الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

خيانة عظمى

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
خيانة عظمى
خيانة عظمى
A+ A-

الإضراب، هذا الإضراب بالذات، لكي يكون له معنى حقيقيَ، فعليَ، حسيّ، ملموس، موجع، مربك، ومزلزِل، ينبغي للداعين إليه، وللمشاركين فيه، أن يطالبوا بالفصل الدستوري الفوري بين السلطات فصلاً نهائياً، وأن لا يواربوا في فحوى وفي مضمون ما يطالبون به، وأن لا يجاملوا، وأن لا يكذبوا علينا، وأن لا يدفنوا رؤوسهم في الرمال.

ينبغي لهم، والحال هذه، أن يأخذوا على عاتقهم في هذه اللحظة بالذات، منذ هذا الصباح، صباح اليوم الجمعة، الرابع من كانون الثاني 2019، تحويل الإضراب هذا، من إضرابٍ رمزيٍّ ليوم واحد، إلى إضرابٍ مفتوح، الغاية منه، الغاية الوحيدة منه، فرض تطبيق الدستور في كيفية تأليف الحكومة، بما يؤدي قانونياً ودستورياً إلى كفّ يد هؤلاء الذين "يمثّلون الشعب" في مجلس النواب، أي في السلطة التشريعية، من أن يفرضوا أعرافاً دستورية مدمّرة للجمهورية والنظام والكيان، تتيح لهم أن ينتقلوا، باعتبارهم "وحدة وطنية"، إلى الحكومة، ليكونوا هم أنفسهم شركاء في السلطة التنفيذية.

نحن نظام برلماني جمهوري. هذا النظام يقول بأن السلطة التنفيذية هي السلطة التنفيذية، ويجب ألاّ تتألف حكومة السلطة التنفيذية بما يجعلها مرآةً لتكوينات مجلس النواب، وصورةً طبق الأصل عن السلطة التشريعية.

هذه هرطقة. لأنها خروج على النظام البرلماني الجمهوري، وانتهاكٌ لمبدأ الفصل بين السلطات.

مَن يدعُ إلى حكومةٍ كهذه (أو مَن يؤلف حكومة كهذه أو يوقّع مراسيمها أو يصوّت على نيلها الثقة)، يكن خارجاً على النظام البرلماني الجمهوري، ومغتصباً للدستور الذي يشدّد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث.

فِعْلُهُ هذا، لا يمكن أن يكتسب صفةً دستورية.

إسألوا مجلس القضاء الأعلى. إسألوا المجلس الدستوري.

تُرى، أين هو مجلس القضاء الأعلى من هذا الشأن بالذات، وأين هو المجلس الدستوري؟

واسألوا المراجع وأهل القانون والدستور والميثاق، في هذا الشأن بالذات، يأتِ الجواب حاسماً، جامعاً ومانعاً.

حكومة السلطة التنفيذية يجب أن يؤلّفها رئيسٌ مكلّف، بالتوافق مع رئيس الجمهورية، ويجب أن تعكس هذه الحكومة رؤيتهما المشتركة للحكم، لا أن تكون حكومة مجلس النواب.

إذا لم يكن ممكناً تأليف حكومةٍ كهذه، أي إذا كان رأس الدولة والرئيس المكلّف يجدان نفسيهما مرغمين – بحكم "الأمر الواقع" (ما هو الأمر الواقع؟!) - على تأليف حكومةٍ كهذه، فجيب أن يصارحا اللبنانيين بهذه الحقيقة، ويجب تالياً أن يضعا الجميع أمام المسؤولية وأمام الامتحان. وإذا بقي "الأمر الواقع" هو الأمر الواقع، فكم يكون بليغاً لو أن رأس الدولة والرئيس المكلّف يقرّران الاعتكاف فوراً، بالتكافل والتضامن، معاً والآن وفي آن واحد، لاستحالة أدائهما مسؤولياتهما الدستورية التي ينصّ عليها القانون، والتي أقسم رئيس الجمهورية أن يصونها ويحفظها ويسهر على تنفيذها.

باختصار: هذا الإضراب لن يكون له معنى إيجابي، إلاّ إذا وضع لنفسه هدفاً واضحاً: تطبيق الدستور في مسألة تأليف الحكومة... لا الضغط (الملتبس) في اتجاه تأليف حكومة

وإذا من "نصيحة" متواضعة، على وجه السرعة الفائقة، فلتكن هذه "النصيحة": فليجتمع الرئيس المكلّف فوراً في القصر الجمهوري مع رئيس الدولة، هذا اليوم الجمعة، الرابع من كانون الثاني 2019، وليؤلفا حكومةً على طريقة حكومة طوارئ واختصاص مصغّرة للغاية.

وإلاّ على الجمهورية والكيان والدستور السلام.

وليعرف الجميع أن كلّ من يوافق على انتهاك مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية (... والقضائية)، ويسهّل عملية تذويب السلطات في مسألة تأليف الحكومة، أن التاريخ لا يرحم، وأن الخيانة العظمى في منطق التاريخ ليست هي فحسب التعامل مع "العدوّ".

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم