الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

قراءة في قانونية صفقة كاميرات وزارة التربية

المصدر: النهار
نبيل الجوهري
قراءة في قانونية صفقة كاميرات وزارة التربية
قراءة في قانونية صفقة كاميرات وزارة التربية
A+ A-

صدر مؤخرا عن وزارة التربية و التعليم العالي التعميم رقم 21/م/2019، و الذي يتضمن دعوة المناطق التربوية لاجراء صفقات عمومية بطريقة استدراج العروض بغية تأمين و تركيب كاميرات مراقبة في غرف الامتحانات الرسمية لهذا العام، على ان يتم تسديد نفقاتها من الصناديق الخاصة بكل مدرسة او ثانوية على حدى.

لا شك بأن صناديق المدارس والثانويات الرسمية هي صناديق مستقلة و ان كانت اموالها اموالا عمومية، و يجوز التصرف بها قانونا بعيدا عن قانون المحاسبة العمومية و بالتوافق مع القوانين و القرارات المنظمة و الراعية لها. وهذا ما أكده ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري رقم 125/2004، ونص على ان "... وبما ان هذه الاموال ( اموال الصندوق المدرسي) ولئن كانت عامة الا انها تستقل في احكامها و اصول انفاقها عن تلك التي ترعى الاموال المرصدة في الموازنة العامة، اذ تحكمها القرارات الصادرة عن وزير التربية و التعليم سندا للقانون".

وفي رأي آخر رقم 67/2004، رأى ديوان المحاسبة ان ..."القانون منح وزير التربية و التعليم العالي صلاحية تحديد اصول الادارة و الانفاق في الصناديق المدرسية.."ّ.

للوهلة الاولى تبدو الصفقة لا تحتاج لتأشير مراقب عقد النفقات و لا تخضع لقانون المحاسبة العمومية و لا لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة.

غير ان اشكالية البحث الأساسية تتمحور حول الطبيعة القانونية لصفقة كاميرات المراقبة هذه، فهل هي حاجة مستقلة لكل مدرسة على حدى كي يتم تمويلها من الصندوق الخاص بالمدرسة، ام انها حاجة للادارة (الوزارة) و بالتالي يجب اخضاعها لمبدأ المناقصات العامة و تمويلها من قبل الدولة؟

تنص المادة 49 من النظام الداخلي للمدارس الرسمية، قرار رقم 590 تاريخ: 19/06/1974

1- ينشأ في كل ثانوية صندوق مالي يدعى"صندوق المدرسة" ينفق منه في الحالات التي تستدعيها مصلحة الثانوية ومصلحة التلاميذ

2- يغذى هذا الصندوق من مساهمة التلاميذ المالية ومن الواردات الاخرى المختلفة

3- تشرف على هذا الصندوق لجنة مؤلفة من مدير الثانوية والناظر العام فيها واحد افراد موظفي التعليم يختاره مجلس الاساتذة تمسك اللجنة دفتر حسابات تدون فيه المبالغ المستوفاة ووجوه انفاقها

4- كل مبلغ يجاوز (قيمة محددة) يجب ان يقترن صرفه بموافقة مسبقة من مديرية التعليم الثانوي.

كما ان القرار رقم 455 تاريخ 18/9/1996 نص في المادة 18 منه على ان "... يجري الانفاق من صناديق المدارس لتأمين ما يلي: .... كل ما من شأنه ان يؤمن حسن سير العمل في المدرسة...".

.من الواضح ان الدوائر التربوية هي الجهة التي يولجها التعميم المذكور صلاحية اجراء استدراج العروض، وهذه الدوائر تتبع هيكليا الى الوزارة المعنية، و ليست صاحبة حق بالتصرف بأموال صناديق المدارس ، كما ان اللجنة التي ينص التعميم على تشكيلها لمتابعة عملية الاستدراج لم يوضع لها دور واضح، فمن الجهة الصالحة بالبت بالعروض، سيما ان التجزئة المعتمدة في الصفقة لها مفاعيل اهمها ان تصبح الجهات الفرعية صاحبة حق بالبت في الصفقات.

كما تبين اعلاه، فان للوزير صلاحية تحديد اصول الادارة و الانفاق في الصناديق المدرسية، غير ان هذا لا يعني الحق في الانفاق و عقد الصفقات التي هي من صلاحية الصندوق نفسه ضمن الاصول التي يحددها الوزير، و انه حتى حين اجيز تسديد مستحقات الاساتذة المتعاقدين من صناديق المدارس، اعتُبرت بمثابة سلفة تستردها الصناديق فيما بعد.

كما انه من الواضح ان الصفقة هي لتلبية حاجات وزارة التربية و التعليم العالي، و ذلك بهدف ضبط المراقبة و الجدية و مساعدة الهيئات المشرفة خلال الامتحانات الرسمية، و ليست حاجات فردية للمدارس، و بغض النظر عن مقدرة المدارس في تغطية هذه النفقات، فهل يجوز للوزارة استعمال اموال هذه الصناديق المستقلة لتغطية نفقاتها؟

فاجراء الامتحانات الرسمية لا يدخل ضمن الحالات التي تستدعيها المصلحة المباشرة لكل مدرسة و تلاميذها على حدى، فالعملية التعليمية و التربوية تتم خلال العام الدراسي و تنتهي مع انتهائه، اي قبل مواعيد الامتحانات الرسمية، كما ان الامتحانات هذه مفتوحة لكل راغب مستَوفٍ الشروط، و طلاب كل مدرسة لا يمتحنون فيها بل يوزعون على مدارس اخرى. بالتالي ستستعمل اموال كل صندوق لتمويل خدمة لا تتصل حصرا و مباشرة بمصلحة تلاميذ المدرسة العائد اليها، فهل يجوز تغطية نفقات تتعلق مباشرة بهذه الامتحانات من صندوق المدرسة.

.اذا، تطغى على هذه الصفقة طبيعة تلبية حاجات الوزارة كما اسلف، و بالتالي لا بد من إجرائها حسب قانون المحاسبة العمومية الذي يرعاها. الامر الذي يستتبع ضرورة البحث في امكانية تجزئة الصفقة و اجرائها بواسطة استدراج العروض بدلا من وحدتها و اعتماد المناقصة العمومية، كما تخفيض مدة الاعلان عنها.

حسب قانون المحاسبة العمومية الصادر بالمرسوم رقم 14969، للعام 1963 و تعديلاته، ان المبدأ في عقد الصفقات العمومية هو اتمامها بواسطة المناقصات، غير انه يمكن، في حالات حددها القانون حصرا، اعتماد آليات اخرى منها استدراج العروض.

كما ينص القانون على الزامية ادراج الصفقات جميعا بالمبدأ في البرنامج السنوي العام.

و يمكن عقد الصفقات بطريقة استدراج العروض اذا كانت قيمتها لا تتجاوز المئة مليون ليرة، اما ان تجاوزت، فقد حصر القانون امكانية اعتماد استدراج العروض بحالات ست محددة. (المادة 145).

كما ينص القانون على ان تجري استدراج العروض للصفقة التي لا تتجاوز قيمتها المئة مليون ليرة لجنة خاصة تعين في كل ادارة عامة، بقرار من الوزير،اما الحالات الاخرى فتجريها لجنة المناقصات.

و ينص المرسوم الاشتراعي 82/1983 الخاص بتنظيم ديوان المحاسبة، على انه تخصع لرقابة الديوان المسبقة صفقات اللوازم التي تفوق قيمتها خمسة و سبعين مليون ليرة. (المادة 35).

وفيما يختص بتجزئة الصفقات العمومية، فان التجزئة ممكنة كاشتثناء على المبدأ، و يجب تفسير هذا الاستثناء ضمن حدود ضيقة يتعذر معها اجراؤها بدونها، ..." كلما كان بالامكان اعتماد المناقصة العمومية وسيلة لعقد الصفقة العمومية الواحدة...فانه يمتنع على الادارة اللجوء الى تجزئتها.." ( رأي ديوان المحاسبة رقم 2/91).

كما ان تجزئة الصفقة ..."ينهي وجود الصفقة الاساسية القانوني و يقيم محلها جزئيات جديدة ترعى كلاً منها الاحكام المختصة بها، فيكون للمرجع الصالح وفقا لهذه الاحكام ان يبت بالصفقة الجديدة.." (رأي ديوان المحاسبة رقم 11/91).

اما بالنسبة الى مدة الاعلان عن الصفقة، فانه قد سبق و رفض ديوان المحاسبة في رأيه الاستشاري رقم 18/2012، اعتبار ضيق الوقت سببا يسمح باعتماد استدراج العروض و تخفيض مدة الاعلان الى خمسة ايام فيما يختص بتلزيم طباعة طلبات الترشيح للامتحانات الرسمية، وهي من اللوازم التي لا يمكن الاستغناء عنها و التي يؤدي عدم تأمينها الى توقف الامتحانات، فانه من المتوقع اذا الّا يعتبر تركيب كاميرات مراقبة عملا يبرر اتباع استدراج العروض و تخفيض مدة الاعلان.

بالرغم من أهمية تدخل الوزارة لما فيه الصالح العام، غير انه قد يكون من الافضل اعطاء موضوع صفقات كهذه الوقت اللازم ليكون منصفا لكافة الاطراف، اذ لا يمكن اعتبارها حالة مستعجلة ناشئة عن ظروف استثنائية، كما تأمين الاعتمادات الخاصة بها مسبقا اذ لا يجوز عقد نفقة الا اذا توافر لها اعتماد في الموازنة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم