"1984" لجورج أورويل أليست أيضًا رواية عصرنا اللبناني! "الأخ الكبير يراقبكَ" يا ونستون فهل بتَّ حقًّا تحبُّ الديكتاتور؟

الدكتورة كلوديا ناصر الدين خيالنا المحموم بهواجس الغد القاتمة، يطفئ إحساسنا بأمان الحاضر المتاح، ليغرينا بولوج عالمٍ يفوق الممكن. حينئذٍ، تغدو رغباتنا ممسوخة بقدر ما هي محرّمة، وسيحاول المرء عبثًا انتشال روحه الهائمة في مجاهل الوجود؛ من تطهّر زائف يعتمل في أعماق وجدانه. قلّما ينجو بشريّ من تلك العواصف الهوجاء التي تهزّ كيانه في لحظاتٍ مباغتة تزدحمُ فيها مشاعر مستعصية على الفهم والتفسير. هذا ما حدث لونستون سميث بطل الكاتب البريطاني جورج أورويل في روايته الشهيرة "1984". فحينما أيقن ونستون أنّ "لسلامة العقل مقاييس إحصائية"؛ تبدّلت نظرته إلى العالَم بأسره، وفاضت روحه المنكسرة محبةً عارمةً تجاه "الأخ الكبير" صاحب الصورة الصامتة التي تراقب الناس من كلّ مكان. كانت العبارة التي كتبت تحتها واضحة لا لبس فيها: "الأخ الكبير يراقبك"the big brother is watching you. ترافق فيضُ شعوره العذب مع شيءٍ من الندم بمفعولٍ رجعيّ على تلك الأحايين التي تجرّأ فيها أن يفكّر في التمرّد على قوانين الحزب الصارمة، التي تسرد قائمة هامايونية من المحرّمات وفي مقدمها كتابة المذكّرات. كان ذلك نتيجة التجربة المريرة التي خاضها في إحدى الزنزانات الإفراديّة التي أعدّها الحزب لأمثاله من المتمرّدين. فقد تجرّأ ونستون أن يمدّ يده إلى القلم ليكتب مذكراته في ذلك العام "1984"، الذي لم يكن متأكّدا منه، فقد احتسبه بالمقارنة مع عمره: "فقد يكون الزمان قريبًا من ذلك التاريخ، وكان يعتقد أنه من مواليد 1944 أو 1945، مع ذلك كان من المستحيل في هذه الأيام تحديد أيّ تاريخ مضى عليه سنة أو سنتان". سميث الذي تبطّر على النِّعم الهائمة حوله: شراب ديك الجنّ، السجائر المرطّبة، ثلة القاذورات في غرفته، الدوالي في قدميه. اجتماعات الحزب التثقيفية الدورية المخترعة تمامًا كالأخبار الكاذبة التي ينبغي تصديقها باستمرار. ذلك كلّه لم يعجبه. أراد أن يختبر صنوفًا أخرى من لذائذ الحياة. فكان ما كان.لقد رأى بأمّ العين...