الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

هل يشكّل نافالني خطراً على بوتين؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الشرطة الروسية تنتشر في موسكو خلال جلسة لمحاكمة نافالني (أ ف ب).
الشرطة الروسية تنتشر في موسكو خلال جلسة لمحاكمة نافالني (أ ف ب).
A+ A-

"ما لا يقتلني يجعلني أقوى". هذه الجملة التي قالها الفيلسوف الألمانيّ فريديريك نيتشه، يمكن أن تنطبق على المعارض الروسيّ أليكسي نافالني الذي تدحرجت قضيّته ككرة ثلج بالنسبة إلى صنّاع القرار الروس. بعد تمكّنه من النجاة بمساعدة أطبّاء ألمان عقب تسميمه في آب الماضي، عاد نافالني إلى روسيا على الرغم من كلّ التحدّيات الأمنيّة والقضائيّة التي كانت بانتظاره.

 

شهدت روسيا تظاهرات متصاعدة خلال السنوات الأخيرة. تعدّدت الأسباب التي دفعت قسماً من الروس إلى الاحتجاج، مثل إصلاح قانون التقاعد (2018)، ومنع معارضين من الترشّح إلى الانتخابات المحلّيّة (2019)، وإقالة حاكم منطقة خاباروفسك سيرغي فورغال (2020). اليوم، اندلعت تظاهرات جديدة ضدّ اعتقال نافالني. وفي 2011-2012، شهدت روسيا تظاهرات أيضاً ضدّ عودة الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين إلى الحكم بناء على انتخابات "مزوّرة". لكن ما يميّز الحركات الاحتجاجيّة اليوم هو وجود قائد معروف يتمتّع بالكاريزما والتعاطف على رأس هذه المعارضة، وفقاً لأستاذة العلاقات الدولية في جامعة "نيو سكول" الأميركية نينا خروشيفا. لكنّ جاذبيّته ليست هي التي تصنع الحالة السياسية وحدها.

 

"انقلاب بطيء في القصر"

بالنسبة إلى الزميل البارز في برنامج روسيا وأوراسيا التابع لـ"المعهد الدوليّ للدراسات الاستراتيجية" نايجل غولد-دايفس، يمثّل نافالني "تحدّياً غير مسبوق للنظام" لأنّه لم يكن يوماً جزءاً من النخبة ولم ينتفع من مواردها، بعكس المعارضين الآخرين. حتى أنّه يرفض أيضاً التحالف بين المجتمع المدنيّ وبعض المعتدلين من النخبة لإصلاح الدولة، بل "يركّز فقط على لعبة الأرقام لإحداث التغيير: الناس أكثر بكثير من قامعيهم".

 

بالفعل، ليست النخبة الروسيّة جسماً سياسيّاً موحّداً. تشير خروشيفا في موقع "بروجكت سنديكايت" إلى وجود مخاوف لدى بوتين من احتمال حدوث "انقلاب بطيء في القصر". فمنذ ضمّ القرم، خنقت العقوبات الغربيّة الاقتصاد الروسيّ مغذّية الاستياء بين النخب السياسيّة في البلاد والتي تتوق للوصول إلى حساباتها المصرفيّة في سويسرا والفيلّات الإيطاليّة. وأضافت: "قد يسعون الآن للإطاحة ببوتين، بالطريقة نفسها تقريباً التي أطيح بها نيكيتا خروتشيف سنة 1964".

 

وثمّة ملاحظة أخرى سردها غولد-دايفس عن النخبة السياسيّة الحاكمة في روسيا. فطريقة التعامل مع نافالني تظهر حجم التناقض داخل ذلك النظام: "في آن قويّ وقمعيّ، لكن لا يشعر بالأمان ويحظى بمقدار ضئيل من الولاء الفعليّ حتى بين الموظّفين". ويقصد بتضاؤل حجم الولاء ما يستطيع أن يحصل عليه نافالني من معلومات ومستندات عن الفساد في روسيا عبر ظاهرة التسريب التي يقوم بها بعض الموظّفين من الداخل.

 

"النجاة" كهدف؟

في تقرير نشرته السبت، عرضت "النهار" ما كتبه أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة "نورث إيسترن" بابلو كالديرون مارتينيز عن طريقة تعامل الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين مع قضيّة المعارض الروسيّ أليكسي نافالني: "بالنسبة إلى بوتين، الهدف رقم واحد هو النجاة". يضاف هذا التحليل إلى ما ذكره غولد-دايفز وخروشيفا عن التهديد الذي يمكن أن يفرضه نافالني على النظام نفسه. لكنّ هؤلاء الكتّاب لا يرون أنّ هذا التهديد قادر على إسقاط بوتين في المدى المنظور. فخروشيفا مثلاً تشير إلى أنّ مجرّد تظاهرات في عطلة نهاية الأسبوع غير قادرة على تسليم مثل هذه النتيجة. يضاف إلى كلّ ذلك أنّ موسكو استثمرت كثيراً في النظام الأمنيّ على مدى سنوات، وهذا وحده كافٍ لإرساء الاستقرار أقلّه في المديين القريب والمتوسّط.

 

كذلك، يواجه نافالني الحكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، ما يحرمه من الترشّح إلى الانتخابات الرئاسيّة المقبلة أو حتى من أن يكون مؤثّراً إعلاميّاً فيها. وينطبق الأمر نفسه على الانتخابات التشريعيّة في أيلول المقبل. يواجه نافالني أيضاً قضيّة قانونيّة أخرى تتعلّق بتهمة التشهير والافتراء بحقّ أحد المحاربين القدماء. لكن حتى مع افتراض أنّ نافالني لا يواجه عقوبة السجن، من المرجّح أن يكون تأثيره السياسيّ محدوداً في قلب المعادلة، على الرغم من نشاطه الميدانيّ والاستقصائيّ والتغطية الإعلاميّة التي يحظى بها مؤخّراً. وربّما تساهم هذه التغطية نفسها في تكوين انطباع غير دقيق عن وزن نافالني السياسيّ داخل روسيا، وخصوصاً لدى الغربيّين.

 

"رومانسيّة"

تنتقد الكاتبة السياسيّة والمراسلة السابقة في موسكو ماري ديجيفسكي مسارعة بعض الغربيّين إلى استنتاج أنّ نافالني قادر على إسقاط بوتين. فعلى الرغم من أنّ شعبيّة الأخير انخفضت كثيراً خلال السنوات الماضية، لا يزال يحظى بتأييد يتخطّى 60%. وإذا كان نافالني هو السياسيّ الوحيد الذي ارتفعت شعبيّته منذ بداية السنة، فإنّ هذا الارتفاع بالكاد قفز 2%، وتحديداً من 3 إلى 5%. بالتالي، تعتقد ديجيفسكي أنّ نافالني لن يُنتخب رئيساً لا في 2024 ولا في 2030 حتى إنّها تستبعد أن يُنتخب لأيّ منصب سياسيّ. وعلاوة على "رومانسيّة" النظرة الغربيّة إلى المعارضة الروسيّة، تضيف ديجيفسكي في موقع "سبايكد" أنّ كثراً من الروس لا ينظرون بطريقة إيجابيّة إلى تغيير النظام، خصوصاً أولئك الذين عايشوا فترة الفوضى في التسعينيات أو الذين راقبوا الثورات التي انتشرت في العالم العربيّ خلال العقد الماضي. كذلك، يمكن أن يعوّض نجاح لقاح "سبوتنيك في" عالميّاً عن الانتقادات الداخليّة الموجّهة إلى بوتين.

 

إذاً، بوتين ليس مهدّداً بالسقوط خلال السنوات المقبلة، مع أو بدون نافالني. مع ذلك، ردّ الفعل المبالغ به في الردّ على نافالني يسترعي الانتباه. لقد جعل الكرملين من نافالني محور اهتمام الغرب بطريقة مجّانيّة. ربّما كان ذلك مقصوداً لتسهيل وصفه بأنّه "جاسوس" غربيّ وبالتالي القضاء على سمعته السياسيّة في المستقبل. فهل ينجح بوتين في ذلك؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم