الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

ما هدف بوتين من قمة ثالثة محتملة مع بايدن؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب).
الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب).
A+ A-

حقّق الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين عدداً من المكاسب من خلال تصعيده الأخير حول أوكرانيا. كان آخرها انتزاع قبول رئاسيّ أميركيّ جديد "في المبدأ" بعقد قمّة معه قريباً. واشترط البيت الأبيض عدم شنّ روسيا اجتياحاً ضدّ أوكرانيا من أجل عقد القمّة. وتنفي روسيا بشدّة أنّها في وارد غزو تلك البلاد، غير أنّها تطالب في الوقت نفسه بعدم انضمامها إلى حلف شمال الأطلسيّ (ناتو)، وهو أمر يرفضه الأخير.

توّج هذا الإعلان جهداً كبيراً من الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون الذي توسّط بين نظيريه الروسيّ والأميركيّ لتحقيق هذا الهدف. وسيعدّ مضمون اللقاء وزيرا خارجية البلدين أنتوني بلينكن وسيرغي لافروف خلال اجتماعهما الخميس المقبل على ما ذكره بيان صادر عن الإليزيه. وبحسب البيان نفسه، ستتوسّع هذه القمّة لتشمل "جميع الأطراف المعنيّين"، حول "الأمن والاستقرار الاستراتيجيّ في أوروبا". في الوقت نفسه، قال الكرملين اليوم إنّه "من السابق لأوانه الحديث عن خطط ملموسة لتنظيم قمم". مع ذلك، أشار الكرملين إلى أنّ الاجتماع "غير مستبعد".

يهتمّ الرئيس الروسيّ كثيراً بالصورة التي تجمعه مع الدولة العظمى، بما أنّها تظهر بلاده على قدم المساواة معها. بمعنى من المعاني، ثمّة محاولة تعويضيّة في هذه الصورة عن خسارة النفوذ الذي واجهته موسكو بعد تفكّك الاتحاد السوفياتيّ. سيكون اللقاء المقبل هو الثالث في أقلّ من عام، وقد يتبعه آخر، في حال عدم توصّل الرئيسين إلى تسوية نهائيّة، وهو أمر متوقّع بالنظر إلى الهوّة التي تفصل بين مطالب وهواجس الطرفين. بالرغم من ذلك، قد تحمل القمّة المحتملة المقبلة هدفاً أبعد من مجرّد إبقاء أوكرانيا خارج الحلف الأطلسيّ أو حتى إعادة تأكيد أنّ روسيا قوّة مساوية للولايات المتحدة، أقلّه إعلاميّاً.

كما نجح بوتين في تحقيق مكاسب أوّليّة خلال الأشهر القليلة الماضية مثل فرض أجندته على الساحة الدولية وإظهار تحكّمه بإيقاع اللعبة وإعادة "مينسك 2" إلى الواجهة، نجح بايدن في تحقيق هدف واحد مؤكّد على الأقلّ: إبقاء الناتو متماسكاً. إنّ قمّة ثالثة يمكن أن تزعزع أواصر هذا الحلف، وفقاً للحسابات المحتملة للرئيس الروسيّ. فالحوار بشأن "الأمن والاستقرار الاستراتيجيّ في أوروبا" يحمل في طيّاته بذور انقسام في الرؤية الغربيّة.

 

أسباب الحذر

على الرغم من الانضمام الأوروبي المفترض إلى القمّة الأميركيّة-الروسيّة بحسب البيان الفرنسيّ، سيبقى الحذر طاغياً في بروكسل ممّا يمكن أن يتناوله أو يتّفق عليه بوتين وبايدن. بصرف النظر عمّا قد يصدر عن القمّة الثنائيّة من بيانات، لن تكون مشاهد نهاية الحرب العالمية الثانية التي طغى عليها تقسيم أوروبا إلى مناطق نفوذ بين موسكو وواشنطن بعيداً من الأذهان. إنّ إعادة رسم الخريطة الأوروبية على يد الأميركيين والروس سيصبح أمراً أكثر واقعية كلّما طالت الأزمة وفرض بوتين على واشنطن الإصغاء إلى مطالبه. ربّما يرفض الأميركيّون في البداية أيّ تسوية مع موسكو على حساب الحلفاء الأوروبيين، لكنّ قدرتهم على هذا الرفض قد تتآكل إذا كان عليهم التركيز مجدداً على "التهديد الأساسيّ" الذي يرونه في الصين.

ومن غير المستبعد أن يحاول بايدن إبقاء بوتين بعيداً من بيجينغ، إن لم يكن قريباً من واشنطن، في حال أراد إنجاح سياسته. في الواقع، إنّ إعفاء مشروع استجرار الغاز الروسيّ "نورد ستريم 2" من العقوبات قد لا يكون مستنداً فقط إلى إصلاح العلاقات المتضرّرة مع ألمانيا بل أيضاً إلى التودّد للروس في إطار مواجهة تنامي النفوذ الصينيّ. من جهة أخرى، ليس بوسع الأميركيين الاستمرار طويلاً في تأمين الدفاع عن أمن أوروبا، إذا كان الأوروبيون أنفسهم لا يبذلون الجهد الكافي لتحقيق ذلك (الإخفاق في رفع عتبة الإنفاق الدفاعي وفشل أوروبا في تحصين حدودها الشرقية بحسب بعض الاتهامات).

 

إثارة الانقسامات

إنّ قبول الأوروبيين بمحادثات حول أمنهم وهم يناقشون هذه القضيّة من موقع غير متساوٍ مع الأميركيّين والروس شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً بالكامل. وهذا ما قد يدفعهم إلى التسلّل من خلف القيادة الأميركيّة للبحث عن تسويات ثنائيّة مع روسيا. ليس ميل تحقيق الاستقلاليّة في أوروبا عن الولايات المتحدة سرّاً حتى ولو كانت هنالك اختلافات في كيفيّة تحقيقه. لعلّ فرنسا تشكّل النموذج الأوضح عن هذا الميل. بعد قمّة بوتين-ماكرون في وقت سابق من الشهر الحاليّ، كان هنالك تردّد أميركيّ في التعليق على نتيجة الزيارة. عزّز ذلك انطباعاً بأنّ خطوة ماكرون لم تكن منسّقة مع الأميركيّين، علماً أنّ وسائل إعلاميّة أخرى تحدّثت عن وجوده. من ناحيتهم، يرى الألمان أنّ اعتمادهم الأمنيّ على الولايات المتّحدة يجب ألّا يتمّ على حساب أمنهم الطاقويّ مع روسيا أو الاقتصاديّ مع الصين.

إذا كان ثمّة خلافات تحت أرضية الناتو التي تبدو "متّحدة" حتى الآن، فسيكون بوتين على استعداد لتغذيتها عبر زيادة الشكوك بين الولايات المتّحدة والأوروبيين من جهة، وبين الأوروبيين أنفسهم من جهة أخرى. قمّة ثالثة يمكن أن تخدم الرئيس الروسيّ في هذا الإطار. أشار إلى ذلك مراسل شؤون البيت الأبيض لشبكة "سي أن أن" ستيفن كولينسون حين كتب اليوم عن احتمال "أن يكون بوتين راغباً بالحديث ليس لأنّه يرمش في المواجهة، لكن لأنّه عوضاً عن ذلك يسعى إلى طريق لإبعاد أميركا عن حلفائها قبل الاجتياح". لكنّ مشكلة بايدن قد لا تكون خارجيّة وحسب. كولينسون متأكّد من أنّ الصقور الجمهوريّين سيتّهمونه بمكافأة بوتين على سلوكه في احتجاز أوكرانيا "رهينة" عبر القبول بالقمّة. وإذا فشل الاجتماع مع بوتين وشنّ الأخير هجومه فسيعرّض بايدن نفسه لاتهامات بالضعف. لكن بالمقابل، سيتعرّض الرئيس الأميركيّ لانتقادات إذا رفض الحوار مع نظيره الروسيّ قبل اندلاع الحرب، بصرف النظر عمّا إذا كانت الأخيرة مرتبطة بالقمّة.

لا شكّ في أنّ وضع بايدن صعب وفي أنّ بوتين يسعى إلى جعله أصعب. يبدو أنّ لعبة عضّ الأصابع لا تزال في أوّلها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم