الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

أبو غزالة... يكسر عُزلة بيروت بالمعول "الرقمي"

المصدر: "النهار"
د. طلال أبو غزالة.
د. طلال أبو غزالة.
A+ A-
غادا فؤاد السمان*


في الوقت الذي لم يعد فيه لبنان يجد نفسه ذاك الطفل المُدلل بين أشقائه العرب، الذين تركوه وحيداً ليواجه مصيره المؤلم بعد انفجار 4 آب، وفي عزّ العزلة “الوبائيّة” والحجر الصحّي الذي كشف المستور، وأسفر عن انهياراتٍ اقتصاديّة مروّعة، أطاحت العملة المحليّة، ووضعتْها على قارعة الخوف من الراهن والآتي الأعظم، بعدما تبيّن أنّ القطاع المصرفي أكبر الآفات الفتّاكة، التي قضت على طمأنينة المواطن، وسلبته كامل حقوقه، ووضعته أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الاختناق أو الجنون...

طبعاً مهما تحدّثنا عن سوداويّة المرحلة التي يعيشها لبنان فلن نفي الوصف حقه، يكفي أن نقول إن لبنان الذي دخل الغيبوبة، بعد سلسلة من الضربات الموجعة التي أفقدته توازنه، واتّزانه معاً، حكومة تلو الأخرى، وكأنّ كل حكومة كانت تجتهد في سلبهِ أكبر قَدْرٍ ممكن من احتياطيّ النقد، حتى أفرغت الخزينة، وأغرقته في فائض الديون للبنك الدولي، الذي تنبّه متأخّراً جداً لضرورة التدقيق والمحاسبة، وربما تعمّد إفلاس لبنان ليسهل إملاء الشروط عليه، الأمر الذي زاد من تعقيد الأمور وحشر لبنان بين فكّي كماشة، فمن جهة تهميشه بالكامل من الخارج العربي والدولي معاً، ومن جهة إحكام العتمة من الداخل بانعدام الطاقة وربّما بإعدامها عمداً لتعذّر صحو لبنان، لخدمة مشاريع ترضي جميع الأطراف المتربّصة، فعلى الصعيد السياحي أغلقت أهم المنشآت السياحيّة، والغريب أن البدائل السياحيّة المُستجدّة في العالم العربي أصبحت أكثر ممّا هو متوقع، بعد عجز لبنان عن إقناع أيّ قطرٍ عربيّ بالعودة الميمونة إلى ربوعه الخلّابة، إضافة إلى استفراد بعض الجهات المحليّة في ترويضه وَلَيّ ذراعه وتأديبه على أكثر من صعيد...

كلّ هذا المسرود أعلاه لا شيء أمام التفاصيل السلبيّة الأخرى، لكن من صميم هذا السواد الأعظم انبثقتْ بادرة فريدة كالشهب، تبشّر بفجرٍ جديد، بضوءٍ يشقّ براثن العتمة، هذه البادرة اتّخذها د. طلال أبو غزالة على عاتقه، غير آبه بتدنّي درجات حرارة الطقس في لبنان، وغير مكترث بالعتمة التي تحتلّ بيروت ليلاً، فقط وضع نصب عينيه انتشال لبنان من إخفاقاته الإداريّة، ووضْعِهِ على السكّة “الرقميّة” ليخرجَ من النفق المظلم، ويقطع مسرعاً كلّ المحطّات التي فاتته وقد وَجَدَ نفسه وحيداً وئيداً مهيضاً، لا حول له ولا قوّة...

وعلى الرغم من أنّ العالم أجمع يراهن على انهيار لبنان الكلّي، كان د. طلال أبو غزالة ولا يزال يؤمن بقدرةِ لبنان على اللحاق بقطار الزمن، وبعد تفكير حثيث وجد أبو غزالة الحلّ “برقمنة” الدوائر، المؤسّسات، المدارس، الجامعات مُبْتَدِئاً بالجامعة اللبنانية، أوّل عتبات “العصرنة الرقميّة” حيث تمّ توقيع اتّفاقية التفاهم بين مجموعة أبو غزالة العالميّة ورئيس الجامعة اللبنانية وذلك في زيارة خاطفة للدكتور طلال أبو غزالة لبيروت لم تتجاوز 36 ساعة ولكنها كانت حافلة جدّاً بالإنجازات والمشاريع المستقبلية على المدى المنظور وفق تاريخَي الوصول والمغادرة 18/3/2022 و19/3/2022.

بعد غياب عدّة سنوات بسبب الظروف التي عصفت بلبنان، وكما العادة، كان لهذه الزيارة حفاوة كبيرة على أعلى مستويات الاستقبال الرسمي، واهتمام بالغ حيث استُقبل أبو غزالة والوفد المُرافق في قاعة الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي، ثمّ التقاه فخامة دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي بحضور الوفد المُرافق في السرايا الحكومية لأكثر من ساعة تمّ خلالها تناول مختلف الأوضاع العامّة والخاصّة التي تتعلّق بالظروف المحلّية تخلّلها بعض الشؤون والشجون التي يعاني منها لبنان، ثمّ انتقل الدكتور أبو غزالة إلى وزارة التنمية الإدارية ووقّع مذكّرة التفاهم مع وزيرة الدولة للتنمية الإدارية السيدة نجلا الرياشي بحضور الوفد الأردني ومديري فرع بيروت لمجموعة أبو غزالة العالمية...

لا شكّ في أنّ الخبرة الطويلة للدكتور أبو غزالة تساعده في إنجاز الكثير بأقلّ وقت ممكن، فهو رجل علم وفكر ومعرفة وفي الوقت نفسه هو رجل أعمال وأفعال ومهنيّة عالية وصدقيّة أعلى يوثّقها بأدقّ التفاصيل القانونيّة بنداً بنداً يحفظ بها جميع الحقوق ويحترمها جلّ الاحترام لأنه عازم دائماً على احترام “اسمه” الذي حمله إلى العالميّة وجعله علامة مسجّلة في المقرّ الرئيسي للملكيّة الفكريّة في واشنطن.

لا أخفي أنّ من دواعي سروري واعتزازي أنّني كنت على اطلاع مباشر على هذه المجريات التي كانت تحدثُ في أروقة زيارة أبو غزالة المكثّفة لبيروت، من خلال مكتب عمّان ومكتب بيروت في ذات الوقت... للوقوف على كامل التفاصيل التي صنعت الحدث الذي شغل الأوساط الرسمية والصحافيّة والإعلاميّة، والجامعيّة والطلابيّة والإجتماعيّة على حدّ سواء، ومن دواعي سروري وتقديري أيضاً دعوة الدكتور أبو غزالة لحضوري شخصيّاً المؤتمر الهامّ الذي عقدته إدارة الجامعة اللبنانية في مقرّها الرئيسي حيث حضره أهم الفعاليات الرسميّة والتعليمية وعمادة فروع الجامعة اللبنانية، تحدّث فيه الدكتور أبو غزالة عن دور المجموعة الرائد في المنطقة العربية والأفريقيّة كصاحب أهم إنتاج للأجهزة الرقميّة المصنّعة وفق أفضل المواصفات العالمية باعتراف جميع المنافسين في العالم... ولم يقتصر حديث الدكتور أبو غزالة على توصيف المنتجات الرقميّة، بل تحدّث بحميميّة إنسانيّة صادقة وشفافيّة مطلقة قائلاً: “لديك فرصة تاريخيّة لتصنع أنتَ المُستقبل، فلا تنتظر من أحد أن يصنع لك المُستقبل، أنت فقط المعنيّ باختيار أيّ مستقبل تريد، نحن نريد في مجموعة أبو غزالة العالميّة أن ننتقل بالجامعة اللبنانية الى العالم الجديد كما انتقلنا بمجموعة أبو غزالة وغيرها من المؤسّسات في البلاد العربية التي عَهِدَتْ إلينا تلك النقلة النوعية، وذلك بمدّ الجسور وربطها بين الجامعة والمؤسّسات، وهذه ليست مجرّد مهمّة ستؤدّيها مجموعة أبو غزالة، بل هي صيغة من صِيَغ الحلول لحلّ الكثير من الأزمات العالقة التي تحتاج إلى زحزحة واقتلاع من جذورها الموحلة باقتدار وتفاؤل...".

الجميل في حديث أبو غزالة ارتجاله لأكثر من ساعة ونصف، دون الاعتماد على ورقة أو الاتكال على ملقّن مرافق كما يحصل لكثير من الخطباء السياسيين الجهابذة، بل كان د. أبو غزالة حاضر الذاكرة التي تلمع كحجر الماس، متّقد الذهن كالجمر الزاخر بالمعلومة والبرهان والنوادر بما فيها الطرفة وسرعة البديهة، وخاصّة عندما فُتِحَ المجال أمام الحضور لطرح الأسئلة على د. أبو غزالة الذي لم يتجاوز أيّ سؤال ولم يضنّ بأيّ تجاوب وإجابة، حتى إن أحد الحضور من أساتذة الجامعة في ختام المؤتمر طلب الإذن للكلام ولم يكن يملك سؤالاً بل حاول أن يشتكي عمّا آلت إليه أحوال الجامعة اللبنانية بأسلوب ساخر وبانفعال شديد كاد يُدمِعُ عينيه، فما كان من الدكتور طلال إلا أن عَمِلَ على تهدئة روعه باستيعابٍ واضحٍ وبتطمينه أن القادم أجمل حتماً، وحضّهُ على ضرورة التفاؤل والاحتفاظ بالأمل...

ولم ينتهز الدكتور طلال فرصة اللهفة التي تأسر الجميع للتحرّر من سلبية الراهن، ببثّ وعود خلّبيّة فضفاضة، بل أشار إلى مشوار الألف ميل الذي يبدأ بخطوة لا بدّ منها، ولا بدّ من الوعي لصعوبة الخوض في طريق محفوف بالفساد والإهمال والتعدّيات المتراكمة، فمجموعة أبو غزالة لا تملك المعجزات ولكنها تملك الإرادة والعزيمة والإيمان والثقة، ولا تقدّم الأوهام والتلفيقات والخدع والزيف بل تقدّم الخطط الموضوعية والمشاريع القابلة للتنفيذ والحلول العلمية ضمن إطار المنطق /الديالكتيكي/ اللازم. لهذا، الموضوع لا يتلخّص بالقول “كن فيكون” بل يحتاج إلى القليل من الصبر، والكثير من الثبات، والجدّ والاجتهاد، للانتقال من “المراوحة” المزمنة إلى التحليق في العالم الرقمي بشفافية ووضوح تسهّل العلاقة بين المواطن والدوائر الحكومية، وتختصر الوقت والجهد وتنشّط حركة العمل والإنتاج بأقل تكلفة وأفضل نتائج كما هي الحال في “الإمارات” مثلاً...

لقد اختيرت الجامعة اللبنانية كقطب أوّل موصول بمؤسسات الدولة كقطبٍ ثانٍ وبين هذين القطبين يمكن تمرير قافلة التغيير بأمان وسلام... وهذه القافلة تحتاج بالدرجة الأولى إلى توفير جميع الأجهزة اللازمة لتنفيذ المشروع التكاملي للتحديث والتطوير والتعليم والإبتكار، ووضع الخطط الهامّة لإعادة التأهيل، واعتماد المناهج المساعدة في التدريب والتمكين وتنمية المهارات وتعميق الخبرة، بجديّة تضمن السير قُدُماً نحو محو الأميّة الرقميّة...

ليس لبنان وحده كونه المحظيّ في هذا القرار الحكيم الصائب، فأبو غزالة لم يهدر الوقت في التجاذبات السياسيّة المضطربة، بل فكّر في جميع الزوايا المُهملة بنظرةٍ تتخطّى الراهن إلى المستقبل، من خلال إعداد الجيل، إعداداً سليماً يتجاوز الصغائر ومتاهات التعثّر والتأخّر والتقهقر المتعاقب، بل وضع الخطّة لمدّ السكّة المؤدّية لبلوغ الأعالي وذلك عن طريق العلم والمعرفة والتعليم والحداثة الفكرية والثقافة الرقمية التي لا بدّ منها ولم يعد بالإمكان تجاهلها أو الاستغناء عنها، وكل هذه الرؤية الشاهقة، لاتقتصر على إنهاض لبنان وحده، بل هاجس أبو غزالة يطال سوريا، ويمتدّ إلى ليبيا بذات الجديّة ولن أقول أكثر، فضلاً عن حاجة العراق الفعلية للخوض في المحاولة ذاتها دون أيّ تأجيل...


*شاعرة وكاتبة سورية – بيروت
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم