الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قدّاس الأحد

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
بريشة منصور الهبر.
بريشة منصور الهبر.
A+ A-
ما أجملَ نومكَ، يا أندره، تحت شجرة، حيث لا تعكّركَ شمسٌ ولا غيمةُ شتاء. سأقولُ للجميع هنا إنّكَ سعيدٌ حيث أنتَ، وتدعوهم بإلحاح إلى فكِّ الحداد وعيشِ الحياة باعتناءٍ شديد. والحال هذه، يمكنكَ أنْ لا تستيقظَ مبكرًا هذا الأحد، ولا الأحد المقبل. فلن تضطرّ إلى الإتّصال بي لتثبيت موعد قدّاسنا الأسبوعيّ. يمكنكَ أنْ تستعيض عن المجيء لاحتساء القهوة الموعودة، بتشغيل تقنية "الزوم".
 
أنتَ تعلم جيّدًا أنّ الحياةَ مغلقةٌ هنا، وأنّ الهواء مغلقٌ أيضًا. لا بدّ أنْ نفكّر في طريقةٍ لتثبيت الأرض في مكانها، لئلّا نقعَ عن الأرض. ما يُقال عن شعاعٍ شوهد من المنام، وعن ستارةٍ انفتحتْ للتوّ على الشرفة لاستقبال عصفورٍ في الجوار، لا أساس له من الصحّة. صدِّقْني، لا تشغل بالكَ بالـ"هنا". يمكنكَ أنْ تواصلَ طقوسكَ الجميلة من حيث أنتَ. ففي مقدوركَ أنْ تفعلَ ما كنتَ تفعله في يومكَ العاديّ. من مثل أنْ تحتضنَ العائلةَ، وأنْ تساعدَ في التدبير الحبيب، وأنْ تبتسمَ للجميع بالرضا الذي يحسدكَ عليه الجميع. يمكنكَ أنْ تتابعَ برامجَ القنوات المتعلّقة بالطبيعة والحيوانات والفضاء. وإذا أحببتَ أنْ تحضرَ المباريات الرياضيّة، ولا سيّما في كرة القدم، ففي مقدوري أنْ أصلكَ باشتراكي في قنوات الـ bein المتخصّصة. السبت والأحد "الممتازان" هما أفضل المواعيد لتزجية الوقت بمباريات الأندية والكؤوس وتصفيات بطولة العالم.
 
 
إيّاك وأخبار السياسة في العالم، وخصوصًا أخبارها في لبنان. فستُتعِب رأسكَ بها عبثًا. السياسيّون على العموم هم مرحاضُ الكون. وهذا هو الوصفُ الذي يليق بأمثالهم هنا. لا أدري كيف يمكن للمرء أنْ ينحازَ إلى حاكمٍ ديكتاتور، إلى قاتلٍ، إلى سارقٍ، أو إلى بائعِ ضمير. رجالُ السياسة عندنا، هم زبدةُ المرحاض الكونيّ الذي حدّثتُكَ عنه. مَن ينحاز إلى أحدٍ منهم، كمثل مَن يجرّد روحه من شجرةٍ أو من أعجوبة موسيقى.
 
إيّاك، إذًا، والـ"توك شو"، ونشرات الأخبار. بدل ذلك، قد يكون لذيذًا أنْ نعقدَ لقاءً رباعيًّا، وأنْ نُولمَ لحياتنا، وأنْ نستدعي باقي أعضاء الشلّة. وقد يسعدكَ أنْ تحضّر لنا وجبةً شهيّةً من الطعام، بعد أنْ تضع المئزر على خصركَ الذي يبدو نحيلًا أكثر من اللزوم. لا بدّ أنْ أحدًا ما قد وسوَس لكَ باتّباعِ حميّةٍ عن الطعام. لا أدري لماذا فعلتَ ذلك. لم يكنْ ثمّة ضرورةٌ لحرمان نفسكَ من الرغبات والشهوات. إيّاكَ أنْ تلجمَها أو تكبحَ جماحها. ليس من حكمةٍ في ذلك على الإطلاق.
 
في صباح هذا الأحد، حضّرتُ ركوةً على نارٍ بطيئة، ووضعتُ فنجانَي قهوة على صينيّة النحاس التي جلبتُها معي من بغداد، وجلستُ على الكنبة قبالتكَ، كما لو كنتَ هنا، وكما كنتَ تفعل في صبيحة كلّ أحد. أفترض أنّكَ لم تنسَ أنْ تحملَ معكَ هديّةً إلى كوبر. عندما كنتَ في المستشفى، فتح كوبر الجارور، والتهم دفعةً واحدةً ما بقيَ له من هداياك. كلّ يوم، يطلب منّي أنْ نشاهدَ الفيديو الذي تلاعبه فيه، ويسألني لماذا لا تأتي دائمًا، ومعكَ مثل تلك الهديّة. هو لا ينتبه إلى دمعتي، لكنّه يعرف أنّكَ توقفتَ عن المجيء، من دون أنْ يدركَ السبب، ولا أنا فسّرتُ له ما جرى. ليس كوبر وحده لن يعرف ماذا جرى. كلُّ آخرَ سوايَ لن يعرف. كلُّ آخرَ لن يعرف. ولا العائلة، ولا أندره جونيور، ولا أعضاء الشلّة، ولا أنا سأعرف.
 
سأحتسي عنكَ كأسًا هذا المساء، وسأدعو أفراد الفريق الرباعيّ إلى أنْ يحذوا حذوي. وقد أسرق نقطةً إضافيّةً ونقطتَين، دمعةً ودمعتَين، إذا كان ثمّة حاجةٌ لتهدئة الخواطر. وقد أمضي الليل نائمًا جلوسًا على الكنبة. هكذا قد أشعر أنّي أقربُ إليكَ ممّا لو أويتُ إلى سريري.
في كلّ حال، ينبغي لي أنْ أفكّر في طريقةٍ لإدارة هذا التعب العبثيّ. تمضية الليلِ منتظرًا على كنبة، قد تمكّنني من أنْ أحرز سبْقًا في هذا المجال.
 
خمسون عامًا، يا أندره، كشجرةٍ لم تتخلَّ يومًا عن غصنٍ من أغصانها، ولا عن ورقةٍ على غصن، ولا عن ظلٍّ يستلقي على أرض. لكنْ، ينبغي لهذه الشجرة، الآن، أنْ تحتضنَ انكفاءَ ورقةٍ عن الغصن، وانكفاءَ غصنٍ عن الجذع، وانكفاءَ ظلٍّ عن شمسه، كما لو كان ذلك محضَ افتراض. محض افتراضٍ فحسب.
 
تستطيع الشجرةُ أنْ تفعلَ ذلك. قَدَرُ الشجرةِ أنْ تظلَّ تورق، كما لو كانت أيقونةً في يوم شعانين.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم