السبت - 11 أيار 2024

إعلان

لوحة المرفأ المفجوع لمارون جرجس رزق: مرايا في شتات الروح

المصدر: "النهار"
يوسف طراد
لوحة المرفأ المفجوع لمارون جرجس رزق.
لوحة المرفأ المفجوع لمارون جرجس رزق.
A+ A-
 
إنه لمن العصيبة في زمننا اللبناني، رؤية زهرة المتوسط، مدينة بيروت، التي وقفت حارسًا شامخًا للدهور، تحتل إيقاع الفن الشجين، الذي جسّد نبضًا مترقرقًا حرًا حتى عروق الحجر الباكي.
 
لريشة مارون رزق خفقان قلب، ووحيٌ عائدٌ من أسرار الكون. ضمن إطار لوحته التي رسم فيها المرفأ ركامًا بعد هول العصف، أصبح للماء مرايا أخرى في شتات الروح. فقد طوى الظل في الصمت المهيب، فظهر القمح اللاهب الذي ضجّ شغفًا للإنبات، منعتقًا من أسوار الدمار، لينعم بما فاته من شوق الرغيف للنار.
 
فرشاة جالت في الظلمات ذات انفجار، فأشرقت من عمق المأساة، راسمة على وجنة الذل لوحة نقاء حزين ومحنة بقاء.
 
تمادى الرماد لهيبًا وألوانًا، فخرج دهشةً للناظر، حين تهاوت سماوات حزينة من فضاء الرسم على كتف الإهراء المفجوع.
 
أهي يد القدر الآسف أسف الرب على عذاب النبي أيوب، يدٌ طاهرة ظاهرة في أمكنة مخفية من علياء الرسم، تحاول انتشال المدينة من عذاب استمر منذ الأبد، أم ريشة فنّان مرهف، تجهد لانتزاع الوهم القاتل، من قلب المكان الحائر بين التحليق والغوص؟
 
فنّان امتهن شذا اللون إبداعًا، لخطى حلم يجوب أرصفة ضالّة وسط الركام، ففاض المعنى بعيني من نظر إلى الألوان الشاكية نبوءة قدر مدينة غاب بدرها، فتجلّت لوحته ومضة دهر غاضب أبعد بسمة الفجر الآتي.
 
وصف بريشته المبدعة أحلامًا تحولت إلى مهزلة أمام الوطنية على كل رافعة مخسوفة، فكمنت في تفاصيل اللوحة كل حقيقة.
 
تحدّثت اللوحة مع الفضاء الواجم، فازداد حقل رؤية العين لوعة، وسرج نور الألوان لهفة القلوب الملتاعة، فأصبحت المتعة قبلة الروح في مساحات غرقت بأنهار دموع انهمرت من شعيرات الفرشاة.
 
سفينة راسية أصيبت بداء الدهشة، عاجزة عن الإبحار، تحلم بشراع. فقد رسمت لها اللوحة علامات استفهام كبيرة، هل تبحر في بحرٍ اصطبغ بقاني العروق والأوردة، أم تنتظر عندما تتكلّل بيروت برداء يمخر عباب المنى، حين يتراقص رماد الفينيق؟
 
مارون جرجس رزق.
 
أرصفة كقلوب خاوية، تنشد رائحة عرق العمال وضجيج الآلات، تاركة أمنية شاردة مع اللون الصاخب الذي عشق القماش والحقيقة، بعد وميض جارف، تبعته ريح شاردة، راقصت المدى المذعور، ولاحقت بسياطها المؤلمة الأمهات، خلال احتفالها بطقوس النحيب. 
 
تخال نور اللوحة دلالًا، وفي عصمة الحق جمالًا. ها هي اللّعنة تلاحق ظل الإهراء على القماش كالأرق. ألوان هذّبت نشوة الروح بين ترحال الماضي وعزلة الحاضر. بنايات بكت دموعًا من حطام الزجاج، في خلفية فضاء اللوحة الحزين، ناظرة لوجوم البحر.
مارون رزق مزج اللون بالدموع، فترك أبواب القلوب المفجوعة مفتوحة على مدار العمر لكل درب وتجربة وقدر وطن.
 
فنّان رسم اليقين في عيون المدينة الثكلى بمرفئها عند استدارة الغفوة في رحم الحزن، فتحوّلت روح فرشاته رجاء، يبعث في القلوب صكوك الغفران من عنت العقول الصدئة والأرواح الشريرة وعروش الأرض ومقاعدها الرخيمة، كي تهفو سلامة الوطن إلى سماء السلام.
صدحت من لوحة المرفا المفجوع أصوات من ألوان ثائرة، تنادي إبريز نقاء الحق على ناصية المحكمة، وتناءت كفّة ميزان العدل بثقل الباطل وعدالة الأرض المتوغلة في المجهول، منتظرة عدالة السماء.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم