الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

"الجمهوريّة إلى الوراء" ... أزمة فرنسيّة بسبب "وحشيّة جوبيتر"

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
"الجمهوريّة إلى الوراء" ... أزمة فرنسيّة بسبب "وحشيّة جوبيتر"
"الجمهوريّة إلى الوراء" ... أزمة فرنسيّة بسبب "وحشيّة جوبيتر"
A+ A-

قدّمت وكالة "رويترز" الأميركيّة مختصراً مفيداً ربّما، عمّا وصفته ب "الاختبار المبكر لحماسة الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً والنمط الرئاسيّ القاسي" الذي يتّبعه. إذ يبدو أنّ رئيس أركان القوّات الفرنسيّة #بيار_دو_فيلييه (61عاماً) قد وقع ضحيّة لذلك الاندفاع بعدما قدّم استقالته إثر دخوله في خلاف علنيّ مع الرئيس الفرنسيّ #إيمانويل_ماكرون. 

فقد خفّضت الحكومة الفرنسيّة ميزانيّة الدفاع للعام الحالي كي تقلّص العجز إلى أقلّ من 3% من الدخل القومي كما تمّ الاتفاق عليه بين دول #الاتّحاد_الأوروبّي. وردّاً على هذا الإجراء، قال دو فيلييه للجنة برلمانيّة منتصف الأسبوع الماضي إنّه لن يسمح للحكومة بأن "تعبث معه" (عبارة ملطّفة) في هذه القضيّة.

عليه الموافقة على ما أقول

الرئيس الفرنسي كان قد أوضح في حديث صحافيّ أنّ الكلمة العليا تعود إليه بصفته رئيساً للبلاد: "إذا وقع خلاف بين رئيس أركان الجيش والرئيس، فرئيس الأركان يتغيّر". بينما عبّر رئيس الأركان يوم الجمعة الماضي من خلال حسابه على موقع "فايسبوك" تحت عنوان "رسالة إلى شابّ ملتزم" أنّه "ليس هناك من يستحقّ أن نوليه طاعة عمياء" في نقد رآه كثر أنّه موجّه للرئيس حتى ولو لم يذكره بالاسم. وكان ماكرون قد أكّد في صحيفة "لو جورنال دو ديمانش" أنّ شرط احتفاظ دو فيلييه بثقته هو "أن يعرف رئيس الأركان تسلسل القيادة"، وأضاف بنبرة حاسمة: "ليس أمام رئيس الأركان سوى الموافقة على ما أقول".

من واجبي التعبير عن التحفظات

بيان الاستقالة الصادر عن رئيس الأركان ذكر أنّ الحفاظ على قوّة الدفاع الفرنسيّة بات "عملاً صعباً على نحو متزايد في إطار القيود الماليّة المفروضة". وأضاف: "في الظروف الحاليّة لم أعد أرى نفسي قادراً على تأمين قوّة دفاع متينة للبلاد، وأعتقد أنّه من الضروري ضمان حماية فرنسا والشعب الفرنسي اليوم وغداً والحفاظ على أهداف بلادنا". وأوضح دو فيلييه الذي تولّى المنصب لثلاث سنوات ونصف أنّه "انطلاقاً من احترامي الكبير للوفاء الذي كان دائماً أساس علاقتي مع السلطة السياسيّة، أعتبر أنّه من واجبي التعبير عن تحفّظاتي عدّة مرّات في اجتماعات مغلقة بكلّ شفافيّة وصراحة". لكن ألم يكن بإمكان دو فيلييه إيجاد تسوية مع الرئيس بدلاً من الذهاب إلى خيار صداميّ لن يخدم صالحه؟

يرفض الانحناء

النبذة التي قدّمتها صحيفة "لو باريزيان" الفرنسيّة عن حياة دو فيلييه قد تحمل إجابة شافية. فهي رأت أنّ استقالة الجنرال الذي خدم في #كوسوفو و #أفغانستان تُبرز أنّه "يرفض الانحناء حين يتعلّق الأمر بالدفاع عن صفوفه". وكتبت أنّه كان في "حرب مفتوحة" مع الرئيس الفرنسيّ، ممّا "كلّفه منصبه المرموق". وعلى عكس سلفه الأميرال إدوار غيّو الذي اتُّهِم بالقبول بتقليص كبير للعدّة والعديد في صفوف جنوده، هدّد دو فيلييه بالاستقالة بعد أربعة أشهر فقط على تعيينه، عندما طُرِح فرض مزيد من القيود الماليّة على الجيش سنة 2014. وذكّرت الصحيفة بموقف سابق للجنرال المستقيل أعلنه منذ سنتين: "لم أتراجع في العمليّات، ولن أتراجع في الموازنة".

الديكتاتوريّة إلى الأمام

هذا الحدث أثار استياءً لدى قسم من الفرنسيّين الذين سارعوا إلى إطلاق هاشتاغ: "الديكتاتوريّة إلى الأمام" في انتقاد لحزب ماكرون الجديد "الجمهوريّة إلى الأمام". أمّا آخرون فأطلقوا هاشتاغ "إلى الوراء" كنوع آخر من السخرية. وكتب ناشطون أنّه بعدما تمّ وضع اليد على الجمعيّة الوطنيّة (إحدى غرفتي السلطة التشريعيّة الفرنسيّة)، حان دور الجيش الفرنسيّ. واستنكر مغرّدون كيف يتمّ اقتطاع 850 مليون يورو من الموازنة فيما يستمرّ الجيش الفرنسي بالقيام بالمهمات نفسها.

"أسلوب وحشيّ"

لم تكن الأجواء الصحافيّة والسياسيّة أقلّ تهجّماً، حتى ولو خلت من السخرية. فالكاتب في صحيفة "لوبينيون" الفرنسيّة جان-دو ميرشيه قال للقناة الخامسة إنّ ماكرون "أذلّ حقّاً" رئيس الأركان المستقيل أمام المجتمع العسكريّ إضافة إلى أنّه لم يعيّن مستشارين في الشؤون العسكريّة و "هذه مشكلة حقيقيّة" بحسب رأيه.

بينما قال النائب الفرنسيّ الجمهوريّ إريك سيوتّي في مقابلة مع قناة "بي أف أم تي في" الفرنسيّة إنّ ما فعله ماكرون هو "خطأ كبير وثقيل جدّاً" وقدّم "برهاناً على الاستبداد". ووصف فلوريان فيليبو، من #الجبهة_الوطنيّة، قرار ماكرون بأنّه تعسّف مقلق في استخدام السلطة. ولليسار أيضاً حصّته من النقد الحادّ، إذ رأى النائب ألكسيس كوربيار عن حزب "#فرنسا_غير_الخاضعة" أنّ سياسة ماكرون فشلت وأظهرت "أسلوبه الوحشيّ". بينما لفت بينوا هامون، المرشّح الاشتراكي السابق إلى الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة إلى أنّ ما حدث هو "تحفة فنّيّة جديدة" لماكرون.  

خلط بين السلطة والتسلّط

السياسيّة الفرنسيّة والعضو في البرلمان الأوروبي فرانسواز غروستيت كتبت على موقعها عبر "فايسبوك" أنّ هذا "الخطأ" أتى في "الشكل والمضمون". إذ إنّ #فرنسا في مرحلة صعبة وبالتالي "حرمها (ماكرون) من خدمات جنرال خبير" ومن "رجل قناعة كان له الشجاعة في عدم إسكات الحقيقة، حتى ولو كان الاستماع إليها صعباً". وبعدما اتّهمت ماكرون بال "عناد" وب "رفضه الاستماع إلى الحقيقة" رأت أنّ الرئيس الفرنسيّ "خلط بين السلطة والتسلّط" لأنّ الرئيس "عليه بالتأكيد أن يعلم كيف يوجّه، لكن أيضاً أن يسمع". غير أنّ الخطأ يصبح أكبر لأنّ فرنسا "تبشّر" على الصعيد الأوروبي بضرورة زيادة شركائها الأوروبّيين لجهودهم في المجال الدفاعي كما أضافت غروستيت.

خلل آخر

لم يستبعد الباحث الفرنسيّ في الشؤون السياسيّة والاقتصاديّة جاك سابير احتمال ظهور خلل يطبع العلاقة بين السلطتين السياسيّة والعسكريّة في فرنسا، بسبب تصرّف ماكرون الأخير. وكتب على مدوّنته "روسأوروب" التي تعنى بالشؤون الروسيّة والأوروبيّة، أنّ ما قاله الجنرال المستقيل أمام لجنة نيابيّة هو "ممارسة طبيعيّة للديموقراطيّة". بينما رأى الرئيس الفرنسي ذلك "اعتراضاً" على سلطته، الأمر "الذي يقول أيضاً الكثير حول احترامه للأصول الديموقراطيّة". الخلل في العلاقة السياسيّة – العسكريّة فرنسيّاً، كانت قد تطرّقت إليه الصحافيّة في مجلّة "باري ماتش" فيرجين لوغاي مشيرة في حديث تلفزيونيّ إلى أنّ العلاقة أضحت "هشّة للغاية".

في تشرين الأوّل من العام 2016، أعلن ماكرون في حديث إلى مجلّة "تشالنج" الاقتصاديّة ومقرّها #باريس، أنّ الرئيس هولاند لم يكن "جوبيتريّاً"، في إشارة إلى قوّة كبير الآلهة جوبيتر في الميثولوجيا الرومانيّة. وأضاف أنّ الرئيس "العادي" يزعزع استقرار وأمن الفرنسيّين، لذلك هو لا يؤمن بشخصيّة كهذه، واعداً حينها بأن يكون هو الرئيس "الجوبيتريّ" المقبل.

في كلّ أنحاء العالم، يطمح الناخبون أن يلتزم مرشّحهم بخطابه الانتخابيّ بعد الفوز. لكن إذا استمرّ "جوبيتر" على هذا المنوال، فقد يشذّ الفرنسيّون بغالبيّتهم عن تلك القاعدة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم