنّ المحادثات قد تُستأنف خلال "شهرين إلى ثلاثة أشهر"، في إشارة واضحة إلى أنّ إيران غير مستعجلة للعودة إلى فيينا.

كما قال لايثام، لا تزال كلّ الاحتمالات ممكنة. تشدّدُ بايدن وارد وكذلك مواصلة تقديم التنازلات. لكن بالنظر إلى طريقة تمسّك بايدن بأفكاره، يبدو الخيار الثاني أكثر احتمالاً. فكما في أفغانستان، كذلك في إيران، بنى بايدن نظرته السياسيّة إلى الملفّين منذ فترة طويلة، ولا يبدو أنّه على استعداد لتغيير هذا الموقف البعيد المدى. يزداد عدد المراقبين الذين يعتقدون أنّ بايدن ليس من النوع الذي يغيّر آراءه بالاستناد إلى التطوّرات الميدانيّة أو حتى بالاستناد إلى نصائح المقرّبين منه – هذا إن كان مستشاروه يقدّمون له أساساً رؤى مختلفة عن رؤيته.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم