الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نجاح الدعم العسكري لأوكرانيا لا يخفي عيوب "الناتو"

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
أوكرانيا (أ ف ب).
أوكرانيا (أ ف ب).
A+ A-

من الناحية الميدانية، يبدو حلف شمال الأطلسي (ناتو) مرتاحاً للنتائج التي يحقّقها الجيش الأوكرانيّ في صدّ الغزو الروسيّ. بعد قرابة شهر على إطلاق روسيا ما تسمّيه "عملية عسكرية خاصة"، سقط الهدف المفترض وحتى المرجّح للقوات الروسية بالسيطرة على كييف وتعيين حكومة موالية للكرملين. انسحب الروس من المدن والبلدات الاستراتيجية المحيطة أو القريبة من كييف (تشيرنيهيف، بوشا، هوتسومل...) ويتّجهون لتعزيز الجبهة في منطقة دونباس. جاء الانسحاب بعد تكبّد القوّات الروسية خسائر هائلة في الأرواح وفي المركبات العسكرية. والتقارير الواردة عن وضع بوتين عدداً من المسؤولين العسكريين والأمنيين قيد الإقامة الجبرية تعدّ مؤشّراً إضافياً إلى أنّ "المرحلة الأولى" من "العمليّة الخاصّة" لم تسر وفقاً لما هو مخطّط لها.

يجب أن تؤكّد هذه المعطيات نجاح الناتو في تحقيق أكبر أهدافه داخل أوكرانيا: استنزاف الروس ومنعهم من شنّ أيّ هجوم في المستقبل القريب على دولة أطلسيّة. ساعدت أسلحة الحلف القوات الأوكرانية في صدّ التقدّم الروسيّ إن لم يكن دحره في أماكن عدّة. مع ذلك، ومن خلال نظرة أكثر تفحّصاً على المستوى السياسيّ، يظهر وجود ثغرات في طريقة وضع الأهداف وكيفيّة تنفيذها.

 

العرض المفخّخ

تجلّت الثغرة الأولى في عرض الأميركيّين على الرئيس الأوكرانيّ فولوديمير زيلينسكي إجلاءه من كييف في الأيام الأولى على انطلاق الغزو. معنى ذلك أنّ الأطلسيّين كانوا يريدون خفض حدّة المواجهة مع الروس. تبيّن أنّ زيلينسكي هو الذي قلب المعادلة عبر رفض العرض الأميركيّ. ربّما كان في نيّة الأميركيّين تسليح حركة تمرّد أوكرانيّة تتشكّل في المستقبل بعد سقوط كييف، في حال برهنت قدرتها على الاستمرار وإلحاق الأذى بالروس. لكنّ ذلك لا يعفي الأميركيين من الإصرار على البحث عن حلول لتفادي الصدام حتى غير المباشر مع الروس. لو قبل زيلينسكي الهرب من أوكرانيا، لكانت روسيا على الأرجح مسيطرة على كامل أوكرانيا ومستعدّة ربما لتحرّكات عسكريّة أخرى في ترانسنيستريا أو أماكن أخرى. وتفادي الصدام مع بوتين ينقل المراقبين إلى المشكلة الثانية.

 

ممنوع انتهاك "إنش واحد"

تكمن الثغرة الثانية في الإنذار الذي أطلقه الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره الروسيّ فلاديمير بوتين. خلال زيارته بولونيا الأسبوع الماضي قال بايدن إنّه لن يسمح لروسيا بانتهاك بوصة واحدة (إنش واحد) من أراضي أي دولة أطلسية. علّق الكاتب السياسيّ في صحيفة "وول ستريت جورنال" دانيال هنينغر على كلام بايدن كاتباً أنّه من الصعب معرفة ما يعنيه. "يُفترض أن يعني أنّه إذا ارتكب الجيش الروسيّ أيّ فظائع على الجانب غير التابع لحلف شمال الأطلسيّ من مختلف الحدود – على سبيل المثال قصف أوكرانيا أو أسوج بالغاز – تظلّ المادّة 5 خامدة. لكن إذا لامس حذاء أو دبابة روسيين بولونيا أو لاتفيا، (فهذا يعني) الحرب".

أشار هنينغر إلى أنّ أعداء الولايات المتحدة (روسيا، الصين، إيران، كوريا الشمالية) لا يحاولون مهاجمتها عسكرياً فقط، ذاكراً أمثلة كالهجمات السيبيرانية والقرصنة بغرض طلب الفدية وانتهاك معاهدات الحدّ من الانتشار وغيرها. إنّ اقتناع بايدن بأنّ تهديداً كهذا سيحمي الولايات المتحدة أو الدول الأطلسيّة هو "وهم" بحسب الكاتب.

 

مشكلة مع مفهوم الردع

إذا كان الخطّ الأحمر الأميركيّ غير قادر بالضرورة على حماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، فإنّ تهديداً مشابهاً لم يحمِ أيضاً شريكتها الأوكرانية. قبل الهجوم الروسيّ بفترة غير قصيرة، قال بايدن إنّ بلاده لن تتدخّل في أوكرانيا للدفاع عنها. تخلّى الأميركيّون مجّاناً عن سلاح إبقاء بوتين قيد التكهّن، حتى ولو كان عدم التدخّل الأميركيّ مرجّحاً في جميع الأحوال. يصعب ألّا يكون التنازل عن هذا السلاح قد ساهم في تشجيع روسيا على اجتياح أوكرانيا.

إضافة إلى ذلك، فشل الغرب في فرض عقوبات على روسيا قبل الغزو على قاعدة أنّ هذه الإجراءات ستفقد قدرتها الردعيّة. تبيّن أنّ هذه الحسابات لم تكن في محلّها. لو فرض الغرب قسماً من العقوبات خلال الأشهر القليلة الماضية لكان أظهر جدّيّة أكبر في التحرّك ضدّ الغزو. لكنّ بوتين راهن بالضبط على عدم جدّيّة الغرب في المواجهة الاقتصاديّة. الآن، جُرّدت العقوبات من مفعولها الردعيّ، كما من مفعولها الإكراهيّ على وقف الغزو. لا يعني ذلك أنّها لن تترك تأثيراً على الاقتصاد الروسيّ وتالياً على قرارات الكرملين. لكنّ هذا التأثير لن يتحقّق قبل أشهر، أي قبل أن تكون الحرب قد حُسمت أساساً باتّجاه أو بآخر. وثمّة المزيد من المشاكل التي يواجهها الأطلسيّون.

 

مفتوحة وموصدة في آن

لفت الكاتب في موقع "سبايكد" تيم بلاك النظر إلى وجود تناقضات وعدم تجانس في سياسات الناتو. كتب أوّلاً عن "توسيع هجوميّ" لحلف أطلسيّ طبيعته "دفاعيّة". من جهة ثانية، كرّر الحلف رغبته بمنح أوكرانيا عضويّته لكنّه امتنع عن تقديم "خطة عمل العضوية". لقد أبقى الناتو أبوابه مغلقة ومفتوحة في آن، كما شرح بلاك. وبكلمات معبّرة ومكثّفة المعاني، تابع: "المفارقة قاتمة. كلّما توسّع حلف الناتو، وكلما زاد تهديد روسيا، أصبح الأمن (الذي يوفّره) الناتو أكثر جاذبية لأوكرانيا – وفي الوقت نفسه، كلّما زاد توسّع الناتو، وكلّما زاد تهديد روسيا، بدت عضوية أوكرانيا أقلّ جاذبيّة للناتو".

يمكن المجادلة في توصيف بلاك للناتو بأنّه قوّة "مزعزعة للاستقرار". يرى البعض أنّ ضمّ أوكرانيا إلى الحلف منذ فترة طويلة كان سيحمي أوكرانيا لا العكس. مع ذلك، لا يمكن النقاش كثيراً في توصيفه الحلف بأنّه "متنافر" في سياساته. فطوال ثمانية أعوام (على الأقل)، لم يستطع الناتو حسم خياره في ما يخصّ أوكرانيا سلباً أو إيجاباً. أعطى هذا التردّد انطباعاً بأنّ الغرب لا يريد أوكرانيا في صفوفه. وهذا عامل جذّاب آخر لشنّ روسيا غزواً ضدّ أوكرانيا.

 

هديّة للناتو؟

تبيّن هذه التطوّرات كيف أنّ انتصاراً محتملاً لأوكرانيا على روسيا، إذا تمّ تحديده على الأقلّ بصمود كييف وبقاء الحكم فيها كما هو، لن يزيل العيوب المذكورة. لكنّ الحرب الأخيرة، على ما فيها من مخاطر وتهديدات للمصالح الأطلسيّة، يمكن أن تكون قد أهدت الناتو والأميركيّين ما كانوا يتفادونه طوال الوقت: حسم مستقبل أوكرانيا الأطلسيّ. يبدو أنّ زيلينسكي مستعدّ لإعلان حياد بلاده، ولو تحت ضغط الحرب. إذا تمكّنت كييف وموسكو من إنهاء النزاع بناء على قاعدة الحياد، فستكون واشنطن قد تخلّصت من عبء استقبال أو صدّ أوكرانيا عن الانتماء إلى واحد من أكثر الأحلاف إثارة للجدل بعد نهاية الحرب الباردة.

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم