الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

أنطون قازان مجدداً: سينوغرافيا الأدب والثقافة

المصدر: "النهار"
غلاف كتاب أنطون قازان.
غلاف كتاب أنطون قازان.
A+ A-
هناك أمر غير طبيعي في حياتي أريد أن أبوح به بعد أكثر من نصف قرن: كيف وقعت على كنز. كيف اغترفت منه. كيف خبأته في ضلوعي عن الآخرين. يقع مثله للكثيرين. ولكن لا يصادف ما صادفته من هوى. من شغف. من علم. من أدب. من فقه. من مدرسة. فهذا كله اجتمع لي، حين حملت مجموعة الراحل الكبير أنطون قازان الأدبية، من مستودع الأونيسكو ("المجموعة الكاملة"، 6 مجلدات، دراسات في الأدب والحياة، في رحاب الفكر، بهجة المعرفة، بأقلامهم، أبحاث قانونية، شعر، دار النهار)، أرشدني إليها، الأستاذ جوزف الهاشم. كان يومها، مستشارا لوزير التربية والتعليم. نسيت إسم الوزير، وبقي إسم مستشاره في ذاكرتي، لأنه كان قد فتح لي فتحا، في أبواب الأدب والثقافة. كنت يومها أسابق نفسي في الدراسة والتدريس. وحين فتحت المجموعة قلت في نفسي: "وجدتها"!.

قبل أن أصل إلى مكتبة المدرسة في مشتى حسن، تسنى لي أن تكون المجموعة معي في البيت ليوم وليلة. كنت حين أراجع الفهارس المختصة أشهق لعذوبة موضوعاتها. لطريقة عرضها. لأسلوبها الشيق والجاذب. لإقامة المشاهد التصويرية، في جميع العروض الأدبية التي احتوتها. فما بالكم بالعروض الحقوقية. وبفقه العروض الحقوقية.

كنت أمينا لمكتبة المدرسة، بالإضافة إلى عملي مدرّسا، وإلى تدرجي في طلب الدراسة الجامعية. فتحت مجموعة أنطون قازان، جميع الأبواب أمامي. سهلت عملي. هونت عليّ أمري. وجعلت شغفي بالكتاب النفيس، آخر همي، وأنا أراجع قلم أنطون قازان المميز والفريد، يشق صدور الصفحات الأدبية. ويقدم المطالعات الراقية، بشكل بصري، أكثر مما كنت تعودت عليه، في القراءات الأدبية والحقوقية والثقافية التقليدية المعتادة.

وجدت في أدب أنطون قازان، ما لم كنت لأجده، في أدب الآخرين، الذين كنت أدرس في كتبهم، وأنقل نصوصها لتدريسها. كان العصر السينمائي يتقدم على سائر العصور. وكان الكاتب قازان، قد جمع فأوعى. وكتب فأوحى. وقدم فمثل. وهذه بجملتها بعض فضائل أدبه التي امتاز بها عن غيره من الكتاب والأدباء المجددين. لهذا صرت أسيره: أسير أدبه. أسير نصوصه. أسير أسلوبيته وسينوغرافيته، التي يقدم بها مثل هاتيك الروايات الأدبية والحقوقية، ومثل تلك الدفوع الأساسية والشكلية، في كل عمل أقامه للناظرين، حتى لكنت أحسبه من صنّاع فن السينوغرافيا أدبا شاخصا، وتمثيلا قائما. إلى جانب إبداعاته الأدبية والشعرية والوجدانية والحياتية.

كنت حين أدخل الصف لإلقاء الدروس، كان كتاب قازان في صدري، وتحت إبطي. أستفيض في القراءات بلا تمهل. وأبطئ في الشروح حتى يستوفي العرض حقه. علّمني أنطون قازان، كيف أقيم من المشاهد في الآذان، كما لو كانت للعيان.

كان تلاميذي في الصفوف الإعدادية وفي الصفوف الثانوية على حد سواء، يؤخذون بما يسمعون، فأرشدهم إلى أنطون قازان، يتعلمون أدبا صاغه قلائد وجواهر للحسان، فيسرعون إلى إقتناء كتبه في مكتباتهم، إذا ما اتسع الإطلاع، واتسع لهم الشراء والإقتناء.

أما حين كنت أتابع دراساتي الجامعية، فإني كنت أخبئ نصوصه بين ضلوعي، حتى أفوز بالدرجة العليا في الإمتحانات. كنت أخفي على زملائي في أي كتاب، أقرأ المتنبي وأبا العلاء والجاحظ وأحمد شوقي، والآخرين الكثيرين، ممن تتضمنهم مناهج الدراسة الجامعية، في العصور القديمة وعصر النهضة والعصر الحديث. كان انطون قازان قد خوض فيها جميعا. قدم الرجال وآدابهم، كأنهم لا يزالون شاخصين على مسرح الحياة. ولطالما كنت أظفر بسبب من قراءاتي لأدبه، بالمنح الجامعية التي كثيرا ما كنت أعتمد عليها لمتابعة الدراسة في بيروت، قادما إليها من أقصى الشمال. سقى الله الإمتحانات الجامعية عصر ذاك.




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم