الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

انتكاسة الفصح في الأراضي المقدسة... والشوير "قلعة الموحدين"

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
انتكاسة الفصح في الأراضي المقدسة... والشوير "قلعة الموحدين"
انتكاسة الفصح في الأراضي المقدسة... والشوير "قلعة الموحدين"
A+ A-

انتكاسة. وللعديد من مسيحيي الاراضي المقدسة، الامر ليس مبررا اطلاقا. لكن قرار "انفصال" الكاثوليك عن الارثوذكس في الاحتفال معًا بعيد الفصح اتُّخذ، لاغيًا مفاعيل قرار سابق بتوجه مختلف كليا. التوحيد لم يصمد اكثر من عامين، بما "يحرج" الخطوات التقريبية التي امكن تحقيقها في الاعوام الاخيرة، ويخيّب الجهود. خبر حزين من موطن يسوع المسيح... ولكن خبر سار من لبنان، من الشوير "قلعة الموحدين" التي يثبت اهلها الكاثوليك والارثوذكس والموارنة، للسنة السابعة على التوالي، ان لا شيء يقف في وجه التوحيد، اذا توفرت الارادة الشعبية الطيبة.


ما شكّل "دواعي سرور" لمجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الاراضي المقدسة باعلانه ان الكاثوليك يحتفلون بالفصح مع الارثوذكس ابتداء من 2013، تحوّل بعد اقل من عامين الى اعلان مختلف كليا: انفصال الاحتفالات بالعيد بين الكنائس الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية. "مسألة العيد تبقى في نطاق كل رعية، شرط ان تتفق الكنائس الكاثوليكية في كل بلد على الاحتفال معا، وفقا لاي تقويم تراه مناسبا"، جاء في بيان المجلس قبل اشهر عدة (حيفا.نت-ك2 2015).


"عندما حققنا الوحدة، لم يعد يريدونها!"
خيبة كبيرة. وما فهمه رئيس المجلس الملي الوطني الارثوذكسي في حيفا يوسف خوري من سلطات روحية محلية ان "الموارنة يعارضون هذا التوحيد. وقد انضم اليهم اللاتين، مما اضطر الروم الكاثوليك الى الوقوف معهم". القرار يخيّب بالطبع كاثوليك وارثوذكس كثيرين، و"يسرق" فرحة عاشتها قبلا حيفا ومناطق واسعة في الاراضي المقدسة.


القصة ترجع الى 2009-2010. آنذاك، قصد خوري بطريرك الارثوذكس في القدس، مبديا له رغبة في توحيد الاحتفال مع الكاثوليك. "قلت له اننا شعب واحد، ومدينة واحدة، وبلد واحد. زوجتي واقرباء عديدون لي كاثوليك. ونريد ان نحتفل بالعيد معا"، يروي. يومها، شجعه البطريرك. "روحوا عيّدوا مع بعضكم. لكن قد يخذلونك"، قال له. واجابه خوري: "انا اتحمل المسؤولية".


وبالعودة الى حيفا، عرض خوري الامر مع مطران الجليل للروم الكاثوليك آنذاك ورئيس رعية مار الياس للروم الكاثوليك. وكان الجواب ايجابيا جدا. "وقعنا يومها اتفاقا بان يحتفل الارثوذكس بالميلاد مع الكاثوليك وفقا للتقويم الغربي، على ان يحتفل الكاثوليك بالفصح مع الارثوذكس وفقا للتقويم الشرقي". وقد التزم الجانبان الاتفاق. وبصدور قرار مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية بالتوحيد (2012)، "كنا سعداء. وصارت احتفالات في حيفا شارك فيها 20 الف مسيحي، مع عشرات المطارنة والكهنة. لقد سكّرنا البلد".


بالانفصال، لن تعيش حيفا وغيرها من مناطق في الاراضي المقدسة ما عاشته ايام التوحيد. "العيد حزين جدا هذه السنة"، يقول خوري. ويتدارك: "صار لنا الف سنة نصلي من اجل الوحدة. وعندما حققناها، لم يعد يريدونها. فما معنى هذه الصلوات؟ الامر مؤسف جدا". ورغم الخيبة، قرر المجلس الملي الارثوذكسي "الاستمرار في الاتفاق الموقع، حتى لو خالفه الكاثوليك. الارثوذكس مستعدون للاحتفال بالميلاد معهم". وما يتمناه خوري هو "ان تضغط القاعدة الشعبية على السلطات الروحية والاكليروس من اجل تحقيق هذه الوحدة، لان الخلافات في الكنيسة مصدرها رجال الدين".


يونان وافرام... وتواضروس!
واذا كانت جهات دينية تشتغل على طريقتها لعرقلة الوحدة، فان بطاركة واساقفة كاثوليك وارثوذكس يسعون الى التقريب وازالة العقبات. قبل نحو شهرين، اعلن الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني "مد اليد إلى جميع إخوتنا، داعين إلى العمل الجدي والحثيث لاتخاذ الخطوات العملية اللازمة لتوحيد العيد". واكد انه "سيقوم بخطوات عملية، وسيستمر في جهوده" ("النهار"-7 شباط 2015).


كذلك، يؤمن بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بان "ثمة حاجة دائما الى الوحدة بين المسيحيين". ويقول لـ"النهار": "اليوم نسعى جديا، قولا وعملا، لتحقيق الوحدة المنظورة. لكن هذه الوحدة ليست بالسهولة التي نعتقدها. فلو كنا موجودين في بلاد تتمتع بالفعل بالحرية الصحيحة، لامكن فورا ان نلتقي ونحدد (تاريخا واحدا للفصح). على سبيل المثال، لو كنا في بلاد تتساوى فيها نوعا ما نسبة المسيحيين او الظروف، لامكن القول انه يتوجب اتخاذ هذا التدبير. ما يمنع توحيد العيد في الشرق هو انه اذا وحدناه عندنا، فقد لا نجد ان كل الجماعات المسيحية لديها التفكير نفسه".


قبل 51 عاما، بحث البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني اثيناغوراس في توحيد العيد خلال لقائهما في القدس (1964). "يومها، اقترح البابا الاحد الثاني من نيسان، كأحد ثابت للاحتفال بالعيد"، يفيد يونان. العام الماضي، تلقى من بابا الاقباط الارثوذكس تواضروس الثاني "اقتراحا بان نختار احدا ثابتا من نيسان للاحتفال بالعيد معا، وقد فضّل الاحد الثالث". ويتدارك: "لا اختلاف. لكن المشكلة الاساسية هي انه في وقت يقبل الكاثوليك- اذا تم الاتفاق على اساس ان التقويم الغربي ليس الهيا- فللكنائس الارثوذكسية في العالم اوضاع تختلف عن اوضاعنا في الشرق. والارثوذكس في الشرق لا يستطيعون ان ينفصلوا عن سائر الارثوذكس في العالم. واذا قبلنا اقتراح تواضروس، فيكون ذلك جيدا. لكن الارثوذكس لا يستطيعون".


في الاجندة، ينعقد المجمع الارثوذكسي العام سنة 2016 في اسطنبول. ويتوقع البطريرك ان "يناقش خلاله توحيد الاحتفال بالعيد. وسنبقى من جهتنا ندفع بالامور في اتجاه اقتراح بابا الاقباط، اي ان نحدد احدا ثابتا من نيسان". في غضون ذلك، تبقى العلاقة بين السريان الكاثوليك والسريان الارثوذكس "تقاربا كبيرا وزيارات متبادلة وتشاركا في الاحتفالات، وتواصلا مستمرا"، يقول يونان. "لدينا لجنة مسكونية لحوار دائم بيننا. ولا فارق بيننا. وتبقى مشكلة واحدة عالقة هي رئاسة البابا... والبطريرك افرام الثاني يزور البابا فرنسيس في حزيران المقبل. ونستمر في الصلاة. شعبنا منفتح جدا على الوحدة".


الشوير... ساحة "كنيسة المسيح الواحدة"
المكان: الشوير وعين السنديانة في لبنان. والقصة رائعة بين ارثوذكس وكاثوليك وموارنة واقليات، وتستمر من 7 اعوام. الهجمة موحدة احد الفصح، مع اضافة رائعة: رتبة جناز المسيح موحدة في الجمعة العظيمة. "اهم من الحدث بذاته الذي بدأ العام 2009 هو الاستمرار فيه"، يقول المسؤول في لجنة توحيد عيد الفصح في الشوير وعين السنديانة المؤلف الموسيقي والمسرحي فريد الصباغ لـ"النهار". ويتدارك: "ربما حصلت قديما محاولات عدة هنا وهناك لاقامة احتفالات مشتركة بالفصح، لكن سرعان ما توقفت بعد فترة لاسباب، منها ربما قلة الاندفاع، او مشاريع تحمل وراءها اهدافا اخرى تساهم في الالغاء. كل مشروع يدعو الى الوحدة يواجِه دائما محاولات لالغائه او وقفه".


حتى اليوم، كانت ارادة اهالي الشوير اقوى من اي خلاف، "ومكنتهم من تذليل كل العقبات"، يؤكد الصباغ. كل سنة، تظهر عقبات جديدة، "لكننا نتجاوزها ونجد حلا لها. هناك ارادة حقيقية لايجاد حل لكل المشاكل". من البداية، تجاوز الاهالي اي خلاف على اختيار التاريخ. "بالنسبة الينا، الاساس هو الاتفاق على تاريخ، ايا يكن. ففي النهاية، المهم ان يلتقي الناس ويتوحدوا. العيد الحقيقي يكون في التقائهم وتوحدهم. وهذه هي ارادة الرب يسوع".


سنة 2015، "يتوحد" الشويريون مجددا، كما فعلوا من 2009، في الفصح وفقا للتقويم الشرقي. "في النهاية، يجب اختيار تاريخ. وقد حاولنا ايجاد تاريخ له تفسير، منعا لاصطياد اي كان في الماء العكر"، يقول. بعد اجراء ابحاث تاريخية، "تبين ان هناك تاريخين للاحتفال بعيد الميلاد. ولما كان معظم المسيحيين في لبنان يحتفلون بالميلاد في التقويم الغربي، وجدنا ان لا مانع من الاحتفال بالفصح في التقويم الشرقي، انطلاقا من روح المشاركة. وبهذه الطريقة نكون وفّقنا بين الجميع".


البداية من زياح الشعانين الموحد الذي ينشد خلاله الشويريون معا نشيد "وحدنا العيد" من تأليف وتلحين الاخوين فريد وماهر الصباغ. في الجمعة العظيمة، توافق كهنة الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والمارونية على رتبة موحدة لجناز المسيح، تضم كل انواع التراتيل البيزنطية الكاثوليكية والارثوذكسية والمارونية. ويقول الصباغ: "لقد امكن تطويرها، حتى باتت نموذجية موحِّدَة لكل الطوائف، وجامعة لكل الكهنة وراء مذبح واحد وفي كنيسة واحدة".
الانجاز الاكبر هو جمع الاهالي، من كل الطوائف في مكان واحد. ومن الاول، تجاوز الشويريون عقدة المكان. 2009: كنيسة السيدة للروم الارثوذكس. 2010: تحت خيمة كبيرة في ساحة الشوير التي تجمع بين كنائس الكاثوليك والارثوذكس والموارنة في البلدة. يومها صمم شقيق الصباغ، المهندس رامي، بوابة حديد كبيرة في الساحة تصل بين الكنائس الثلاث لاقامة الهجمة عندها. 2011 و2012: ساحة ضهور الشوير، تحت خيمة ضخمة. 2014: كنيسة الموارنة. 2015: كنيسة الارثوذكس. "والكهنة الثلاثة، الكاثوليكي والارثوذكسي والماروني، يتناوبون على رئاسة الرتبة كل سنة". وجمعًا للصفوف اكثر، تم الاتفاق على ان يكون الالتقاء كل مرة في كنيسة من طائفة معينة، وبالمداورة بين كنائس البلدة كل سنة.


لحظات الذروة تعيشها المنطقة خلال الهجمة، ليلا او فجرا. "هذه السنة، انه دور الهجمة فجرا"، يفيد الصباغ. ساحة الشوير صار اسمها من 2009 ساحة "كنيسة المسيح الواحدة". "لقد باتت رمزا لوحدة الطوائف. وبوابة الحديد الكبيرة كأنها بوابة كنيسة كبيرة. وعندها يتجمع الكهنة والمؤمنون من مختلف الطوائف لاقامة هجمة موحدة احد الفصح". وبانتهائها، يتوجه كل منهم الى كنيسته، للاحتفال بقداس الفصح.


الخبرة علمت الصباغ درسا قيّما. "الطريق الامثل لتوحيد الاحتفال بالفصح يكون، ليس عبر انتظار قرار من السلطات الروحية، بل انطلاقا من القاعدة الشعبية. في رأيي، تخضع السلطات الروحية لمشيئة الشعب في نهاية الامر. وفي الشوير، انطلقت عملية الوحدة من الشعب. فبعدما اقترح مختارها مخايل صوايا فكرة توحيد التاريخ، اظهر كهنة الشوير السابقون والحاليون انفتاحا وحدويا كبيرا. كذلك كان لبلدية الشوير ورؤسائها المتعاقبين وفاعليات البلدة وجمعياتها و"موسيقى الشوير" وكشافتها دور كبير في انجاح الانجاز. كان ذلك حلم كل واحد منا. ارادة شعبنا كانت جارفة، بحيث اثرت على قرار السلطات الروحية. الارادة الشعبية تشكل عامل ضغط". ويبقى الحلم الكبير ان ينسحب توحيد العيد على كل لبنان والشرق. "نحن مستعدون لمساعدة اي كان في خبرتنا في تحقيق توحيد العيد".


*احتفالات اسبوع الجمعة العظيمة في الشوير وعين السنديانة:


-زياح الشعانين الموحد: الاحد 5 نيسان، 12 الا ربعا في ساحة ضهور الشوير.
*رتبة جناز المسيح الموحدة: الجمعة 10 نيسان، 6,30 مساء في كنيسة السيدة.
*الهجمة الموحدة: الاحد 12 نيسان، 5,00 فجرا في ساحة الشوير.


[email protected]


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم