الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

عبد الرحمن الباشا يُفرج عن ثروة مؤلفاته

عمار مروة
عبد الرحمن الباشا يُفرج عن ثروة مؤلفاته
عبد الرحمن الباشا يُفرج عن ثروة مؤلفاته
A+ A-

اخيراً وبعد جهود كبيرة وحثيثة من جمهوره وأصدقائه ومحبيه والتي لطالما طالبته بالافراج عن مؤلفاته وعدم التردد في إطلاقها، يصدرها اليوم الفنان والموسيقي عبد الرحمن الباشا احد اهم العازفين المقتدرين على الة البيانو واهم النخبويين المخضرمين العالميين القلائل جداً، هذا اذا لم يكن الباشا أعظمهم وأكثرهم توافقاً عليه بين الكبار كما أوسعهم إنتشاراً على مستوى ذائقه هذه النخبه العالميه المتخصصة، خصوصاً هنا في بلجيكا وفرنسا وبقيه بلدان اوروبا!

أما المثير للتساؤل هنا فهو الطريقه التي إعتمدها الباشا لتقسيم هذه المؤلفات على اساسها . فالمتعارف عليه موسيقياً دائماً هو الاساس الكرونولوجي ، ولكننا نراه هنا ولاسباب سنكتشفها لاحقاً مع السماع انه يستنسب منهج تقسيمها على أساس الاسلوب والطبيعه الموسيقيه واللحنيه لها، ومع الغوص في القراءه والسماع سنجد ان الرجل كان مُحِقاً ومنطقياً جداً في هذا الإختِيار وإن كان هذا سيعيق دراستنا لها بشكل منفرد بسب كثافه الماده الموسيقيه وكثرتها وتنوعها ، والتي لهذا السبب كان ربما من الافضل توزيعها على قرصين CD بدلا من قرص CD واحد ، ولكن قبل الغوص في المزيد لابد من التنويه بعده أمور لا يعرفها الجمهور حتى من بعض اصدقاء الباشا الموسيقيين ، وبعض هذه الامور ستشكل لهم نوع من صدمه ، اذا ما كشفتها لهم اليوم .. فالباشا لم يكن ( وربما ما زال ) يعتبر نفسه مؤلفاً موسيقياً ! وقد بذل بعض المقربين جداً له خصوصاً اللذين يعرفون ويتابعون بعض مؤلفاته جيداً ويداومون على حضور حفلاته لاقناعه بالعكس (بينهم كاتب هذه السطور )، ومن يعرف كم هو الباشا متواضع ،دمث الخلق ،طيّب الاخلاق و بسيط في حياته وخياراته التي يحياها ولا يمارس فيها الا البساطه من أوسع كِفافها وجمالها .. من يعرف هذه الخصال المتجذره في شخصيته يدرك كم كانت صعوبة إقناعه بالعكس!

في إحدى المناسبات الموسيقيه العامة في بروكسيل التي طالت به عزفاً لأعماله امام جمهور متنوع ، انفردت به بعدها قائلاً له بإلحاح " ان مؤلفاتك التي اعرف قسم كبير منها وتقول انت انها ليس فيها سوى القليل جداً مما هو مكتوب للاوركسترا، بل وأكثريتها الساحقه عباره عن قطع صغيره للآلة فقط ... حسناً عبود ..(فهو يحب ان نناديه " عبود " ) فإذا عدنا الى اهم المؤلفين على البيانو جمالا وصلابه وسحراً والمتوّج بالإجماع عبر تاريخها "فريدريك شوبان"، الا ترى معي اننا اذا وضعنا جانباً الكونشرتان ١ و٢ المكتوبتين للبيانو والاوركسترا .. ألا نجد في النهايه ان مؤلفاته هي قصيره نسبياً رغم تنوعها وتفرُّدها وعظمتها ؟؟وهو الحال نفسه لمؤلفاتك ! الا تجد لك سويه بشوبان" ؟ ! يضحك عبود وينظر إليّ نظره فيها ما يجمع بين البراءه والتواضع ويجيب :" هذا الرجل العظيم الذي تتكلم عنه هو شوبان وانا فقط عبدالرحمن " !. عندما أعلمته انني وكثير من اصدقائي المتابعين لأعماله وحفلاته لا نشاطره رأيه ولا نستنسب ابداً هذا التواضع والكسل والهروب .. ونقترح إصدار الاعمال باسرع وقت وترك موضوع التصنيف واعتبارات النقد والتقييم للناس والتاريخ ! يبتسم ويستعجل تغيير الموضوع . كنت دائماً كلما عدنا والتقينا أعيده قسراً الى موضوعنا هذا كنوع من الضغط والحشر ... الى ان فاجأنا منذ اشهر في لقاء عائلي قائلاً لي : رح فشلك خلقك يا عمار وأصدر اكثرية المؤلفات ، شو ؟ نبسطت هلق "؟! وها نحن الان اخيراً في كونسرت اطلاقها في بروكسل .لنعد اذن الى المؤلفات الممتده على اكثر من ساعة وربع الساعة موزعة على٣٢ اثنان وثلاثون قطعة تستغرق أقصرها اقل من دقيقة واطولها الى اكثر قليلاً من ست دقائق ! هذه المقطوعات قام الباشا بتقسيمها اذن على خمسة مجموعات وقطعة سادسة اخيرهً عباره عن فالز لشوبان أعاد الباشا تأليف السطر الثاني في نسيجه البوليفوني لكل المرافقة الهارمونية لمفتاح الـ FA بطريق تليق بملك الآلة وراهبها شوبان .. وبذلك يكون تقسيم المؤلفات كما صنفه الباشا هو كالآتي:  

القسم الاول: بعنوان ثلات قطع شرقية

١: Danse rituelle على مقام الصول

٢: Variations sur un air Egyptian على سلم ري الصغير

٣: باخوس Bacchus على مقام لا الصغير.

القسم الثاني: عالم الاطفال ويضم ٦ قطع مميزه هي :

١: تهليله 2e Berceuse على مقام مي الصغير

٢: Comptine على مقام سي بيمول الصغير

٣ : Reverie de petit soldat de bois على مقام مي الصغير

٤: devant le sapin de Noel على مقام دو الكبير .

٥- L’Enfantine :على مقام ري الصغير .

٦: L’Adolescente على مقام مي الصغير .

القسم الثالث تحت عنوان : Prelude & Chant : وتضم ٧ مقطوعات هي:


                                                                                                                                       Prelude Andalou-: ١

وهي على مقام مي الصغير


٢- chant Andalou وهي تتألق على مقام اسبانوعربي

٣- Prelude Orientale وهي على مقام سي بيمول.

٤ - Chanson libanaise على مقام : دو الكبير

٥-Prelude funebre

٦- "Marie "ou la mort d’unlenfant على مقام صول الكبير والصغير

٧ -2e Romance على مقام ري الصغير.


القسم الرابع : ١٠ عشر مقطوعات ذات اسلوب رومنطيقي وهي:

————————————————————-

١- Moderato comtabile على مقام سي الكبير

٢- Valse ephemere على مقام مي الصغير

٣- Hommage a Schumann مقام سي الصغير

٤- Canzonetta مقام سي الصغير

٥- Papillons مقام صول الكبير

٦-(Mesto (1: مقام دو دييز الصغير

٧- (Mesto( 2 مقام دو الصغير

٨- Choral مقام دو الصغير

٩- Duo مقام لا الصغير

١٠- Intermezzo مقام لا الصغير .


القسم الخامس بعنوان تأليفات البدايات ( الشباب )عباره عن خمس مقطوعات كتبها بينما كان عمره بين ١٢ الى ١٧ سنه وهي :

————————————————————-

١- Berceuse تهليله مقام دو دييز الصغير

٢- Chanson Triste مقام سي الصغير

٣- Cavalier au desert على مقام مي الصغير.

٤- Chant d’amour على مقام لا الصغير .

٥- Prelude مقام دو الكبير .


القسم السادس :

——————

وهو القسم الأخير وعباره عن الفالس رقم ٦ لشوبان من اصل ١٩ فالز هي مجموع ما كتبه شوبان في فن الفالز .. ثمانية فالزات منهم طبعهم بحياته وارادته بشكل يرضى به هو كمؤلف ، اما البقية الإحدى عشر فلم يكن راضياً عنهم وتركهم ربما كهدايا لأشخاص واصدقاء احبهم او زارهم دون ان يرغب لاحد ان يعرف انها له ، ربما لانه اعتقد انه سيعود يوماً لصياغتهم كما ينبغي او لاسباب اخرى لا نعرفها ! ثم قام هؤلاء لاحقاً بكشفها دون علمه وطبعوها بعد رحيله بلا استئذان حيث عزفوا المرافقه الهارمونيه بعشوائية قدراتهم المحدوده والغير متوازيه لصلابة الجمله اللحنيه الخارقه لشوبان وبشكل زاد الطين بلّه ! . وهذا الفالز رقم ٦ هو الوحيد المشكوك به كلياً انه ليس لشوبان ويعتقدالباشا انه اذا كان هذا صحيحاً فعلى الأرجح بسبب ركاكة الجملة الهارمونية فيه وقام عمداً بإعادة صياغتها كلياً وبتسميته كالتالي :

Valse d’apre Chopin حيث أعاد الباشا بنفسه كتابة تأليف جديد لصيغته الهارمونية الاعتباطية والغير المكتوبة من شوبان بل من هؤلاء الذين عزفوها عشوائياً لاحقاً بطريقه يعلم المتخصصون الكبار انها أسائت لموهبة شوبان وصلابه مؤلفاته (والكلام فقط هنا ينحصر على الصيغه الهارمونيه لمفتاح ال FA التي بقيت ترافق بعض ميلوديات فالزاته ونكتورناته وغيرها من مؤلفاته الاخرى التي لا تتناسب عبرها صِيَغَها الهارمونيه الاعتباطية على مفتاح الFa مع اختها المتوازيه لها في صيغتها الميلوديه لمفتاح ال Sol، فأعاد الباشا شخصياً إذن تأليف هذه الصيغه الهارمونيه الصلبه لهذا الفالز رقم ٦ كهديه للمؤلف (ليرضي بذلك إحترامه ومحبته وإخلاصه لما يمثله شوبان من قيمه وجماليات خالده تلامس الابديه ، ويرضي ثانياً كل محبي شوبان من الموزيكلوجيين المتخصصين الكبار الذين يتشاركون فيما بينهم كاختصاصيين هذه الحقيقة التي لا تعرفها العامه الموسيقية فيكون الباشا قد لفت نظرهم بالتالي اليها كي لا تبقى مجهوله حتى من الكثيرين من عازفين تراث شوبان على الاله . والكلام يبقى دائماً هنا عن كل الجُمل الهارمونيه لمفتاح ال FA التي تعاني ضعفاً لا يتناسب ابداً مع اسلوب وشخصيه شوبان في ميلودياته.

الان وبعد استعراض المحتويات والتقسيم الذي استحسنه الباشا لتقسيمها على اساس الاسلوب والطبيعة ، نعود لتحليل هذه المؤلفات التي تعكس شخصيه الباشا كموسيقي مبدع ومؤلف مقتدر لآلة البيانو سواء أعجبه هذا ووافق عليه ام لا .هذه المؤلفات الرائعه لن يجد السامع لها اي صعوبه ليشعر انها تعبر بقوه عن السلام والعمق الذي تتحلى بها روح الباشا وتنعكس على شخصيته الموسيقية ! كيف ؟ لا بد اولا لسلامة التحليل كفكر ونهج من تفكيك سكور score هذه المؤلفات الى عناصرها الاولى لنفهم من اين اتت بصلابتها الموسيقيه Solidity التي تجمع الى جانب الروح الشرقيه المعروف بها الرجل (حتى وهو يعزف اعقد المقطوعات الغربيه لغيره )!.. ولكي نفهم اذن هذا دون تناقض يجب كبدايه ونظرياً فقط ان نفصل ما بين الجمله اللحنيه ( الميلودي) وبين الجمله الهارمونيه للباشا وبالتالي نحاول ان نصل الى سره الموسيقي الخاص الذي يتشكل مسبوكاً بسيوله بوليفونية راقيه تجمعهما.

الجملة اللحنية للباشا واضحة الملامح في كل مؤلفاته ، لا لبس في ملامحها الشرقية ولا نجد اي صعوبه مطلقاً في التقاط امتدادات جذورها ووضوح وجهها الأسمر الذي لوّحته الشمس ... حيث عيونها الشاخصة عبر ذاكرته التي لا تخطئ تلك الشمس التي تلفح صباحاته الباردة في الغربة في برد اوروبا! تبدو إذن حراره شمس لبنان وثلوج جباله التي لا تبتعد عن سواحله واضحة التأثير على رؤيته واستلهامه للجمله الميلودية التي تنضح بعناصر ذكريات و طبيعه وروائح واحداث تحاول ان تجسد لها رحيق موسيقي يحاول تصوير عطورها من زهر الليمون وماء الورد و زقزقة طيور وخرير جداول لا يخطئها المتذوق العارف والسامع للجمله الميلودية في اعمال الباشا! كلها يمكن التقاطها بسهوله في القسم الاول وفي المقطوعه الاولى رقصة شعائرية او Danse Rituelle فهي واضحه لدرجه التصويريّه وحتى سينمائياً احياناً ..كما نراه أحياناً اخرى يصل بروحه الشرقية الهوى ليتوازى بالهوية الهارمونية مع بعض الثيمات الموسيقيه للجمله اللحنيه التي تزدهر بها بعض مؤلفاته التي تستقي احياناً بعض ثيماتها من مصر مثلاً حيث وضوح الجمله اللحنيه عنده ينهل من ذلك التمصير الاتي من بعض أجواء ام كلثوم أو عبد الوهاب او غيرهم ...خصوصاً عند قطعته الثانيه المبنيه على اساس فاريياسيون يقول انه من غناء مصري تصرف به الباشا بأصابعه الساحره وكانه دون قصد منه يذكر ببراعة وطراوة عزف عبود عبد العال وهو يتلاعب بأوتار كمانه ولكن يعرف الباشا جيداً الامساك بخيوطها ليداعبها بحكمه نغميه واستعراضات هارمونية خلابة ( بلا مبالغه )!!. كذلك تقوى وتنجلى الجملة اللحنية عند المقطوعه الثالثه " باخوس" بشكل مبهر يتسارع نحو تعدد أجوائها من لبنانية عربية واسبانية.

في المقطوعات الاخرى ايضاً لا تختلف الجمله اللحنيه عن اخواتها حتى وهي في القسم الرابع المُعَنْوَنْ بعشر قطع رومنطيقيه تحاكي بوضوح في اسلوبها مناخات فرنسيه اسبانيه وغيرها قد تحاكي كل من شوبان ،شومان ،فورِيه ،مندلسون ، برامس و ربما سواهم . تبقى هذه الجمله واضحة المعالم في قرب ملامحها لجذور الباشا وهويته الخاصه وهي تقارب الخيال الشرقي بطرق اكثر وضوحاً وحرية في القسم الثالث الذي لا يجد فيه السامع اي صعوبه في مداعبته لاجواء اسبانيه الهوى من باب الاندلس ذات القربى لنا جينياً بالفلامنكو ومناخاتها العربيه التي طرقها غرانادوس والبينز و رودريغو وحتى في اجتهادات سيغوفيا وهو يحيكيها باكاديميه صارمه ليعبّد لِآلة الغيتار طريق المجد وهو يؤسس لِنقله من اله الخمر والملاهي الى الآله الوطنيه الاولى التي تحاكي مجد اسبانيا من جذورها العربيه الهوى . في افاق الفلامنكو تمتد جملة الباشا اللحنية منذ زرياب ( صاحب الكونسرفاتوار الاول في العالم )الذي اتى بفكرته من بغداد ، وتمتد عبرها تلك الجمله اللحنيه على مساحه لا تساوم في الزمن اللبناني العربي الإسباني المتوسطي عبر فهمه المتطور لمفهوم جماليات الابديه المسكون بها الباشا والتي لطالما تحدثنا عنها كلحظة او برهه موسيقيه خالده تتوسله ويتوسلها بشغف المحب المشتاق الى مرجعيته حتى على اصابع الاله الغربيه الاصعب في التاريخ الموسيقي الذي يحاول الباشا السعي بها الى مكان وسط يقع في منطقه وسطى بين عقل الحداثه وحنين القلب الذي لا يقطع ابداً مع ذاكره التاريخ! يحاول الباشا بمفرداته ترويض لغة ذلك المكان الواقع في منطقه وسط بين قلبه وعقله ليفرض نفسه على التجدد في الزمن الموسيقي دون ان يستسلم للنظر بالخاص في جملته اللحنيه ليمنعها ان تقع في حنين فارغ وهو يتطلع بعينه الاولى عبرهاالى الوراء ليبقي على عينه الاخرى مشرعه في نفس الوقت على المستقبل الموسيقي الخاص الذي يعرف كيف يعوم فوق أمواجه وهو يبحر بخصوصيته في المحيط الجغرافي الشرق- عربي -المتوسطي - العالمي العام في انفتاحه على العالم والافكار عبر جمالية خصوصيتها في مؤلفاته كأصل ومرجع مفتوح على الحكمه التي ستربط جملته اللحنيه على جملته الهارمونية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم